كتاب "الأنماط النفسية" (Psychological Types) كارل يونغ

 




يُعتبر هذا الكتاب من الأعمال المؤسسة في علم النفس التحليلي، ويُمثل الأساس النظري للعديد من اختبارات الشخصية الحديثة مثل مؤشر مايرز بريغز (MBTI). في هذا العمل الضخم، لا يُقدم يونغ مجرد تصنيفات، بل يُحلل كيفية عمل النفس البشرية وكيفية تفاعلها مع العالم الخارجي والداخلي.


الجزء الأول: المشكلة العامة للمواقف

يُركز هذا الجزء على تعريف مفهومي الانبساط (Extraversion) والانطواء (Introversion). يوضح يونغ أن هذين الموقفين يُمثلان اتجاهين للطاقة النفسية (الليبيدو). فالمنبسط يُوجه طاقته نحو العالم الخارجي من أشخاص وأشياء، بينما يُوجه المنطوي طاقته نحو عالمه الداخلي من أفكار وتأملات.


 "لا يمكن أن يوجد إنسان منبسط تمامًا أو منطوٍ تمامًا، بل إن الموقفين يتنافسان باستمرار على القوة."


 هذا الاقتباس يوضح أن يونغ لم يكن يهدف إلى وضع الناس في صناديق جامدة. فكل شخص يمتلك كلا الموقفين، لكن أحدهما يكون أكثر وضوحًا ووعيًا، بينما يبقى الآخر في الظل، وهو ما يفسر تقلباتنا المزاجية في بعض الأحيان.


 "المنبسط يعيش وكأن العالم الموضوعي هو الهدف النهائي، بينما يعيش المنطوي وكأن العالم الذاتي هو الملجأ والمصدر الوحيد للحقيقة."


 يُقدم هذا الاقتباس رؤية عميقة لكيفية تفاعل كل نمط مع الواقع. المنبسط يُقاس نجاحه من خلال ردود فعل العالم الخارجي، بينما يجد المنطوي معناه وقيمته في تأملاته الشخصية وتجاربه الداخلية.


الجزء الثاني: الوظائف النفسية

هنا يُقدم يونغ الوظائف النفسية الأربع: التفكير (Thinking)، والشعور (Feeling)، والإحساس (Sensation)، والحدس (Intuition). يُقسم هذه الوظائف إلى فئتين:


الوظائف العقلانية (Rational): التفكير والشعور، وهما وظيفتان تعتمدان على الحكم والتقييم.


الوظائف غير العقلانية (Irrational): الإحساس والحدس، وهما وظيفتان تعتمدان على الإدراك والتلقي.


 "التفكير هو عملية التجميع العقلي للحقائق لتكوين حكم منطقي. أما الشعور فهو عملية التجميع العاطفي للقيم لتكوين حكم تقييمي."


 يُوضح يونغ هنا الفارق الجوهري بين وظيفتي الحكم. التفكير يُقَيِّم الأشياء بناءً على المنطق والصواب والخطأ، بينما يُقَيِّم الشعور بناءً على القيم الشخصية مثل "جيد" و"سيء" و"مقبول" و"غير مقبول".


 "الإحساس يُخبرنا أن شيئًا ما موجود، والحدس يُخبرنا من أين أتى وإلى أين سيذهب."


 يُبرز هذا الاقتباس الفرق بين وظيفتي الإدراك. الإحساس يُعنى بالواقع المادي الملموس، فهو يرى التفاصيل الدقيقة للأشياء كما هي. أما الحدس، فهو ينظر إلى ما وراء السطح، ويرى الإمكانيات والروابط الخفية التي قد لا تكون ظاهرة للعين.


الجزء الثالث: الأنماط النفسية الثمانية

هذا هو الجزء الأكثر شهرة في الكتاب، حيث يدمج يونغ المواقف مع الوظائف النفسية الأربع، مما ينتج عنه ثمانية أنماط أساسية. يخصص يونغ فصلاً كاملاً لكل نمط، مُحللاً سماته، ونقاط قوته، ونقاط ضعفه.


 عن النمط الانبساطي الفكري: "الشخص ذو النمط الانبساطي الفكري يُخضع حياته بالكامل لأفكار ومبادئ عقلانية مستمدة من الخارج."


 هذا النمط هو نموذج للعالم والمنطق. هذا الشخص يميل إلى اتخاذ قراراته بناءً على الحقائق الموضوعية، وغالبًا ما يكون مهتمًا بالأفكار العامة، والقوانين، والمفاهيم الكبيرة.


 عن النمط الانطوائي الحدسي: "الشخص ذو النمط الانطوائي الحدسي، يُدرك الأشياء من خلال اللاوعي، ويجد ذاته في الأفكار والرموز الداخلية التي لا يُمكن التعبير عنها بوضوح."


 هذا النمط هو نموذج للمبدع أو الحالم. يميل هذا الشخص إلى رؤية الإمكانيات الخفية في الأشياء، وغالبًا ما يُعتبر غامضًا أو غير مفهوم لأنه يعتمد على إدراكات داخلية يصعب على الآخرين فهمها.


"الأنماط النفسية" ليس مجرد كتاب يُقدم تصنيفات، بل هو محاولة لفهم التعقيد النفسي للإنسان. يُؤكد يونغ أن الهدف من فهم هذه الأنماط هو تحقيق التوازن والوعي بالذات، وليس وضع الناس في قوالب جامدة.


بالنظر إلى أنماط يونغ النفسية، هل تعتقد أن فهمك لنمطك يمكن أن يساعدك في تجاوز صراعاتك الداخلية؟

تعليقات