المشاركات

عرض المشاركات من مارس, ٢٠٢٢

اللّامأمول \ كريستيان بوبان

صورة
  إنّه قذرٌ، حتّـى عندما يكون نظيفًا. يغطيّه الذّهب والفضلات البشريّة والأطفال وقدور الطبخ. يبسط سلطته في كلّ مكان، كما لو كان ملكا بدينًا وسـِخًا، لم يبق لديه شيء يحكمهُ بعد أن غزا كلّ شيء، وسمّم الأخضر واليابس بقذارته الفطريّة. لا أحد يستطيع مقاومته. وبفضل جاذبيّته الأبديّة إلى القاع، وإلى حُلكة الوقت الثّقيل، يبسطُ سلطته. يُسكّن الآلام في السّـجون. ويعمل بشكل دائم في بعض أجنحة مستشفيات الأمراض العقليّة.  في هذه الأماكن، يجدُ مكانه المناسب: لا ننظر إليه، ولا نستمع إليه. نتركه مثرثرا في الرّكن، ونترك أمامه أولئك الّذين لم نعد نعرف ماذا نفعل بهم، فالأيّام في المستشفيات، كما هو حالها في السّجون، أطول من أن تكون مجرّد أيّام، ولذلك يجب قضاؤها بطريقة مّا، كأن نكلّفه بحراسة مختلّي العقول والسّـجناء والمسنّين المنسيّين في دور العُجّز. وبما أنّه أقلّ كرامة من هؤلاء النّاس الّذين ذبحهم خريف العُمر واختارت القوانين أو الطبيعة أن تجعل منهم ضحاياها، فهو مستغرق على الدوام في سخريته من هذه الكرامة الّتي يفتقر إليها. إنّهُ سعيد بعمله، عمله الّذي يتلخّص في تلويث الألم الموكول إليه وفي ردم كلّ شيء في

الإنسان المستلب \ إيريك فروم

صورة
  يكره الإنسان عمله لأنه يقود إلى الشعور بالسجن... إنني مشغول دائما، إما أنني أعمل وإما أنني ألهو. ليست هناك ضرورة لكي أكون واعيا، لأنني مشغول على الدوام بالاستهلاك. فأنا نَسَق من الرغبات ومن تحقيقها. لابد أن أعمل لكي أحقق رغباتي، التي يقودها الاقتصاد باستمرار...  يشعر هذا الإنسان المُغَّرب المعزول بالخوف، ليس فقط لأن التغرب والعزلة يخيفان، لكن لسبب آخر خاص. إن النظام الصناعي البيروقراطي...، يُشعِر بالخوف في المقام الأول بسبب التناقض بين كبر المقاولة وصغر الفرد. من هنا فإن الشعور بعدم الأمن العام يؤدي إلى الخوف، الذي يُغرَس في كل واحد منا تقريبا. فأغلبية الناس موظفون، وبالتالي فإنهم تابعون لرؤسائهم البيروقراطيين. لم يبيعوا قوة عملهم فقط، بل يبيعون في المزاد العلني شخصيتهم (ابتساماتهم، أذواقهم وحتى صداقاتهم). يخونون أصالتهم دون أن يكونوا على يقين ما إذا كان بإمكانهم الصعود في السلم الاجتماعي أم التعرض للفقر، للعار وللفضيحة. فعلى الرغم من الرفاهية فإن المجتمع الصناعي البيروقراطي هو مجتمع جبناء وأناس خائفين. إن الإنسان الذي أصبح شيئاً هو إنسان جبان، ليس له أي إيمان ولا أية قناعة ولم يعد ب

يجب على الفلسفة أن تعود الى الشارع \ ميشال أونفري

صورة
يجب على الفلسفة أن تعود الى الشارع وتخرج إلى الناس حيث تنتمي، وحيث كانت تنتمي في العصور القديمة. لاحظ كيف تزدحم أعمال افلاطون بالناس، السمّاكين، الاسكافيين، المومسات المارات الخ. الفلسفة لا تخص مشرعين يقرأون الكتب المعينة ويتفلسفون خلال وقت دوامهم. أن تكون فيلسوفا يعني أن تتفلسف طوال الوقت: هذا هو التقليد الأنتيكي الذي أود العودة إليه والذي للأسف أخذ في التلاشي بعد صعود المسيحية. يجب القول إنني لا أعتبر أن المسيح كان شخصية تاريخية على الاطلاق- المسيح هو شخصية تبلورت في خيال الإنجيليين الذين لم يعرف كتّابها يوما المسيح، وبهذا خنق آباء الكنيسة الفلسفة التي دارت حول لحم هذا الشخص ودمه فصارت تمرينا وبحثا مجنونا في تفاصيل عجيبة، حيث تأتى عليهم إثبات تلك العجائب مثل الثالوث، القيامة والولادات العذرية. هكذا نحصل على ما يزيد عن عشرة قرون من الفلسفة رُسمت انطلاقا من الرغبة في إضفاء الشرعية على شيء لا يمكن إقراره. فلسفة الجامعات التي نعرفها هي تطوير لتقليد علم المسيحية لذا عندما تتحدث عن فيلسوف فرنسي- النظرية الفرنسية كما يقول الأمريكيون، وأعني فلاسفة مثل دولوز، غاتاري، ديريدا وليوتار الخ – فذلك

Paris, Texas (1984) \ Wim Wenders

صورة
اعتدتُ على خوض محادثات طويلة معك بعد رحيلك...كنت أتكلم معك طوال الوقت مع أنني كنت بمفردي، هِمتُ لشهور وأنا أتحدث إليك، الآن لا أعرف ماذا أقول كان الأمر أكثر سهولة عندما كنتَ مجرد صورة متخيلة حتى لقد تخيلتُ أنك تبادلني الحديث...لقد خضنا محادثات طويلة كلانا كما لو أنك كنت معي، كنت أستطيع سماعك كنت أستطيع رؤيتك، تشمم رائحتك، كنت أستطيع سماع صوتك أحيانا كان صوتك يوقظني...كان يوقظني في منتصف الليل كما لو أنك كنت معي في الغرفة...ثم خَفَتَ تدريجيا لم أتمكن من تخيّلك بعدها...حاولت التحدث معك بصوت عال كما كنت أفعل لكن لا شئ كان هناك لم أتمكن من سماعك...ثم أصابني اليأس توقف كل شئ...أنت اختفيتَ ببساطة، أعمل الآن هنا وأسمع صوتك طوال الوقت...كل رجل يملك صوتك. 

فن العيش الحكيم \ آرثر شوبنهاور

صورة
   الإنسان العامي تحده الأشياء الخارجية خلال بحثه المحموم عن المتع والشهوات من قبيل الثراء والمكانة والأسرة والأصدقاء والمجتمع وما شابه، فكل هذه الأشياء تحجب عنه النظرة البعيدة، وعليها يُقيم صرح سعادته الذي سرعان ما ينهار بالكامل عندما تحيق به خسارة أو تصيبه إحباطات وتلتف حوله خيبات الأمل. يجوز القول عن هذا الشخص وأمثاله بأن نقطة جاذبيتهم تقع خارجهم، لذلك لا عجب إن كانت أمانيهم ونزواتهم لا تستقر على حال ولا يقر لها قرار. فإذا ابتسم الحظ لأحدهم، بادر إلى إقتناء إقامات فاخرة أو خيول جميلة أو إلى إقامة الحفلات والولائم والقيام برحلات السفر، وفي كل هذه الحالات، يكون حريصاً أشد الحرص على التباهي بمظاهر البذخ باحثاً فيها عن إشباعات خارجية، مثله كمثل الكليل المُنهك الذي يبحث عبثاً عن الصحة والعنفوان المفقود في العقاقير والعلاجات الصيدلية، غافلاً عن أن مصدر هذا العنفوان إنما هو القوة الحية المنبعثة من دواخله.

كيف أذهبُ إلى الغابة \ ماري أوليفر

صورة
  في العادةِ، أذهبُ إلى الغابةِ بمفردي، دونَ الأصدقاءِ، لأنّهم جميعًا مبتسمون، ثرثارون، ولهذا لا يصلحون. لا أريدُ لأحدِهِم أن يراني أتحدثُ إلى العصافيرِ المُوَّاءة أو أعانقُ شجرةَ البلّوطِ الأسودِ العتيقةَ. لدي طريقتي في الصّلاةِ، ولديك طريقتُك بالتأكيد. علاوةً على ذلك، عندما أكونُ وحدي يُمكنُنِي أنْ أستحيلَ غيرَ مرئيّةٍ. يمكنُني الجلوسَ على كثيبٍ رمليٍّ بلا حراكٍ، كما العشبةِ النابتة، تجري الثعالبُ غيرَ مكترثةٍ حولَها. يمكنُني سماعَ غناءِ الزّهورِ الصامتة. إنْ كنتَ قد ذهبتَ معي إلى الغابةِ في أيّ وقتٍ مضى، فلابدّ وأنني جدًّا أحبّك. 

الجريمة و العقاب \ دوستويفسكي

صورة
  كان منذ عرفته قاتم النفس متجهم الوجه شديد الكبرياء متعاليا ؛ و هو في هذه الآونة الأخيرة -و لعل ذلك يرجع إلى عهد أبعد- كثير الشكوك و الوساوس أيضا . هو سمح طيب . و هو لا يحب أن يظهر عواطفه ، و يؤثر أن يرتكب إساءة على أن يفتح قلبه . على أنه في بعض الأحيان يبرأ من الوساوس ، فلا يظهر عليه عندئذ إلا برودة في العاطفة و فتور في الإحساس حتى ليصل من ذلك إلى درجة يفقد معها روح التواصل الإنساني ، فكان له طبعين متعارضين يتناوبان الغلبة واحدا بعد آخر . يتفق له أحيانا أن يكون صموتا إلى حد رهيب : فإما أن يزعم أنه ليس في وقته متسع ، و إما  أن الناس جميعا يزعجونه ؛ و مع ذلك يظل مستلقيا على سريره لا يعمل شيئا . و ما هو بالساخر ، ليس لأنه فقد روح الفكاهة ، بل لأنه كمن لا يريد أن يتلبث على سفاسف سخيفة و ترهات باطله . إنه لا يصغي أبدا إلى ما يقال حتى النهاية . إنه لا يهتم أبدا بالأشياء التي يهتم بها الآخرون في لحظة من اللحظات . و هو معتد بنفسه اعتدادا عظيما ، و يظهر أن من حقه أن يعتد بنفسه هذا الاعتداد . ماذا اقول أيضا ؟ ..  إنه لا يحب أحدا ، و لعله لن يحب أحدا في يوم من الأيام .

لا تُزعِج نفسك \ ماركوس اوريليوس

صورة
  لا تُزعِج نفسك بالتأمل في المشهد الكلي لحياتك، لاتدع فكرك يضم في آنِِ معا كل ما ازعجك فيما مضى وكل ما يمكن أن يُزعجك فيما بعد، بل اسأل نفسك في كل ظرف حاضر: ( أي شيءِِ في هذا يفوق احتمالي وينوء بي؟ ) ولسوف تخجل من مثل هذا الإقرار. ثم ذكر نفسك انه لا المستقبل ولا الماضي هو ما يُثقل عليك، بل الحاضر وحده، وكم يهون عبء الحاضر إذا أمكنك فقط ان تحدده وتضعه في حجمه، وان توبخ عقلك اذا كان يكل عن الصمود لشيءِِ مخفف كل هذا التخفيف.