المجتمعات الحديثة وفخ المادية 3









 المادية والقيم في عصر التغير


تُعدّ المجتمعات الحديثة، خاصة في ظل العولمة وانتشار التكنولوجيا، مسرحًا لتغيرات اجتماعية سريعة. أحد أبرز مظاهر هذا التغير هو تحول في منظومة القيم الاجتماعية. فمع هيمنة الاقتصاد الاستهلاكي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت القيم المادية تلعب دورًا متزايد الأهمية، مما أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل القيم التقليدية وتأثير ذلك على الأفراد والمجتمعات.


كتاب "قيم وسلوك الشباب في عصر الشبكات الاجتماعية" لعادل عبد الصادق

يركز هذا الكتاب على تحليل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، ويلامس بشكل عميق كيفية تشكيل هذه المنصات لقيمهم وسلوكياتهم. يرى الكاتب أن الشبكات الاجتماعية، بما تروجه من ثقافة الاستهلاك والمظهر الخارجي، ساهمت بشكل كبير في تضخيم القيم المادية لدى الشباب. فالمظهر الاجتماعي، وعدد المتابعين، ونمط الحياة الفاخر المعروض على الإنترنت، أصبح هو المعيار الذي يحدد القيمة الاجتماعية للفرد، مما أدى إلى تهميش القيم الأخلاقية والروحية.


يعتقد عبد الصادق أن الشباب أصبحوا يعيشون في "عالم افتراضي" تُقدَّر فيه الأشياء المادية أكثر من القيم الحقيقية. ويحذر من أن هذا التحول قد يؤدي إلى ظهور أجيال تفقد القدرة على التواصل الإنساني العميق، وتصبح أكثر عرضة للوحدة والاكتئاب، لأنها تبني قيمتها الذاتية على معايير غير مستقرة وقابلة للزوال.


"أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للتنافس على إظهار نمط حياة استهلاكي، مما خلق لدى الشباب إحساسًا دائمًا بالنقص والرغبة في امتلاك المزيد."

 يوضح هذا الاقتباس أن المقارنات المستمرة مع صور الحياة "المثالية" على وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى شعور الشباب بعدم الرضا. فالمادية هنا ليست مجرد رغبة في امتلاك الأشياء، بل هي مقياس للقيمة الذاتية والقبول الاجتماعي.











"التغير الاجتماعي ودوره في تغير القيم الاجتماعية" (دراسات وأبحاث أكاديمية)

تتناول العديد من الدراسات الأكاديمية في علم الاجتماع موضوع العلاقة بين التغيرات الاقتصادية والاجتماعية وظهور قيم جديدة. تُظهر هذه الدراسات أن التحول من المجتمعات الزراعية التقليدية إلى المجتمعات الصناعية ثم إلى مجتمعات المعرفة قد أدى إلى تغيرات جوهرية في منظومة القيم. فقد أصبحت قيم مثل الفردية، والاستقلالية، والإنجاز المادي أكثر أهمية من القيم التقليدية التي كانت تركز على الجماعة، والأسرة، والروابط الاجتماعية.

آراء الباحثين:

يرى العديد من الباحثين أن التغير الاقتصادي هو المحرك الأساسي لتغير القيم. فمع ارتفاع مستوى الدخل وتوفر السلع الاستهلاكية، تتغير أولويات الأفراد. لم تعد القيم الأساسية مثل البقاء على قيد الحياة هي الأهم، بل يزداد التركيز على قيم تحقيق الذات والرفاهية المادية. ويشيرون إلى أن هذا التحول ليس بالضرورة سلبيًا، ولكنه يتطلب فهمًا أعمق لتأثيره على التماسك الاجتماعي.


"كلما ازداد التطور الاقتصادي، كلما انتقل الأفراد من التركيز على قيم البقاء إلى التركيز على قيم تحقيق الذات والرفاهية الفردية."

 هذا الاقتباس يشير إلى نظرية "التحول القيمي". فمع تحسن الظروف المادية، يتحول اهتمام الأفراد من الاحتياجات الأساسية إلى احتياجات أعلى، مثل التعبير عن الذات والاستمتاع بالحياة، وغالبًا ما يتم التعبير عن هذه الحاجات من خلال الاستهلاك والرفاهية المادية.





 تحدي المادية وضرورة التوازن

تُظهر هذه الدراسات والكتب أن المادية ليست مجرد ظاهرة اقتصادية، بل هي قوة اجتماعية وثقافية تشكّل قيمنا وسلوكياتنا. إنها تتحدى القيم التقليدية، وتخلق مجتمعات أكثر فردية وأقل تماسكًا. ومع ذلك، فإن الوعي بهذه التحديات هو الخطوة الأولى نحو تحقيق التوازن الضروري بين السعي المادي والحفاظ على القيم الإنسانية.




كيفية التعامل مع الحياة المادية:

الوعي الذاتي: فهم أن القيمة الحقيقية للفرد لا تكمن في ما يمتلكه، بل في شخصيته، وأخلاقه، وإسهاماته في المجتمع.

التركيز على المعنى: البحث عن الأنشطة والعلاقات التي تمنح الحياة معنى عميقًا، بدلاً من التركيز على الاستهلاك الفوري.

التعليم: توجيه الشباب نحو فهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز قيم التسامح والتعاون والتواصل الحقيقي.


هل يمكن للوعي الرقمي أن يكون أداة لمقاومة المادية، أم أنه يساهم حتمًا في تعزيزها؟

تعليقات