"كما تشاء" (As You Like It) \ وِلْيَمْ شكسبير

 








المقطع الكامل لـ "الأعمار السبع للإنسان"  كما نطق به جاك في الفصل الثاني، المشهد السابع:

جاك:

"العالم كله مسرح،

وجميع الرجال والنساء مجرد ممثلين:

لهم مداخلهم ومخارجهم؛

ويؤدي الشخص في حياته أدوارًا عديدة،

أعماله تكون في سبع مراحل. في البداية الرضيع،

يئن ويتقيأ في ذراعي الممرضة.

ثم الولد الصارخ، مع محفظته

و وجهه المشرق في الصباح، يزحف كالحلزون

على مضض إلى المدرسة. ثم العاشق،

يتنهد كفرن، مع أغنية حزينة

نُظمت لحاجب حبيبته. ثم الجندي،

المُمتلئ بالسبايا الغريبة، وملتحٍ كالفهد،

شديد الغيرة على الشرف، سريع الغضب،

يسعى وراء الفقاعة، السمعة،

حتى في فوهة المدفع. ثم القاضي،

مع بطن سمين مستدير ومليء بالدجاج المخصي،

وعينين صارمتين، ولحية أنيقة.

مليء بالأقوال الحكيمة والأمثلة الحديثة؛

وهكذا يلعب دوره. المرحلة السادسة تنتقل إلى

سير مسن هزيل، يرتدي نعالًا،

مع نظارة على أنفه وكيس على جانبه،

جواربه الشبابية، التي حفظها جيدًا،

عالم واسع جدًا لساقه المتقشرة؛

وصوته الذكوري الكبير، الذي تحول مرة أخرى إلى

صرير طفولي رقيق وثَمل، يصفر ويتحدث.

المرحلة الأخيرة من كل شيء،

التي تنهي هذا التاريخ الغريب المليء بالأحداث،

هي طفولة ثانية، ومجرد نسيان،

بلا أسنان، بلا عيون، بلا ذوق، بلا أي شيء."


يُقدم شكسبير في هذا المقطع تفصيلًا أيقونيًا لرحلة الإنسان عبر الزمن، مُقسمًا إياها إلى سبع مراحل متميزة، كل مرحلة منها تُشبه "فصلًا" في مسرحية الحياة. هذا التقسيم لا يُعد مجرد وصف زمني، بل هو استعارة عميقة للتغيرات الجسدية والنفسية والاجتماعية التي يمر بها الإنسان.


1. الرضيع (The Infant)

"في البداية الرضيع، يئن ويتقيأ في ذراعي الممرضة."


تبدأ المسرحية بالرضيع، رمزًا للبراءة المطلقة والعجز التام. هو كائن لا يُعبر إلا من خلال الاحتياجات الفسيولوجية الأساسية: الأنين والتقيؤ. هذه المرحلة تُمثل الاعتماد الكامل على الآخرين، وعدم وجود وعي ذاتي بالمعنى الكامل. فلسفيًا، تُشير إلى البطء في تشكيل الذات، وأن الوجود يبدأ من حالة عدم التفرد.


2. الولد الصارخ (The Whining Schoolboy)

"ثم الولد الصارخ، مع محفظته

و وجهه المشرق في الصباح، يزحف كالحلزون

على مضض إلى المدرسة."


تُمثل هذه المرحلة بداية الدخول في المجتمع المنظم والتعلم. "الوجه المشرق في الصباح" يُشير إلى البراءة الممزوجة بالتردد، فالدخول إلى المدرسة ليس دائمًا مرحبًا به. تشبيهه بـ"الحلزون" الذي يزحف على مضض يُعبر عن نفور الطفل من القيود والالتزامات، مُفضلًا اللعب والحرية. هنا تبدأ عملية التنشئة الاجتماعية، حيث يُجبر الفرد على التكيف مع القواعد والتوقعات.


3. العاشق (The Lover)

"ثم العاشق، يتنهد كفرن، مع أغنية حزينة

نُظمت لحاجب حبيبته."


مرحلة العاطفة الجياشة والعواطف الفياضة. العاشق هنا هو شخص مُنغمس في مشاعره، يُبالغ في التعبير عن آلامه وشوقه ("يتنهد كفرن"). الأغاني الحزينة والتركيز على تفاصيل المحبوب ("حاجب حبيبته") يُظهران الانغماس الكلي في العاطفة، وربما بعض السذاجة أو المثالية التي تُصاحب الحب الأول. هذه المرحلة تُبرز البحث عن الارتباط والاندماج مع الآخر.


4. الجندي (The Soldier)

"ثم الجندي، المُمتلئ بالسبايا الغريبة، وملتحٍ كالفهد،

شديد الغيرة على الشرف، سريع الغضب،

يسعى وراء الفقاعة، السمعة،

حتى في فوهة المدفع."


تُمثل هذه المرحلة الطموح، والمغامرة، والبحث عن الاعتراف الاجتماعي والشرف. الجندي يتميز بالشجاعة والغيرة على سمعته، مستعدًا للمخاطرة بحياته ("حتى في فوهة المدفع") من أجل مجد زائل ("الفقاعة، السمعة"). يُمكن قراءة هذا كرمز للشباب الطموح الذي يُحاول إثبات ذاته في العالم، وغالبًا ما يقع في فخ المظاهر الخارجية والمكاسب السريعة التي قد لا تكون ذات قيمة حقيقية.


5. القاضي (The Justice)

"ثم القاضي، مع بطن سمين مستدير ومليء بالدجاج المخصي،

وعينين صارمتين، ولحية أنيقة.

مليء بالأقوال الحكيمة والأمثلة الحديثة؛

وهكذا يلعب دوره."


هذه هي مرحلة النضج، الحكمة، والسلطة. القاضي يُمثل الشخص الذي اكتسب الخبرة والمعرفة، وأصبح له وزن في المجتمع. "البطن السمين المستدير" و"الدجاج المخصي" يُشيران إلى الرفاهية والراحة التي تأتي مع المكانة الاجتماعية. "العينين الصارمتين" و"اللحية الأنيقة" تُبرزان الجدية والوقار. هو شخص يُصدر الأحكام، ويعتمد على "الأقوال الحكيمة والأمثلة الحديثة"، مما يُشير إلى الاعتماد على الخبرة والقانون. هذه المرحلة تُجسد قمة العطاء الاجتماعي والمسؤولية.


6. المسن الهزيل (The Lean and Slipper'd Pantaloon)

"المرحلة السادسة تنتقل إلى

سير مسن هزيل، يرتدي نعالًا،

مع نظارة على أنفه وكيس على جانبه،

جواربه الشبابية، التي حفظها جيدًا،

عالم واسع جدًا لساقه المتقشرة؛

وصوته الذكوري الكبير، الذي تحول مرة أخرى إلى

صرير طفولي رقيق وثَمل، يصفر ويتحدث."


تُعلن هذه المرحلة بداية الانحدار الجسدي. "المسن الهزيل" (Pantaloon: شخصية كوميدية عجوز وضعيفة) يُعاني من ضعف الجسد وفقدان القوة. "النظارة على أنفه" و"الكيس على جانبه" تُشيران إلى الحاجة للمساعدة والاعتماد على الأشياء المادية. "جواربه الشبابية... عالم واسع جدًا لساقه المتقشرة" يُبرز الفارق بين شباب الجسد ومرضه في الشيخوخة. يُصبح صوته "صريرًا طفوليًا رقيقًا وثَملًا"، في إشارة إلى بداية الرجوع إلى حالة الطفولة، وفقدان القوة الصوتية التي كانت تعبر عن السلطة.


7. طفولة ثانية ونسيان تام (Second Childishness and Mere Oblivion)

"المرحلة الأخيرة من كل شيء،

التي تنهي هذا التاريخ الغريب المليء بالأحداث،

هي طفولة ثانية، ومجرد نسيان،

بلا أسنان، بلا عيون، بلا ذوق، بلا أي شيء."


الختام الكئيب للمسرحية الإنسانية. "الطفولة الثانية" تُشير إلى فقدان كل القدرات التي اكتسبها الإنسان خلال حياته: الأسنان، البصر، الذوق، وحتى الوعي الكامل. هي حالة من "النسيان التام"، حيث يتلاشى الوعي بالذات والعالم، وتعود النفس إلى حالة قريبة من العدم الذي أتت منه. هذا المقطع يُؤكد على فناء الجسد والذاكرة، ويُلقي بظلال من التشاؤم على نهاية المطاف البشري.


الحتمية والتلقائية

المقطع يُقدم رؤية حتمية إلى حد ما للوجود البشري. الأدوار مُحددة مسبقًا، والتسلسل الزمني للتحولات لا مفر منه. هذا يُثير تساؤلًا فلسفيًا: هل نحن حقًا نختار أدوارنا، أم أننا نُجبر على تأديتها بفعل بيولوجيتنا وظروفنا الاجتماعية؟ هذه الرؤية قد تُعارض فلاسفة الحرية والإرادة الحرة مثل سارتر، الذي يُؤكد على أن الإنسان محكوم عليه بالحرية ومسؤول عن خلق معناه. ومع ذلك، يُمكن تفسيرها بأن شكسبير يُقدم وصفًا واقعيًا للأنماط البشرية الشائعة، وليس بالضرورة نفيًا للإرادة الفردية ضمن هذه الأنماط.


فناء الجسد والذاكرة

النهاية الكئيبة للمقطع، بـ"الطفولة الثانية والنسيان التام"، تُسلط الضوء بقوة على فناء الجسد وزوال الذاكرة. هذا يُطابق العديد من الفلسفات التي تُؤكد على زوال المادة الجسدية، لكنه قد يتعارض مع الأفكار التي تُؤمن بخلود الروح أو الوعي بعد الموت. يُمكن أن يُنظر إلى هذا كدعوة للعيش بوعي أكبر في الحاضر، قبل أن يُصبح كل شيء "بلا أي شيء".


دور المجتمع في تشكيل الأدوار

على الرغم من أن شكسبير يُركز على التغيرات الجسدية، إلا أن الأدوار التي يُقدمها مُشبعة بالجوانب الاجتماعية. "الولد المدرسي"، "العاشق"، "الجندي"، "القاضي" – كلها أدوار تُعرّفها التوقعات الاجتماعية والمعايير الثقافية. هذا يُشير إلى أن الفرد ليس موجودًا بمعزل عن المجتمع، وأن هويته تتشكل بشكل كبير من خلال التفاعلات الاجتماعية والأدوار التي يُؤديها في سياق معين.


التشابه مع الفلسفة الهلنستية (الرواقية والأبيقورية)

يُمكن أن نرى في هذا المقطع صدى لبعض الأفكار الفلسفية الهلنستية، خاصةً الرواقية. ففكرة أن الحياة مسرح، وأننا جميعًا ممثلون، تُشير إلى نوع من القبول للقدر. الرواقيون، مثل إبكتيتوس، يُؤكدون على قبول ما لا يُمكن تغييره، والتركيز على ما هو تحت سيطرتنا (ردود أفعالنا ومواقفنا). فإذا كانت الأدوار مُحددة، فإن الطريقة التي نُؤدي بها هذه الأدوار هي ما يقع تحت سيطرتنا.


من منظور رومانسي (فلسفي)، قد يُنظر إلى هذا المقطع بنوع من التشاؤم والتقليل من شأن الفردية. فالتركيز على الأدوار النمطية قد يُقلل من أهمية التفرد، والإبداع، والبحث عن المعنى الشخصي الذي لا يتناسب مع قالب مُحدد. ومع ذلك، يُمكن اعتبار هذا المقطع بمثابة تذكير بحدود الوجود البشري، وبأننا جزء من دورة حياة أكبر.



بالنظر إلى هذه المراحل السبع، ما هي المرحلة التي تُرى فيها الذروة الحقيقية للوجود البشري، ولماذا؟ وهل تعتقد أن شكسبير يقدم رؤية متشائمة أم واقعية لنهاية الحياة؟

تعليقات