عالم كافكا هو نفس عالمنا \ روجيه جارودي
عالم كافكا هو نفس عالمنا والعالم الذي عاشه هو نفس العالم الذي بناه. إنه عالم خانق، مجرد من الإنسانية، عالم الغربة. على أنه يعي هذه الغربة، كما يحدوه أمل لا ينتهي، حتى إننا نرى من خلال ذلك الكون الذي تتنازعه الروائع وروح المرح، قبسًا من النور أو مخرجًا. ويكفينا لكي نعيش بكل جوارحنا تلك الوحدةَ الحية العميقة؛ ألا نضل في متاهات التفسيرات التي تميل دائمًا إلى حشر الأعمال الخلاقة في إطار نظام عقائدي محدد من قبل، ولا يعتبر تلك الأعمال إلا إخراجًا رومانتيكيًّا لفكرة. وقد قدم علماء اللاهوت عدة نماذج لهذا التفسير الصارم؛ فمنهم من تصور أنه وجد في كافكا آخر أنبياء إسرائيل، ومنهم من تعرف في شخصه على تمزقات روح تسعى إلى الخلاص، فأرادوا أن يقودوه إلى الهداية، ومنهم من اتخذه واحدًا من أتباع كارل بارت، ومنهم من سلك أدبه في اللاهوتية السلبية. وفي الطرف النقيض ظهرت التفسيرات التي تدَّعي التمسك بالماركسية، وترى في كافكا إما برجوازيًّا صغيرًا مترديًا في تشاؤمية ناخرة كالسوس، وإما رجل الثورة، إن لم يكن رجل الاشتراكية. وأرادت الوجودية هي أيضًا أن تُدخِل كافكا في نطاق الجهود العبثية لسيزيف، وفي إطار ال...