اليأس الوجودي: حين يصبح الإنسان وحيدًا ومسؤولًا عن خلق معناه

"لا يستطيع الإنسان أن يمارس إرادته ما لم يُدرك أوّلاً أنّه لا يمكنه أن يعوِّل على شيء سوى نفسه: أنّه وحيد، منفيّ إلى هذه الأرض، في مواجهة مسؤولياته اللامتناهية، بلا عون ولا سند، وبلا غاية سوى تلك التي سيضعها هو لنفسه، وبلا مصير سوى الذي سيصوغه بيديه على هذه الأرض. إنّ هذه القناعة، هذا الإدراك الحدسي لوضعه، هو ما نسمّيه اليأس. وكما ترى، فهو ليس انفعالاً رومانسياً جميلاً، بل وعي صارم وواضح بجوهر الحالة الإنسانية. وكما أنّ القلق لا ينفصل عن الإحساس بالمسؤولية، فإنّ اليأس لا ينفصل عن الإرادة. ومع اليأس يبدأ التفاؤل الحقّ: تفاؤل الإنسان الذي لا يتوقّع شيئاً، والذي يعلم أنّه لا يملك أيّ حقّ ولا ينتظره أيّ عطف، والذي يجد بهجته في أن يعوِّل على نفسه وحده، وأن يعمل وحده من أجل الخير العام." جان بول سارتر، من كتاب "الكتابات الأساسية" يمثل هذا المقطع للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر جوهر فلسفته الوجودية، حيث يعيد تعريف مفاهيم كلاسيكية كـ"اليأس" و"التفاؤل" ليصبها في قالب فلسفي يضع الإنسان في مركز الكون، وحيدًا حرًا ومسؤولًا مسؤولية مطلقة عن وجوده وماهيته. ...