المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر 5, 2025

الأرقش.. صرخة العزلة بحثاً عن الحرية

صورة
  الأرقش.. صرخة العزلة بحثاً عن الحرية يُعدّ كتاب "مذكرات الأرقش" للكاتب والأديب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمة، الصادر عام 1949، ليس مجرد عمل أدبي، بل هو صرخة وجودية تُعبّر عن تمرد عميق ضد كل ما هو مألوف ومادي.   إنه ليس مذكرات بالمعنى التقليدي، بل هو رحلة روحية وفلسفية شاقة يخوضها الأرقش، تلك الشخصية الرئيسية المريضة والمنعزلة التي اتخذت من مرضها وسيلةً للتجرد والتحرر من سجن الجسد وقيود المجتمع. يكتب الأرقش مذكراته كرسائل إلى صديق وهمي، يكشف فيها عن أعمق أفكاره وفلسفته حول الحياة والموت، الوجود والعدم، الحب والألم. إنها دعوة جريئة للبحث عن الحقيقة المطلقة خارج أسوار العقل والجسد، والعيش بوعي يُحرر الروح من أثقال الدنيا. لا يتبع الكتاب بنية سردية خطية، بل هو مجموعة من الأفكار المبعثرة التي تتجمع بانسجام لتشكل فلسفة متكاملة ومترابطة. المحور الأساسي للعمل هو التجرد المطلق والتحرر الكامل من كل ما يعيق الروح عن ارتقائها. يرفض الأرقش الماديات، والتقاليد الاجتماعية، وحتى المشاعر البشرية العادية، معتبراً إياها قيودًا تُثقل كاهل الروح. هو يرى في مرضه ليس لعنة، بل هدية منحه إياها ...

تلك الرائحة التي لا تُنسى

صورة
  "تلك الرائحة التي لا تُنسى" أذكر تلك الأمسيات، حيث كانت الشمس تذوب ببطء خلف أفق المدينة، تاركةً وراءها خطوطًا من الذهب والياقوت. لم تكن مجرد غروب شمس، بل كانت إعلانًا عن بداية لحظات مقدسة. كان الهواء يمتزج برائحة الياسمين من شرفة الجيران، ورائحة الخبز الطازج الذي كانت أمي تخبزه في فرنها القديم. تلك الرائحة، التي لم أجد لها مثيلًا في أي مكان آخر، كانت كخيط غير مرئي يربطني بطفولتي. كان أبي يجلس على كرسي خشبي متآكل في الحديقة، يقرأ جريدته بصمت، بينما كنت أنا أعدو حوله، أطارد فراشة صفراء تائهة. كانت الحديقة الصغيرة عالَمي الخاص، حيث كانت أوراق الشجر تحكي لي حكايات خيالية، وكانت الحجارة الملساء كنوزًا ثمينة. في تلك اللحظات، لم يكن هناك هم أو خوف، فقط شعور عميق بالسلام والأمان. أتذكر كيف كان أبي يرفع رأسه عن الجريدة، وينظر إليّ بابتسامة دافئة، وكأنه يرى فيّ كل المستقبل الذي يحلم به. في عينيه، كانت هناك حكاية طويلة من الصبر والتعب، لكنها كانت تختبئ خلف بريق من الحب اللامشروط. اليوم، عندما أغمض عيني وأسترجع تلك المشاهد، لا أرى مجرد صورة، بل أستشعر الدفء الذي كان يغمرني، وأسمع صوت ض...

جدلية العظمة والوضاعة بين الشدة على النفس والقسوة على الآخرين

صورة
  تُعد مقولة "الإنسان العظيم يكون شديداً على نفسه، أما الإنسان الوضيع فيكون قاسياً على الآخرين" واحدة من الحِكَم الخالدة التي تتجاوز مجرد الوصف السطحي للسلوك الإنساني لتمثل بوصلة أخلاقية وفلسفية عميقة. إنها جملة بليغة تختزل مسيرة الإنسان في صراعه الوجودي، وتضع معياراً للعظمة الحقيقية لا يُقاس بالإنجازات الخارجية أو السلطة المكتسبة، بل بالانتصار في المعركة الأشد ضراوة: معركة الذات الداخلية. بالمقابل، فإن المقولة تميط اللثام عن الدافع الخفي وراء القسوة على الآخرين، إذ تكشف أنها ليست نتاجاً للقوة بل هي عرضٌ مزيف لنقص داخلي عميق، وعجز عن مواجهة الضعف الشخصي. يتناول هذا الموضوع المقولة بتحليل معمق، مستعرضاً الأطروحة القائلة بأن العظمة الحقيقية تتشكل من خلال عملية مستمرة من الانضباط الذاتي ومحاسبة النفس، وهو ما يؤدي إلى بناء شخصية قوية وراقية. في المقابل، فإن الوضاعة تتجلى في سلوك القسوة على الآخرين، الذي ينبع من فراغ نفسي وشعور بالدونية. سيتم استخدام منهجية متعددة التخصصات، تجمع بين الرؤى الفلسفية (لا سيما الرواقية) والنفسية (عبر تحليل اضطرابات الشخصية) والروحية (من منظور محاسبة ا...