المشاركات

"وحْي القلم" \ مصطفى صادق الرافعي

صورة
  في جمال النفس يكون كل شيء جميلا، إذ تُلقي النفس عليك من ألوانها، فتنقلب الدار الصغيرة قصرًا ، لأنها في سعة النفس لا في مساحتها هي ، و تعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على المطر، و يظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحور العين في السماوات ، و يبدوالفجر بألوانه و أنواره و نسماته كأنه جنة سابحة في الهواء ، في جمال النفس ترى الجمال ضرورة من ضرورات الخليقة ، وي كأن الله أمر العالَم ألا يعبس للقلب المبتسم . يُعد كتاب "وحْي القلم" للعملاق الأدبي مصطفى صادق الرافعي، ليس مجرد كتاب، بل هو صرح شامخ في الأدب العربي الحديث. إنه يمثل ذروة النضج الفكري والبياني للرافعي، وهو عبارة عن سجل حافل لـ "وحي قلمه" الذي لم ينقطع، يمزج فيه ببراعة منقطعة النظير بين الفكر العميق، والشعور الجياش، واللغة التي تلبس ثوب الجمال والجلال. هذا الكتاب ليس رواية ذات حبكة واحدة، بل هو "ديوان من النثر"، يضم مجموعة المقالات والخواطر والقصص القصيرة التي نشرها الرافعي على مدى سنوات، خاصة في مجلة "الرسالة" الشهيرة. لذلك، فإن قراءته تشبه التجول في بستان غنّاء، كل شجرة فيه تقدم ثمرة مختلف...

في عالم بول أوستر.. حيث يطارد الأحياء أشباحهم

صورة
  حينما يكتب بول أوستر، فهو لا يروي قصة بقدر ما ينسج شبكة معقدة من المصادفات، والأسئلة الوجودية، ومتاهات الهوية. رواية "كتاب الأوهام" (2002) هي تجسيد بارع لهذا الأسلوب. إنها ليست مجرد رواية عن الحزن، بل هي رحلة ميتافيزيقية عميقة في قلب الفن، والذاكرة، والخلاص. تبدأ الرواية بفرضية مدمرة: ماذا يفعل الإنسان حين يفقد كل شيء؟ ديفيد زيمر، بطل الرواية، هو رجل محطم يخسر زوجته وولديه في حادث تحطم طائرة. يتحول إلى "رجل ميت يمشي"، غارقاً في الكحول واليأس. لكن في ليلة، ومن عمق العدم، تلمع ضحكة. ضحكة من فيلم صامت قديم لممثل كوميدي منسي يُدعى هكتور مان، وهو الممثل الذي اختفى فجأة وبلا أثر عام 1929. هذه الضحكة هي الخيط الذي سيسحب زيمر من قبره المفتوح إلى لغز يمتد لستين عاماً، ليجد أن قصة هكتور مان ليست مجرد مهرب، بل هي مرآة مشوهة لحياته، ولجرحه، ولبحثه عن معنى في عالم تحكمه الفوضى.  متاهة الحزن والسينما: الرواية هي في جوهرها "قصة داخل قصة"، حيث يتداخل عالم الباحث (زيمر) مع عالم موضوع بحثه (هكتور) إلى درجة لا يمكن فصلهما. 1. الانهيار وولادة الهوس يبدأ ديفيد زيمر الرواية ك...

هندسة الحظ: كيف يصنع الوعي مصائرنا؟

صورة
   فك شفرة الصدفة هل الحظ ريشة في مهب الريح، نتلقاها بلا حول ولا قوة؟ أم هو بوصلة دقيقة في يد بحّار ماهر، يمكن توجيهها بقوة الإرادة والتركيز؟ لقد استقرت البشرية لآلاف السنين على الإجابة الأولى، معتبرةً الحظ هبة غامضة أو لعنة عشوائية يوزعها القدر. لكن ماذا لو كانت هذه النظرة بأكملها قاصرة؟ ماذا لو كان الحظ، في جوهره، ليس حدثاً خارجياً سلبياً، بل تفاعلاً نشطاً بين واقعنا الداخلي (أفكارنا، توقعاتنا، وعينا) وبين بحر الاحتمالات اللانهائي في الخارج؟  الحظ ليس عشوائياً كما نعتقد – هي فرضية تبدأ باكتساب ثقل حقيقي، مستمدةً جذورها من أكثر مجالات العلم إثارة للدهشة: فيزياء الكم. المرآة الكمومية: حين يراقب الوعي الواقع تجربة "University of Oxford" عام 2019 (والتي تمثل امتداداً لمبادئ "تأثير المراقب" أو "Observer Effect" الراسخة في فيزياء الكم) هي حجر الزاوية في هذا المفهوم. ما تقوله لنا هذه التجارب، بلغة فلسفية، هو أن الواقع على مستواه الأساسي (الجسيمات دون الذرية) ليس "صلباً" أو "محدداً" قبل أن نقوم بقياسه أو مراقبته. إنه يبقى في حالة "ضبابية...

"انفعالات النفس" \ رينيه ديكارت

صورة
   جسر ديكارت الأخير بين الفكر والآلة يُعد كتاب "انفعالات النفس"، الذي نُشر عام 1649، بمثابة الوصية الفلسفية لأبي الفلسفة الحديثة، رينيه ديكارت. لم يكن هذا الكتاب مجرد دراسة في علم النفس، بل كان محاولته الأكثر جرأة وتفصيلاً لحل المعضلة التي خلقها هو بنفسه: كيف يمكن لـ "نفسٍ" (جوهر مفكر غير مادي) أن تتفاعل وتتأثر بـ "جسدٍ" (جوهر ممتد مادي)؟ بعد أن قضى ديكارت حياته وهو يؤسس لثنائية صارمة تفصل بين الفكر والمادة ("الكوجيتو" أو "أنا أفكر، إذن أنا موجود")، وجد نفسه في نهاية مطافه الفكري مضطراً للإجابة على سؤال الأميرة إليزابيث من بوهيميا: كيف يمكن لهذا "الشبح" (النفس) أن يحرك "الآلة" (الجسد)؟ هذا الكتاب هو إجابته. إنه ليس مجرد تحليل للعواطف، بل هو خريطة "ميكانيكية-نفسية" للإنسان، ومحاولة جبارة لمد جسر فوق الهوة العميقة بين العقل والواقع المادي.  تشريح الانفعال البشري: ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يقدم فيها ديكارت نموذجاً فسيولوجياً ونفسياً وأخلاقياً لفهم الانفعالات.  1. المشكلة العظمى: ثنائية النفس والجسد...

البوصلة والخريطة: الحياة بين الأهداف والقيم

صورة
   وهم الوجهة في سعينا المحموم لعيش حياة "ناجحة"، غالباً ما نقع في فخ الخلط بين الخريطة والبوصلة. الخريطة هي الأهداف: إنها ترسم لنا وجهات محددة، ونتائج قابلة للقياس، وقمماً نسعى لبلوغها. أن أصبح مديراً، أن أمتلك منزلاً، أن أخسر الوزن، أن أحصل على الشهادة. إنها الـ "ماذا" في حياتنا. أما البوصلة، فهي القيم: إنها المبادئ الراسخة التي توجه سلوكنا، والإطار الأخلاقي الذي نحكم به على أفعالنا، والاتجاه الذي نشير إليه بغض النظر عن التضاريس. الصدق، الشجاعة، الرحمة، النمو، العدالة. إنها الـ "كيف" والـ "لماذا". يعيش الكثيرون حياتهم في سباق محموم لجمع "الأهداف" التي رسمها لهم المجتمع أو غرورهم، ليكتشفوا عند خط النهاية فراغاً هائلاً. ما هو الفارق الجوهري بين هذين المسارين، و أيهما "الأروع" والأجدر بأن يكون محوراً للوجود الإنساني. 1. حياة الأهداف: هندسة الإنجاز الحياة التي تركز على الأهداف هي حياة "موجهة نحو النتائج" (Outcome-Oriented). إنها جذابة للغاية لأنها توفر الوضوح. مزاياها: الوضوح والدافع: الهدف الواضح (مثل: "سأدخر 100...

"صديقنا المشترك" \ تشارلز ديكنز

صورة
  تُعد رواية "صديقنا المشترك" (Our Mutual Friend)، التي نُشرت بين عامي 1864 و1865، العمل الأخير الذي أكمله تشارلز ديكنز. إنها ليست مجرد رواية، بل هي تشريح جراحي دقيق للمجتمع الفيكتوري في لندن، عملٌ يتسم بالقتامة والسخرية والتعقيد، ويُعتبر من أكثر أعمال ديكنز نضجاً وتشاؤماً. تدور الرواية حول رمزين قويين يطغيان على كل شيء: نهر التايمز وأكوام الغبار (النفايات). النهر هو مصدر الموت (حيث تُنتشل الجثث) ومصدر الحياة (الخلاص والتجدد)، بينما أكوام الغبار، المصدر الحرفي للثروة الهائلة في القصة، هي الرمز الأقوى لديكنز للثروة باعتبارها فساداً أخلاقياً، و"قذارة" مادية وروحية. تبدأ القصة بوصية غريبة تركها "هارمون" العجوز، وهو رجل بنى ثروته الهائلة من مقاولات جمع "الغبار" (الذي كان في الواقع مزيجاً قيماً من رماد الفحم والنفايات الأخرى). تنص الوصية على أن ابنه المنفصل عنه، جون هارمون، سيرث كل شيء بشرط واحد: أن يتزوج من فتاة لم يلتق بها قط، وهي بيلا ويلفر. الاختفاء والميراث: أثناء عودة جون هارمون إلى لندن للمطالبة بميراثه، يُعثر على جثة في نهر التايمز، ويتم التعر...

التسارعية وتفكيك الإنسان

صورة
   الفيروس الفلسفي تخيل أن الفلسفة ليست مجرد نصوص أكاديمية رصينة، بل هي "فيروس" أو "كود برمجي" قادر على إعادة كتابة الواقع. تخيل أن الرأسمالية ليست مجرد نظام اقتصادي، بل هي "ذكاء اصطناعي" غريب أتى من المستقبل ليفكك الحضارة الإنسانية. هذا ليس ملخصاً لفيلم خيال علمي، بل هو المدخل إلى عالم نيك لاند. كتاب "Fanged Noumena" هو الأرشيف الأسطوري لـ "وحدة أبحاث الثقافة السيبرانية" (CCRU) في التسعينيات. إنه نص "حمى" مكتوب بلغة محمومة، يمزج فلسفة دولوز وغاتاري، بسايبربانك (Cyberpunk)، وأفلام الرعب، والاقتصاد، ليقدم تشخيصاً مرعباً للحداثة. هذا الكتاب لا يُقرأ ليُفهم بالطريقة التقليدية؛ إنه يُقرأ لـ "يُختبر". إنه يقدم الأطروحة الأكثر إثارة للجدل في الفلسفة الحديثة: التسارعية (Accelerationism). "Fanged Noumena" هو مجموعة من المقالات، والمقتطفات، والشذرات التي كتبها لاند على مدى عقدين. لكن جوهر الكتاب يكمن في نصوصه المكتوبة في التسعينيات. الأطروحة المركزية هي أن الرأسمالية ليست نظاماً بشرياً يمكن السيطرة عليه أو "إصل...

"نهاية اللعبة" \ صموئيل بيكيت

صورة
  نيل : لا شيء أكثر إثارة للضحك و السخرية من التعاسة .بلى .بلى .التعاسة هي أكثر ما يضحك في هذا العالم .نضحك منها .نضحك منها بملئ قلوبنا في البداية .لكنّها تبقى دائماً كما هي .نعم .تشبه الحكاية الجميلة التي نسمعها باستمرار .نجدها باستمرار جيدة .و لكن من دون أن تُضحكنا. تُعتبر مسرحية "نهاية اللعبة" (Endgame, 1957) لصموئيل بيكيت واحدة من أكثر النصوص كثافةً وتجريداً في "مسرح العبث"، وهي تمثل ذروة التشاؤم البيكيتي. إذا كانت "في انتظار غودو" تدور حول الأمل (العبثي) في الخلاص القادم من الخارج، فإن "نهاية اللعبة" تدور حول اليأس (المؤكد) من استحالة الخلاص من الداخل. إنها مسرحية عن "الشرط البشري" في لحظته الأخيرة، ليس كحدث نهاية العالم (أبوكاليبس)، بل كـ "تجربة" العيش في غرفة تحتضر، حيث الزمن توقف، واللغة تفككت، والشيء الوحيد المتبقي هو طقوس الألم والاعتمادية المتبادلة. إنها لعبة شطرنج وجودية، وصلت إلى مرحلتها النهائية (Endgame)، حيث "الملك" (هام) محاصر، و"البيدق" (كلوف) منهك، وكل الحركات المتبقية لا تؤدي إلا إلى تأج...

"الحقيقة الغائبة": الجنة

صورة
  الجنة بالنسبة لي ليست مجرد حقيقة قادمة فقط، إنها المواعيد التي تم تأجيلها رغما عني.. والأماكن التي لا تستطيع الأرض منحي إياها، إنها الحب الذي بَخلت به الدنيا والفرح الذي لا تتسع له الأرض، إنها الوجوه التي أشتاقها.. والوجوه التي حرمت منها، إنها نهايات الحدود وبدايات إشراق الوعود، إنها استقبال الفرح ووداع المعانات والحرمان، الجنة زمن الحصول على الحريات، فلا قمع ولا سياج ولا سجون، ولاخوف من القادم والمجهول. الجنة موت المحرمات.. وموت الممنوعات.. الجنة موت السلطات.. الجنة موت الملل.. موت التعب.. موت اليأس.. الجنة موت الموت.         محمد الصوياني  لاهوت الشوق (A Theology of Longing) هذا النص ليس وصفاً للجنة، بل هو "تشريح" دقيق لروح الإنسان المُشتاق. إنه يعيد تعريف "الجنة" ببراعة، وينقلها من حقل "اللاهوت" (Theology) البارد المُتعلِق بالمستقبل، إلى حقل "الوجود" (Existence) الحار والمُتعلِق بالحاضر. الجنة في هذا المقطع ليست "مكافأة" قادمة، بل هي "صورة سلبية" (Photographic Negative) لكل ما سُلب منا على الأرض. إنها ليست مجرد "حقيق...

صناعة الجهل وتفكيكه

صورة
  الجهل كـ "منتج" نحن نميل إلى الاعتقاد بأن "الجهل" هو حالة سلبية، فراغ، أو مجرد "عدم" في المعرفة. إنه الحالة الطبيعية التي نولد بها، ونقضي حياتنا في ردمها بالتعليم والتجربة. هذا الكتاب يقلب الطاولة على هذا المفهوم تماماً. المقدمة التي يطرحها هذا العمل هي أن الجهل ليس فراغاً، بل هو "صناعة". إنه "منتج" يتم تصنيعه وتوزيعه ونشره بوعي كامل، وباستراتيجيات دقيقة، ولأهداف محددة (سياسية، تجارية، أيديولوجية). الكتاب هو تشريح لهذه "الصناعة" ومحاولة لتقديم الأدوات اللازمة لـ "تفكيكها".  تعريف "الأجنتولوجيا" (Agnotology) المفهوم المركزي الذي يدور حوله الكتاب هو "الأجنتولوجيا" (Agnotology) - أو "علم الجهل" - وهو مصطلح صاغه روبرت بروكتر (أحد المؤلفين) بنفسه. الجوهر هنا هو التمييز بين نوعين من الجهل: الجهل كـ "حالة طبيعية" (Ignorance as Native State): هو الفراغ المعرفي الأولي. (مثال: عدم معرفة طفل بالفيزياء الكمية). الجهل كـ "بناء مُتعمد" (Ignorance as Construction): هو الجهل المُصن...

"ركّز على ما يهم" \ داريوس فوروكس

صورة
   ترياق الفوضى الحديثة نحن نعيش في عصر "التشتت الأقصى". هواتفنا، ووسائل التواصل الاجتماعي، ودورة الأخبار التي لا تنتهي، ومطالب العمل، كلها تتنافس بوحشية على أثمن مورد نمتلكه: انتباهنا. في خضم هذه الفوضى، يأتي كتاب داريوس فوروكس "ركّز على ما يهم" ليس كدليل إنتاجية آخر، بل كـ "ترياق" فلسفي. الكتاب، الذي يأتي بعنوان فرعي "مجموعة من الرسائل الرواقية عن العيش بشكل جيد"، هو دعوة صريحة للعودة إلى الجذور. إنه يستخدم حكمة الفلسفة الرواقية (Stoicism) العريقة، التي صمدت لآلاف السنين، ليقدمها لنا في شكل "رسائل" شخصية وعملية. لا يعدك فورو بحياة خالية من المشاكل، بل يعدك بـ "عقل" قادر على التنقل في خضم هذه المشاكل بسلام وقوة وهدف. إنه جسر بين حكمة ماركوس أوريليوس وسينيكا وبين تحدياتنا اليومية في القرن الحادي والعشرين. يقدم فورو، المعروف بأسلوبه المباشر والعملي، دليلاً مقسماً بذكاء. الكتاب ليس مجرد نظرية، بل هو مجموعة أدوات للعيش. 1. الشكل: "رسائل" من صديق رواقي بدلاً من الفصول التقليدية، تم تصميم الكتاب كمجموعة من الرسائل القصيرة...

لوحة من الأعماق \ بلفور كير

صورة
   البيان البصري للانقسام هذه اللوحة ليست مجرد عمل فني؛ إنها "مانيفستو" (بيان) بصري، وصرخة سياسية واجتماعية مدوية. إنها عمل لا يهمس، بل يصرخ بالحقيقة. الفنان هنا لا يرسم مشهداً، بل يشقّ الواقع بسكين ليُظهر لنا ما يكمن تحته. "من الأعماق" هي تشريح للـ "هُوّة" (Chasm) الطبقية. إنها تجسيد مادي ووحشي للمقولة المجازية: "الطبقات العليا تعيش على حساب الطبقات الدنيا". اللوحة تقسم العالم بوضوح صارخ إلى "فوق" و"تحت"، "ظاهر" و"باطن"، "غافل" و"مُعذَّب". إنها لوحة عن "الأساس" غير المرئي الذي يحمل عالمنا، وعن اللحظة الحتمية التي يقرر فيها هذا الأساس أن يثور.  رقصٌ فوق بركان (عالم "الفوق") الجزء العلوي من اللوحة هو عالم "الديكور" الذي تحدث عنه كامو، ولكنه هنا في أبهى صوره وأكثرها غفلة.  نرى حفلاً صاخباً في قاعة فخمة. رجال يرتدون البذلات الرسمية (التوكسيدو) ونساء بفساتين السهرة الأنيقة. الثريات متدلية، والأجواء توحي بالثراء الفاحش والترف المطلق. البعض يرقص، والبعض يتجاذب أطر...

انهيار "معالم الحياة"

صورة
  قد تتقوّض معالم الحياة، فأن نستيقظ وأن نركب القطار وأن نقضي أربع ساعات في المكتب أو في المصنع أو في الجامعة وأن نتغدّى، ثمّ أن نركب القطار مجددا وأن نقضي أربع ساعات من العمل أو الدراسة، وأن نتعشّى وأن ننام، ثم يوم الإثنين فالثلاثاء فالأربعاء فالخميس فالجمعة، وأخيرا السبت، كلها على الوتيرة ذاتها، وتستمر هذه الطريق بيُسر في غالب الأحيان، وذات يوم يطالعنا سؤال " لماذا "؟.   ألبير كامو \ أسطورة سيزيف  انهيار الديكور يُقدم هذا المقطع تشريحاً دقيقاً للحظة "السقوط". إنه لا يتحدث عن سقوط جسدي، بل عن انهيار "معالم الحياة" (الديكور المسرحي) التي نعيش خلفها. يبدأ النص بوصفٍ رتيب ومخيف في آن واحد لـ "الأنا" المُستلبة، الغارقة في الأفعال الميكانيكية اليومية. هذه ليست مجرد يوميات، بل هي صك اتهام ضد الحياة التي تُعاش "بيُسر" ظاهري، بينما هي في العمق خواء مُقنّع. إنها لوحة "ما قبل العبث"، حيث العجلة تدور، والجميع نيام على متنها، حتى لحظة الصحوة الفجائية. إن القوة  في النص تكمن في قدرته على تجريد الحياة من ألوانها، تاركاً لنا الهيكل العظمي ل...