المشاركات

التحليل الفلسفي لـ "مضخة السعادة البشرية"

صورة
  "مضخة السعادة البشرية" يمكننا أن نطلق على هذا الشخص مجازًا اسم "مضخة السعادة البشرية". هذا الشخص يعمل كمحرك يضخ السعادة والرضا والراحة للآخرين، لكن وقوده هو طاقته ورفاهيته وسعادته الشخصية، مما يؤدي إلى استنزافه تدريجيًا. التحليل الفلسفي لـ "مضخة السعادة البشرية" يمكن النظر إلى هذا السلوك من خلال عدة مدارس فلسفية، كل منها يقدم تفسيرًا مختلفًا لدوافعه ومشروعيته الأخلاقية. 1. الإيثار المتطرف (Extreme Altruism) هذا هو المفهوم الأكثر مباشرة لوصف هذه الشخصية. الإيثار هو المبدأ الأخلاقي الذي يرى أن رفاهية الآخرين لها قيمة أخلاقية ويجب أن تكون دافعًا لأفعالنا. لكن "مضخة السعادة" تمثل نسخة متطرفة وغير متوازنة من الإيثار، حيث يتم إلغاء الذات تمامًا. الإيثار الصحي: يتضمن الاهتمام بالآخرين مع الحفاظ على احترام وتقدير الذات. الإيثار المرضي (Pathological Altruism): وهو ما يمثله هذا الشخص، حيث يصبح التركيز على إسعاد الآخرين هوسًا أو إجبارًا، حتى لو أدى ذلك إلى ضرر كبير بالذات (عاطفيًا، جسديًا، أو ماليًا). هنا، لا يُنظر إلى الذات على أنها تستحق الرعاية أو السع...

الإرادة الحرة: رحلة في أعماق الفلسفة بين حتمية القدر وحرية الاختيار

صورة
  معضلة الإرادة الحرة تعتبر مسألة الإرادة الحرة واحدة من أقدم وأعقد الإشكاليات في تاريخ الفلسفة. فهي تمس جوهر التجربة الإنسانية: هل نحن كائنات تتمتع بالقدرة على الاختيار الحر لأفعالنا وتحديد مصائرنا، أم أننا مجرد دمى في مسرح الكون، تحركنا خيوط حتمية من الأسباب والقوانين التي لا نملك عليها سيطرة؟ هذا السؤال الجوهري لا يقتصر على كونه ترفاً فكرياً، بل تمتد آثاره لتشمل مفاهيمنا عن المسؤولية الأخلاقية، العدالة، القانون، وحتى معنى وجودنا ذاته. المذاهب الفلسفية الرئيسية ينقسم الجدل حول الإرادة الحرة بشكل أساسي إلى ثلاثة تيارات رئيسية: 1.  الحتمية (Determinism): هو الموقف الفلسفي الذي يرى أن كل حدث، بما في ذلك الأفعال البشرية، هو نتيجة حتمية لسلسلة من الأسباب السابقة. وفقاً للحتميين، لو عرفنا كل القوانين الفيزيائية والحالات الأولية للكون، لأمكننا التنبؤ بالمستقبل بأكمله بدقة، بما في ذلك كل قرار سيتخذه أي إنسان. من هذا المنظور، تكون الإرادة الحرة مجرد وهم. 2.  الليبرتارية أو اللاحتمية (Libertarianism/Indeterminism): يقف هذا المذهب على النقيض تماماً من الحتمية. يرى الليبرتاريون أن ...

رواية البؤساء: ملحمة العدالة، الفداء، والحب في قلب باريس

صورة
  تُعتبر رواية "البؤساء" (Les Misérables) للكاتب الفرنسي العظيم فيكتور هوجو، التي نُشرت عام 1862، أكثر من مجرد قصة؛ إنها لوحة جدارية اجتماعية، تأمل فلسفي عميق، وصرخة مدوية في وجه الظلم الاجتماعي. عبر صفحاتها التي تتجاوز الألف، ينسج هوجو مصائر شخصيات لا تُنسى، مستكشفاً أعماق النفس البشرية وقضايا الخير والشر، القانون والأخلاق، والحب والفداء. - الهيكل العام والشخصيات الرئيسية تنقسم الرواية إلى خمسة أجزاء رئيسية، يتتبع كل منها مرحلة حاسمة في حياة بطلها، جان فالجان، والشخصيات التي تتقاطع أقدارها مع قدره. جان فالجان (Jean Valjean): السجين السابق الذي قضى 19 عاماً في الأشغال الشاقة لسرقته رغيف خبز. يخرج من السجن محملاً بالمرارة والكراهية للمجتمع، لكن لقاءً واحداً يغير مسار حياته إلى الأبد. المفتش جافير (Javert): ضابط الشرطة الذي يمثل القانون الصارم والعدالة المطلقة التي لا تعرف الرحمة. يرى العالم بلونين فقط: أبيض وأسود، ويصبح هوسه الأبدي هو مطاردة فالجان. فانتين (Fantine): الفتاة العاملة التي تتدهور حياتها بشكل مأساوي بعد أن تتخلى عنها حبيبها، وتضطر إلى بيع كل ما تملك، بما في ذلك شع...

كتاب الموت \ تود ماي

صورة
  يقدم الفيلسوف الأمريكي المعاصر تود ماي في كتابه الصادر عام 2009 بعنوان "الموت" (Death)، والذي يُعرف أيضًا باسم "الموت: فن العيش"، تأملًا فلسفيًا عميقًا ومكثفًا حول حقيقة الموت الحتمية وكيفية تأثيرها على حياتنا. بعيدًا عن التعقيدات الأكاديمية، يتناول ماي هذا الموضوع الشائك بأسلوب واضح ومباشر، مما يجعل الكتاب في متناول القارئ العام والباحث المتخصص على حد سواء. يتنقل الكتاب بين فكرة أن الموت مأساة تسلب الحياة معناها، وفكرة أنه هو ما يمنحها هذا المعنى والجمال في المقام الأول. يتألف الكتاب من ثلاثة فصول رئيسية، يقودنا من خلالها تود ماي في رحلة فكرية لفهم الموت والتعايش مع حتميته. الفصل الأول: تعاملاتنا مع الموت (Our dealings with death) يبدأ ماي هذا الفصل بتأكيد جريء ومباشر: "حقيقة أننا سنموت هي أهم حقيقة عنا". يرى ماي أن الموت ليس مجرد حدث في نهاية الحياة، بل هو الحقيقة التي تشكل بنية وجودنا بأكمله. كل ما نفعله، وكل المشاريع التي ننخرط فيها، تحدث على خلفية معرفتنا بأننا كائنات فانية. يستعرض ماي الطرق المختلفة التي حاول بها البشر على مر العصور التعامل مع حتمي...

قدرة الحيوانات البرية على التعافي من الصدمات بشكل طبيعي بينما يعلق البشر غالبًا في دوامة الصدمات النفسية

صورة
  لتفسير سبب قدرة الحيوانات البرية على التعافي من الصدمات بشكل طبيعي بينما يعلق البشر غالبًا في دوامة الصدمات النفسية، قدم الدكتور بيتر ليفين رؤى ثورية من خلال عمله، لا سيما في تطوير ما يُعرف بـ "التجربة الجسدية" (Somatic Experiencing). تستند ملاحظاته وأبحاثه إلى فهم عميق لكيفية معالجة الجهاز العصبي للتهديدات والصدمات. النقاط الرئيسية في فهم الدكتور بيتر ليفين للصدمة: 1.  الصدمة كطاقة غير مُفرغة: يرى ليفين أن الصدمة ليست الحدث نفسه، بل هي الطاقة البيولوجية الهائلة التي يتم حشدها في الجسم لمواجهة التهديد (استجابة "الكر أو الفر أو التجمد") والتي لم يتم تفريغها أو إكمالها بشكل صحيح. عندما يواجه الحيوان تهديدًا، فإنه إما يقاتل أو يهرب. إذا لم يكن أي من الخيارين متاحًا، يدخل الحيوان في حالة "تجمد" أو شلل مؤقت. بمجرد زوال الخطر، يقوم الحيوان بتفريغ هذه الطاقة الهائلة من خلال حركات لا إرادية مثل الارتعاش، والاهتزاز، والتنفس العميق. هذه العملية تعيد الجهاز العصبي إلى حالة التوازن. 2.  دور العقل البشري (القشرة المخية الحديثة): على عكس الحيوانات، يمتلك البشر قشرة مخ...

متعة القراءة في عصر التشتت: ملاذ للعقل وبصيرة للحياة

صورة
  في خضم عالم يموج بالمشتتات الرقمية والإشعارات المتلاحقة، تبدو القراءة فعلًا ثوريًا، وملاذًا ثمينًا للعقل الباحث عن السكينة والمعرفة. إن متعة القراءة ليست مجرد هواية عابرة، بل هي رحلة استكشافية توسع الآفاق وتثري الروح، وتمنحنا القدرة على فهم أعمق لأنفسنا وللعالم من حولنا. وعلى الرغم من التحديات التي يفرضها عصر السرعة والتشتت، تظل القراءة تحتفظ بسحرها وقيمتها الخالدة. تحديات القراءة في العصر الرقمي: لا يمكن إنكار أن طبيعة العصر الرقمي قد ألقت بظلالها على عاداتنا . فقد أدى التدفق المستمر للمعلومات المختصرة والمحتوى المرئي السريع إلى تراجع مستويات التركيز والصبر اللازمين للغوص في أعماق كتاب. كما أن جاذبية وسائل التواصل الاجتماعي والإغراءات اللامتناهية للإنترنت تجعل من الصعب تخصيص وقت هادئ للقراءة المتأنية. أرى أن القراءة في عصر التشتت لم تعد ترفًا، بل ضرورة ملحة. إنها بمثابة تمرين لعضلة التركيز التي وهنت بفعل المشتتات، وهي نافذة على عوالم أخرى تكسر رتابة الواقع الرقمي المفروض. القراءة تعيد إلينا القدرة على التأمل والتفكير النقدي، وتزودنا بالأدوات اللغوية والفكرية اللازمة للتعبير عن أ...

اليوميات \ سوزان سونتاغ

صورة
  لا أشعر بالذنب لكوني منعزلة، علي الرغم من أنني قد أندم علي ذلك في بعض الأحيان لأن الوحدة مؤلمة. لكن عندما انخرط في هذا العالم أشعر وكأنني في فخ أخلاقي تمامًا. يشبه الأمر البحث عن الحب في بيت للبغاء.  سوزان سونتاغ، اليوميات هذه الفقرة  تعكس بشكل قوي بعض الموضوعات الرئيسية الموجودة في يوميات سوزان سونتاغ الشعور بالانعزال والوحدة: تعترف سونتاغ بعدم شعورها بالذنب لكونها منعزلة، لكنها في الوقت نفسه تعبر عن الألم المصاحب للوحدة. هذا التناقض يظهر صراعها بين حاجتها إلى العزلة للتفكير والإبداع، والشعور الإنساني بالرغبة في التواصل. النقد الذاتي والتساؤل: اعترافها بإمكانية الندم لاحقًا يدل على وعيها بتعقيد خياراتها وعدم يقينها التام بصحتها المطلقة. الشعور بـ "فخ أخلاقي" عند الانخراط في العالم: هذه الصورة القوية تشير إلى إحساسها بالتلوث أو الضياع الأخلاقي عند الانخراط في العالم الخارجي وعلاقاته. تشعر بأن العالم "غير نقي" أو "مبتذل" بطريقة ما، مما يجعل البحث عن شيء نقي كالحب فيه أمرًا صعبًا أو مستحيلًا ("البحث عن الحب في بيت للبغاء"). هذه المقتطفات تعطينا ل...

رواية "دميان" لهرمان هسه: رحلة نحو الذات

صورة
  تُعد رواية "دميان: قصة شباب إميل سنكلير" (Demian: Die Geschichte von Emil Sinclairs Jugend) للكاتب الألماني السويسري هرمان هسه، التي نُشرت لأول مرة عام 1919 تحت اسم مستعار هو "إميل سنكلير"، واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي تتناول رحلة البحث عن الذات والنضوج الروحي. تستكشف الرواية الصراع الداخلي للشاب إميل سنكلير وهو يتنقل بين عالمي الطفولة البريئة والنقاء، وعالم الكبار المليء بالظلام والغموض والتعقيد. تبدأ القصة مع إميل سنكلير، وهو فتى ينشأ في كنف عائلة متدينة ومستقيمة تمثل "عالم النور". يشعر سنكلير بالانجذاب نحو "عالم الظلام" المتمثل في الخدم والقصص الغريبة التي يسمعها. يتورط سنكلير في كذبة مع فتى متنمر يُدعى فرانتس كرومر، مما يجعله أسيرًا لابتزازه وخوفه. يمثل كرومر أول تجسيد لعالم الظلام الذي يقتحم حياة سنكلير الهادئة. يظهر في حياته ماكس دميان، وهو طالب جديد أكبر منه سنًا بقليل، يتمتع بشخصية غامضة وقوية وحكمة تتجاوز عمره. يساعد دميان سنكلير على التحرر من قبضة كرومر من خلال فهمه العميق لطبيعة الخير والشر، ويقدم له تفسيرًا مختلفًا لقصة قابيل ...

أزمة الهوية في عالم مُنمّط: نظرة على فكر إريك فروم

صورة
   أزمة الهوية في عالم مُنمّط: نظرة على فكر إريك فروم يرى إريك فروم أن الإنسان المعاصر يعيش في خضم أزمة هوية عميقة، حيث تتلاشى ملامح الذات الأصيلة تحت وطأة متطلبات مجتمع استهلاكي يسعى لقولبة الأفراد وفقًا لمعايير السوق والنجاح المادي. في هذا السياق، يُجبر الفرد على ارتداء "أقنعة اجتماعية" زائفة تخفي جوهره الحقيقي، مما يؤدي إلى شعور بالاغتراب وفقدان الذات. لقد تحول الإنسان، في نظر فروم، إلى سلعة تُقاس قيمتها بمدى توافقها مع متطلبات السوق، وبقدرتها على تحقيق "النجاح" بمفهومه السطحي. هذا التحول يُفقده إحساسه الفردي الفريد، ويجعله يعيش في حالة من التماهي مع الآخرين، باحثًا عن القيمة والاعتراف في عيون المجتمع بدلًا من اكتشافها في أعماق ذاته. 1. إن المشكلة الرئيسية للإنسان المعاصر ليست أنه غير سعيد، بل أنه لا يعرف كيف يكون سعيدًا.  يشير فروم هنا إلى أن الأزمة ليست مجرد غياب السعادة، بل فقدان القدرة على تعريفها وتحديد مصادرها الحقيقية. المجتمع الاستهلاكي يفرض نماذج زائفة للسعادة مرتبطة بالاستهلاك والمكانة الاجتماعية، مما يُضلل الفرد عن السعادة الحقيقية التي تنبع من النمو ا...

الإنسان الأخير \ باربرا ستيغلر

صورة
  ولأنّ الإنسان هو الكائن الحيّ الأكثر مواجهةً للفوضى فهو "الأشجع"، و"الأكثر قسوةً"، و"الأشدّ معاناةً" فإنّه في الوقت ذاته الأكثر تحصينًا ضدّها، والأشدّ تهديدًا بأن يُغلق على نفسه داخلها إلى الأبد. ومن هنا تنبع استحالة تحديد ماهيّة الإنسان، إذ هو الكائن الأكثر انفتاحًا على الممكن، وفي الوقت ذاته الأكثر تحصّنًا ضدّه. ولهذا، رأى نيتشه إمكانيّة ظهور "الإنسان الأخير".  غير أنّ هذا "الأخير" لا ينبغي فهمه على أنّه نهاية الإنسان (أو آخر أفراد الجنس البشريّ قبل فنائه)، بل هو ذلك الذي لم يَعُد يحدث له شيء، ولا يعترضه جديد، بل هو الذي يُعطّل، بشكلٍ دائم، إمكانيّة المستقبل، حتى يصير ذلك سِمَةً لعصرٍ بأسره. وبما أنّ الإنسان خالٍ، من حيث الماهية، من جوهرٍ ثابت، فهو يحمل في داخله أيضًا أعظم الأخطار: خطر الإغلاق التامّ أمام كلّ ما يفيض عليه من إمكانات الوجود. فهو، وإن كان "شجاعًا"، قد يتملّكه اليأس، وإن كان "قسِيًّا على نفسه"، قد يلجأ إلى الحنوّ الذاتيّ على جسده، وإن كان "يعاني من فرط التناقضات"، فقد يؤثر، في نهاية المطاف...

خيانة المثقفين \ جوليان بيندا

صورة
خيانة المثقفين  هو كتاب للفيلسوف الفرنسي جوليان بيندا نُشر عام 1927. يعتبر هذا الكتاب من الأعمال البارزة التي تناولت موضوعات فلسفية وأدبية حول دور المثقفين في المجتمع وعلاقتهم بالسلطة. خلاصة الكتاب: في هذا الكتاب، يطرح جوليان بيندا نقدًا حادًا لما يسميه "خيانة المثقفين"، حيث ينتقد المثقفين الذين ضحوا بالقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية من أجل دعم الأنظمة السياسية أو الأيديولوجيات التي تتسم بالقوة والقمع. يرى بيندا أن المثقفين في العصور الحديثة قد تحولوا من مدافعين عن الحقيقة والعدالة إلى أتباع للسلطة وأدوات لها. أهم المحاور في الكتاب: 1. المثقفون والسلطة: يناقش بيندا كيف أصبح المثقفون في العصر الحديث يخدمون الأنظمة السياسية بدلاً من الوقوف ضدها. يراهم في النهاية يتحولون إلى أدوات تُستخدم لخدمة السلطة. 2. تدمير القيم الإنسانية: يُدين بيندا كيف أن المثقفين أصبحوا يعبرون عن أفكار وأيديولوجيات تُخدم مصالح السلطة في مقابل المبادئ الأخلاقية والإنسانية. 3. تأثير الأنظمة السياسية: ينتقد الكتاب بشدة تواطؤ المثقفين مع الأنظمة السياسية الاستبدادية في فترة ما بين الحربين العالميتين، خاصة...

لوحة فنية تُصور (كوزيت) وهي إحدى شخصيات رواية البؤساء

صورة
  من أعظم وأصدق المقدمات يبدأ فيكتور هوجو في البؤساء  ما دامت قيمة الانسان تتدهور في الطبقات الدنيا وتسقط المرأة بسبب الجوع ويهزل الطفل بسبب الجهل فإن البؤس سيبقى وستكون القوانين بذاتها سببآ لهلاك المجتمع لوحة فنية تُصور (كوزيت) وهي إحدى شخصيات رواية البؤساء  رُسمت بواسطة إيميلي بايارد  عام 1862م ..  اشتهرت هذه اللوحة حتى أصبحت أيقونة لرواية فيكتور هوجو البؤساء،  وسر قوتها هو حجم المكنسة الهائل الذي يفوق قامة الطفلة كوزيت   وكأن الرسام يقول  إن من الجرم أن يحمل المكنسة كائن يبلغ طوله نصف طولها  لقد لخّص كل ما أراد فيكتور هوجو قوله بخصوص إنتهاك الأطفال في لوحة واحدة .

الذات ليست شيئاً نكتشفه في أعماقنا ( نيتشه \ هيغل )

صورة
  الذات ليست شيئاً نكتشفه في أعماقنا، بل شيئاً يتكوّن في احتكاكنا بالعالم .. كل فكرة تمرّ بك، كل شخص تقابله، كل علاقة ، كل لحظة دهشة أو صراع .. تكشف لك جانباً جديداً من ذاتك .. أنت لا تعرف نفسك تماماً ، حتى تراها خارجك - في اختياراتك، في ردود أفعالك، في ما تحب وما ترفض.. لهذا يقول نيتشه في كتاب الفجر:  لن يعرف الإنسان نفسه إلا بعد معرفته لكل شيء ، لأن الأشياء هي تخوم الإنسان ! أي أن كل ما حولك يرسم حدودك، ويكشف لك حقيقتك.. أما هيغل في كتاب (فنومينولوجيا الروح)  يتفق مع ذلك و يرأى أن الإنسان لا يصبح (ذاته) إلا حين يصطدم بغيره، حين يُقارن نفسه مع الآخرين ويُقاوم وينتزع اعترافاً .. فنحن نكتشف ذكاءنا حين نرى من هو أغبى، ونكتشف هشاشتنا حين نصطدم بمن هو أقوى ! و المرء يتأكد من تفوقه حين يرى من دونه ، ويشعر بنقصه حين يواجه من يفوقه .. لكن نيتشه وسّع هذه الرؤية : ليس فقط الآخر من  يعكسك، بل كل شيء حولك : المدن، الذكريات، الطقوس، الأفكار ، كلها مرايا للذات. بأختصار : كل ما هو خارجك .. يحمل جزءاً منك ! ولهذا حين نربّي طفلًا، لا يصح أن نعزله عن العالم بدافع الخوف المفرط عليه ، ...

أستأنس بصحبة غرباء الأطوار

صورة
  أستأنس بصحبة غرباء الأطوار والاستماع لأفكارهم أولئك المهمشين، غير التقليديين ، المنعزلين، غير المنمطين، المنسيين، المنبوذين ، غالباً هذه النوعية من الناس صهرتهم تقلبات الحياة فخرجوا منها أكثر أصالةً و جمالاً. تجذبني طريقتهم الفريدة في رؤية الحياة. أفكارهم تتحدى المألوف وتغوص في أعماق التجربة الإنسانية. ربما لأنهم يمتلكون شجاعة استثنائية تمكنهم من مواجهة الظلام والعودة منه بأفكار جديدة وملهمة تفيد من حولهم. قالت عنهم الكاتبة الأمريكية ليديا يوكنافتش في (مانيفستو المهمشين): "إذا كنت أحد هؤلاء الأشخاص الذين لديهم القدرة على الوصول إلى قاع المحيط ، والقدرة على السباحة في المياه المظلمة دون خوف ، والقدرة المذهلة على النجاة من معتركات الحياة  ، فلديك أيضا القدرة على جلب شيء جديد إلى السطح يساعد الآخرين بطريقة لا يمكنهم تحقيقها بأنفسهم، المهمشين و غرباء الأطوار لديهم تلك القدرة الفريدة على المرور من خلال الأحزان، المآسي و الصدمات و الظهور من الجهة الأخرى أكثر قوة"

تربية المقهورين \ باولو فريري

صورة
  زوجة تقتل زوجها، آباء يعاقبون أبناءهم بالضرب حتى الموت، وطالب يقتل معلّمته... هذا العنف المتزايد في مجتمعاتنا ليس عفويًا؛ بل هو نتاج واقع اجتماعي عنيف وظالم، يدعمه أولئك الذين يتحكمون بالسياسة المحلية والعالمية. في كتابه "تربية المقهورين"، يقول باولو فريري: "يُمارس العنف في المقام الأول من يضطهد ويستغل ولا يعترف بالآخرين كأشخاص، وليس من يُضطهد ويُستغل ويُنكَر. ليس تمرّد هؤلاء على القمع هو ما يجعلهم عنيفين، بل كونهم ضحايا عنفٍ هيكلي يجعلهم في دائرة العنف". ينفجر العنف، عندما تتخلى الدولة عن واجباتها في خلق فرص تضمن كرامة المواطنين، بدلًا من ابتكار أساليب لمعاقبتهم، وعندما تصبح المدارس أسواقًا تجارية والمعلمون مجرّد مندوبي مبيعات، وعندما تتحوّل منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات صراعٍ مليئة بمشاهد دموية، تنشر الكراهية، وتحرّض على القتل بلا رقيب ولا حسيب. نعيش في عالمٍ يُمجّد المجرمين ويُجرّم القتلة. وتتشفّى فيه الشعوب بمصائب غيرها، ولم تعد  مشاهد الموت وسفك الدماء يثير تعاطفهم مع من يُعانون خارج حدود أوطانهم. "عنف الظالمين يمنع المظلومين من أن يكونوا بشرًا كاملي...

لماذا نرفض كل ما يساعدنا؟ لماذا نخاف من كل ما يحررنا؟ ‎فلاديمير جيكارنتسيف

صورة
  لماذا نرفض كل ما يساعدنا؟ لماذا نخاف من كل ما يحررنا؟ ‎رفض كل ما يساعدنا: عندما تنصح شخصاً ما بقبول الأمور الموجودة في داخله، والتي يرفضها، يستيقظ في داخله شعور واضح بالخوف والرفض. فهو يخشى من أن تقبّله لهذه الأمور سيجعله على شاكلة الذين يقومون بها فيصبح بقية حياته مثلهم. فمثلاً إذا نصحت شخصاً طبيعياً بأن يتقبل غريزة القاتل في نفسه، فإنه ينفر منك وينظر إليك على أنك عدوه. ‎عندما ترفض وجود أمر ما في نفسك فهذا يعني أنك غير راغب بالنظر إلى الحقيقة، ويعني أيضاً أنك لا تسمح لها بالوجود. فإذا كنت لا تسمح لأمر ما بالوجود فإنه يختفي آلياً من حقل بصرك الداخلي ويظهر في الخارج. لأن العالم الخارجي يعكس حالتك الداخلية. ‎متى تستطيع أن تتقبل؟ ‎فقط عندما تعرف، فمعرفتك للشيء تجعله يفشل في فرض سلطته عليك، لأنك ستلاحظ دائماً محاولات كهذه فتسيطر على الوضع. إن قبول شيء في داخلك لا يعني أنك ستصبح كذلك وأنك ستعيش هذا الأمر في حياتك. إن قبولك للشيء الذي ترفضه وتقيّمه تقييماً سلبياً، سوف يدخل الحب والسلام إلى حياتك. ‎رفض كل ما يساعدنا ‎إن كل الأشياء الموجودة في حياتك الآن هي نتيجة لدخول أفكار معينة إلى رأ...

كتاب المتلاعبون بالعقول \ هربرت شيلر

صورة
  كتاب "المتلاعبون بالعقول" للمؤلف هربرت شيلر، والذي نُشر عام 1973، يقدم تحليلًا نقديًا عميقًا لكيفية تأثير وسائل الإعلام في تشكيل الوعي العام والسيطرة عليه في المجتمع الأمريكي، وكيف يتم تصدير هذه الآليات الثقافية إلى بقية دول العالم. يمكن تلخيص الأفكار الرئيسية للكتاب في النقاط التالية: 1. نقد صناعة الوعي: يرى شيلر أن هناك صناعة نشطة تعمل على إنتاج وتوزيع "وعي مُعلب" عبر وسائل الإعلام، حيث تقوم مجموعة من الشركات الكبرى والمؤسسات المؤثرة بصياغة الرسائل والمعلومات التي تصل إلى الجمهور. هذا الوعي ليس محايدًا بل يخدم مصالح هذه القوى المهيمنة. 2. تفكيك أساطير الإعلام: يكشف شيلر عن خمس أساطير رئيسية تروجها وسائل الإعلام وتعمل على تضليل الجمهور وإخفاء آليات السيطرة الحقيقية: * أسطورة الفردية والاختيار الشخصي: يتم التركيز على حرية الفرد واختياراته، مع تجاهل التأثيرات الهائلة للمجتمع ووسائل الإعلام في تشكيل هذه الاختيارات. * أسطورة الحياد: تدعي وسائل الإعلام أنها تقدم معلومات محايدة وموضوعية، بينما هي في الواقع تحمل أجندات خفية وتوجهات معينة. * أسطورة الطبيعة الإنسانية الثا...

قِصة المِعطف لنيكولاي غوغول، في المِعطف ضاع الإنسان !

صورة
  في المِعطف ضاع الإنسان ! قِصة المِعطف لنيكولاي غوغول .. هي حِكاية ذاك المِسكين المسلوب، "أكاكي أكاكيفيتش" الذي عاش في الظلّ، المُوظف الذي سُجن في زنازين الدواوين، وانحصر في زوايا السكون، لا يُفرِح إن حضر، ولا يُفتقَد إن غاب. عمله نسخ، وعيشه نسخ، وصوته نسخ، وروحُه مسخ منزوٍ في ركن مغلوب، يسير في دربِ الحياة مُتدثرًا بذلّ الوظيفة، ومُتوسّدًا صقِيع الحاجة، يعيش على هامِش الحياة، هادئًا، خانعًا، راضيًا بكلّ ما أتته الأيّام من فُتات .. وكانت مُشكلته الوحيدة أنّ البرد في روسيا لا يُطاق، والشتاء لا يُعانَق. يا ويحَ هذا الأكاكي ! نشأ في عالم ما عرف له قلبًا، ولا أفرد له صدرًا، وما شمّ نسيمَ الحياة يومًا، كأنّه نبتة يابسة في صخر جامِد، كان قلبُه كالماءِ الراكد، لا موج فيه ولا اضطراب، لا غضب ولا عِتاب، لا يملك من أمر دنياه إلّا معطفًا باليًا، ومن أحلامِه إلّا أملًا واهيًا  في أن يقتني مِعطفًا جديدًا، يصونه من لسعاتِ الشتاء، ويُعيد له بعض كرامة بعثرها العراء .. آهٍ من أرض تضيق على الفقِير إذا أراد ستر عظم، أو وقاية جسم ! لقد جاع الأكاكي، وتجرّع مرارة الحرمان، وسار على رؤوس أصابعِه كي ...