نيتشه عن الرأسمالية : البرجوازي الصغير المبتذل

لم تكن نبوءة نيتشه عن الرأسمالية مجرد تحليل اقتصادي، بل كانت رؤية فلسفية عميقة للتحولات النفسية والأخلاقية التي ستُحدثها في الإنسان. لقد رأى في صعود الرأسمالية خطرًا وجوديًا يُهدد بإنتاج نمط جديد من البشر، وهو ما يُمكن أن نُطلق عليه "البرجوازي الصغير المبتذل"، وهو الإنسان الذي فقد كرامته وقيمه العليا في سبيل الراحة والأمان المادي. إن جوهر نقد نيتشه للرأسمالية لا يكمن في توزيع الثروة، بل في تأثيرها على الروح الإنسانية. فالرأسمالية، بوهمها الكبير، تُغذي في الضعفاء حلمًا بأنهم سيصبحون يومًا ما أسيادًا، بينما هي في الحقيقة تُعمق من عبوديتهم، وتجعلهم أكثر خضوعًا للنظام. يرى نيتشه أن الديمقراطية والمساواة، التي تسير جنبًا إلى جنب مع الرأسمالية، تُسرّعان من ظهور هذا الإنسان المبتذل. ففي سعيهما للمساواة، يقضيان على كل ما هو نبيل ومتميز، ويُشجعان على الرداءة والتشابه. هل نحن نعيش في عالم "الإنسان الأخير"؟ يصف نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" "الإنسان الأخير" بأنه ذلك الكائن الذي يبحث عن السعادة والراحة قبل كل شيء. إنه إنسان قانع، لا طموح له لتجاوز ذاته...