الحياة \ فريدريك نيتشه

رسلت نظراتي إلى أعماق عينيك الساهدتين، أيتها الحياة، فوقف نبضان قلبي؛ إذ رأيت الذهب متوهجًا فيهما ورأيت مركبًا ذهبيًّا يشع على بحر الظلام يشدُّ بمهدٍ مذهَّب مشرف على الغرق. ورشقتِ قدميَّ المصابتين بجنون الرقص بنظرة مسكرة مذيبة ضاحكة مستفهمة، وما قرعت يداك الصغيرتان ضربتين على دفِّك حتى تحفزت قدماي للوثوب وتنصَّت عقب كل منهما لأوزانك، وأُذن كل راقص مفتوحة في عقب قدمه. وثبتُ إليك، أيتها الحياة، ولكنك تراجعت عني وتوليت، فإذا بغدائر شعرك المتطاير تسمعني فحيح الأفاعي وتريني من ألسنتها نصالًا. قفزت متراجعًا عنك وعن أفاعيك، فإذا بك متعالية تتحولين مقبلة عليَّ، وقد تدفقت بالشهوات عيناك، مشيرتين إليَّ بنظراتهما المنحرفة أن أتبع السبل الملتوية، وهكذا تعلمت قدماي المراوغة على منعرجات الطريق. إنني أخشاك قريبةً وأحبك بعيدة، أيتها الحياة، فيجذبني إعراضك عني ويوقفني إقبالك نحوي، فأنا معذب بك وأي عذاب لا أتحمله من أجلك، أنت المحرقة ببردك، الساحرة بكيدك، الجاذبة بإدبارك المحيرة بسخريتك. أي إنسان لا يكرهك، أيتها الآسرة الغامرة الساحرة التي لا يفوتها مقصد تتجه إليه، ومن لا يحبك وأنت البريئة الرَّعْ...