المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر 8, 2025

هندسة الحظ: كيف يصنع الوعي مصائرنا؟

صورة
   فك شفرة الصدفة هل الحظ ريشة في مهب الريح، نتلقاها بلا حول ولا قوة؟ أم هو بوصلة دقيقة في يد بحّار ماهر، يمكن توجيهها بقوة الإرادة والتركيز؟ لقد استقرت البشرية لآلاف السنين على الإجابة الأولى، معتبرةً الحظ هبة غامضة أو لعنة عشوائية يوزعها القدر. لكن ماذا لو كانت هذه النظرة بأكملها قاصرة؟ ماذا لو كان الحظ، في جوهره، ليس حدثاً خارجياً سلبياً، بل تفاعلاً نشطاً بين واقعنا الداخلي (أفكارنا، توقعاتنا، وعينا) وبين بحر الاحتمالات اللانهائي في الخارج؟  الحظ ليس عشوائياً كما نعتقد – هي فرضية تبدأ باكتساب ثقل حقيقي، مستمدةً جذورها من أكثر مجالات العلم إثارة للدهشة: فيزياء الكم. المرآة الكمومية: حين يراقب الوعي الواقع تجربة "University of Oxford" عام 2019 (والتي تمثل امتداداً لمبادئ "تأثير المراقب" أو "Observer Effect" الراسخة في فيزياء الكم) هي حجر الزاوية في هذا المفهوم. ما تقوله لنا هذه التجارب، بلغة فلسفية، هو أن الواقع على مستواه الأساسي (الجسيمات دون الذرية) ليس "صلباً" أو "محدداً" قبل أن نقوم بقياسه أو مراقبته. إنه يبقى في حالة "ضبابية...

"انفعالات النفس" \ رينيه ديكارت

صورة
   جسر ديكارت الأخير بين الفكر والآلة يُعد كتاب "انفعالات النفس"، الذي نُشر عام 1649، بمثابة الوصية الفلسفية لأبي الفلسفة الحديثة، رينيه ديكارت. لم يكن هذا الكتاب مجرد دراسة في علم النفس، بل كان محاولته الأكثر جرأة وتفصيلاً لحل المعضلة التي خلقها هو بنفسه: كيف يمكن لـ "نفسٍ" (جوهر مفكر غير مادي) أن تتفاعل وتتأثر بـ "جسدٍ" (جوهر ممتد مادي)؟ بعد أن قضى ديكارت حياته وهو يؤسس لثنائية صارمة تفصل بين الفكر والمادة ("الكوجيتو" أو "أنا أفكر، إذن أنا موجود")، وجد نفسه في نهاية مطافه الفكري مضطراً للإجابة على سؤال الأميرة إليزابيث من بوهيميا: كيف يمكن لهذا "الشبح" (النفس) أن يحرك "الآلة" (الجسد)؟ هذا الكتاب هو إجابته. إنه ليس مجرد تحليل للعواطف، بل هو خريطة "ميكانيكية-نفسية" للإنسان، ومحاولة جبارة لمد جسر فوق الهوة العميقة بين العقل والواقع المادي.  تشريح الانفعال البشري: ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يقدم فيها ديكارت نموذجاً فسيولوجياً ونفسياً وأخلاقياً لفهم الانفعالات.  1. المشكلة العظمى: ثنائية النفس والجسد...