المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠٢١

السائرة خلال النوم \ لجون إيفرت

صورة
  لأول نظرة ستجد مجرد فتاة واقفة في العراء، لكن عند تأملك سترى وجهها الجميل الشاحب يعكس ضوء القمر، والطريق الواقع على حافة جرف صخري مطل على المحيط، وقد أطفا النسيم شعلة مصباحها. أغمض عينيك، ستشعر برائحة البحر، قطرات الرذاذ، برودة الهواء، وقشعريرة!  قدماها العاريتان وثوبها الأبيض المتلألأ ونظراتها الجامدة، جميعها تجسد حالة اللاوعي، والإنفصال عن الواقع الذي يصاحب السير اثناء النوم! المشهد قاتم بطريقة جميلة ومرعبة، حيث لم يتبقى سوى ضوء القمر الساقط لإنارة الطريق بعد إنطفاء الفانوس! تتقدم في طريقها غير مدركة المخاطرة!   ‏جون ايفرت استلهم اللوحة من حادثة وقعت ذات ليلة بينما هو يسير إلى المنزل مع صديقين، سمعوا صراخ امرأة ثم ظهرت شابة جميلة تهرع من بوابة حديقة فيلا مجاورة، كانت ترتدي أردية بيضاء تتوهج تحت ضوء القمر، ركضت في إتجاههم تطلب المساعدة، هتف جون ايفرت "يا لها من جميلة!" ثم تقدموا لمساعدتها! ‏الفتاة كانت مختطفة داخل هذه الفيلا لفترة طويلة قبل أن تتمكن من الهرب، وظلت في حالة صدمة بعد هذه الحادثة لأشهر! هذه الحادثة لم تكن عادية، لذلك أستحوذت على تفكير جون ايفرت، وظل يفكر في ال

العدمية كفكرة وليست كعالم

صورة
    "العدمية ليست فقط الاعتقاد بأن كل شيء يستحق أن يُهلك، ولكن أن يدمر أحدهم الحرث والنسل" (فريدريك نيتشه، إرادة القوة 1901)  هكذا نظر نيتشه للعدمية الغربية، خاصة الألمانية منها، على أنها اتجاه ابداعي نحو التغيير، لكن السؤال المطروح هنا: ماذا قصد نيتشه بتدمير الحرث والنسل ؟ هل بالفعل نيتشه ذلك الفيلسوف الإنساني والمسالم العاشق للمحبة والحب يقصد بالتدمير المعنى الحرفي لها ؟  في روسيا عُرفت العدمية كحركة ثورية منظمة وحرة، وذلك ابتداءً من سنة 1861 وبقي صداها راسخا لأزيد من نصف قرن في هذه البيئة التي تميز أناسها في تلك الحقبة التاريخية بالتوقف الفكري، وهنا الحديث عن نبذ كل ما هو خارج عنهم، ولعل كتابات دوستويفسكي هي الأكثر دليلا على ذلك، ليس من حيث الشهرة ولكن من حيث المحتوى، ولكن على ذكر مصطلح التدمير ها نحن نجد ميخائيل باكونين يبدع مقولته الشهيرة " دعونا نضع ثقتنا في الروح الأبدية التي تدمر وتبيد فقط لأنها مصدر الإبداع، اللانهائي العصي عن البحث، إن الشغف بالتدمير هو شغف إبداعي هو الآخر " في هذا الصدد ألا يمكننا القول أن هذه المقولة هي تعبير صريح للعدمية التي بها لاحقا

الوجود والزمن \ هايدغر

صورة
  انجذب مارتن هايدجر إلى الفلسفة من خلال قراءة أعمال هوسرل، واعتماد أساليب الفينومينولوجيا في فحصه لطبيعة الوجود. مثل هوسرل، نحى هايدجرجانباً أي نقاش عن عالم نومينون (الشيء في ذاته) من أجل التركيز على مواضيع التجربة الإنسانية. ومع ذلك، أخذ هايدجر هذه الحيثية أبعد من ذلك، من خلال الإشارة في كتابه الوجود والزمان (1927) إلى أننا ندرك وجودنا الخاص، لذلك يمكن فحصه كجزء من العالم الظاهراتي (phenomenal world). لأنه موضوع تجربتنا، يجب أن يحدث وجودنا في مكان ما في الفضاء. إنه موجود أيضًا في الوقت ولا ينفصل عنه - لقد استنتج من تجربتنا في وجود ماض وحاضر ومستقبل، أن الوجود هو الوقت. حياتنا مؤطرة بالزمن، من الولادة إلى الموت؛ نأتي إلى الوجود، ندرك وجودنا، ولكن أيضًا ندرك أن لها نهاية. يمكن أن تكون حياتنا ببساطة بلا معنى، حيث لا توجد يقين موضوعي، لذا فإن مهمتنا هي إيجاد المغزى فيها. إن الوعي بالموت، الذي يقول هايدغر إنه "أبعد أفق لوجودنا"، يساعدنا على فهم وجودنا والعيش بأصالة وصدق.

الاستيقاظ والحلم والوجود: الذات والوعي في علم الأعصاب والتأمل والفلسفة \ إيفان تومسون

صورة
  تقديم: يُعد الكندي إيفان تومسون أحد العلماء والكتاب المتخصصين المعروفين في فلسفة العقل في السنوات الأخيرة. وله العديد من المؤلفات والأبحاث، بالإضافة لكونه أستاذاً للفلسفة في جامعة بريتش كولومبيا في فانكوفر. وتدور أعماله حول طبيعة العقل وعلاقتها بالذات والتجربة الإنسانية، ويعتمد فيها على مناهج العلوم الحديثة وفلسفة الفينومينولوجيا أو الظاهراتية، والفلسفات المقارنة، وخاصة التراث الفلسفي الشرقي.  والمقالة التالية مقتطفات مختارة من بحث نشره في الفصلية الأكاديمية «الفلسفة، شرقاً وغرباً» الصادرة عن جامعة هاواي في يوليو 2016، ويقدم فيها ملخصاً لأفكاره بشكل عام، وتلك التي قدمها في كتابه المهم «الاستيقاظ والحلم والوجود: الذات والوعي في علم الأعصاب والتأمل والفلسفة». نص الترجمة: الفكرة المركزية التي ينبغي التركيز عليها في مجال دراسات الوعي هي أن «الذات» the Self عملية مستمرة وليست (شيئاً) معيناً أو كياناً ما. الذات ليست شيئاً خارج التجربة، أو شيئاً مخفياً في الدماغ أو في حقل غير مادي. إنها عملية يمكن اختبارها، وتخضع للتغير المستمر. نحن نصنع الذات في عملية الإدراك، وهذه الذات تأتي وتذهب اعتمادا

أوهام العقل وفقًا لفيلسوف العلم فرانسيس بيكون

صورة
   فرانسيس بيكون هو فيلسوف علم إنجليزي ورجل دولة، يعد أبرز سياسي عصره وأبرز مفكريه أشتهر بقيادتهِ للثورة العلمية عن طريق فلسفته القائمة على الملاحظة والتجريب.  شعر بيكون أن الدراسة ليست غاية أو حكمة في حد ذاتها وأن المعرفة أن لم تكن مقرونة بالعمل ليست سوى زهو وغرور علمي شاحب، يقول: ” إن إنفاقك في الدراسة النظرية وقتًا طويلًا ضرب من الكسل والخمول، والتحلي بها تصنع وتكلف ومحبة في الظهور واستنادك في حكمك دائمًا على أحكام الدراسة النظرية وقواعدها ضرب من مجون العلماء وأمزجتهم. هنالك حكمة خارج الدراسة النظرية وأهم منها وهي حكمة تُكتسب بالملاحظة، ينبغي أن يكون الفكر مساعدًا للملاحظة لا بديلًا عنها “. أن تعليق بيكون هذا يضع حدًا للفلسفة المدرسية ويضع أهمية التجربة والنتيجة التي تميز الفلسفة الإنجليزية والتي بلغت ذروتها في فلسفة البراغماتزم أو (المذهب العملي) وهو المذهب الذي يقول: أن أهمية المبادئ في نتائجها العملية.  يقدم لنا بيكون أوهام العقل الإنساني أو كما يُسميها « أصنام العقل» ومن هذهِ الأوهام :  أولًا “أوهام القبيلة” وهي أوهام طبيعية بالنسبة إلى البشرية عمومًا، فقد زعم الإنسان باطلًا أنه

البؤساء \ فيكتور هوجو

صورة
الصورة ل جافير شخصية رئيسية في الرواية   وليس أقدر على ترصد أعمال الناس من أولئك الذين لا تعنيهم تلك الأعمال. إنهم يتعبقون هذا الرجل أو تلك المرأة أياماً بكاملها ويقفون موقف الحرس ساعات بطولها في زوايا الشارع، تحت أبواب الأزقة ،في موهن الليل، وقد استبد بهم البرد وأصابهم المطر، من أجل ماذا؟ للاشيء. مجرد توق إلى النظر، إلى المعرفة، إلى النفاذ إلى الأشياء. مجرد رغبة عارمة في القال والقيل، وكثيراً ما يؤدي الكشف عن هذه الأسرار ونشر هذه الخفايا،وبسط هذه الأحاجي في وضح النهار إلى كوارث، إلى مبارزات، إلى افلاسات، إلى خراب أسر، إلى اشقاء نفوس ،ليغتبط أعظم الاغتباط أولئك الذين ((اكتشفوا شيء)) من غير أن تكون لهم مصلحة ما، وبدافع من الغريزة ليس غير، شيء محزن! وبعض الناس تأتيهم النزعة إلى الشر من مجرد حاجتهم إلى الكلام. إن حديثهم ، وإن سمرهم في الصالونات، وإن ثرثرتهم في غرف الانتظار هي أشبه ما تكون بتلك المواقد التي تستنفذ الحطب على نحو سريع. إنهم في حاجة إلى مقدار كبير من الوقود. وما ذلك الوقود غير جارهم. .

لعنة الرابحين/ عدي الزّعبي

صورة
  يعالج برتراند راسل في كتابه "دروب إلى الحرية"، الذي يناقش الفوضوية وسبل تطبيقها، حياة الكتاب والفنانين في ظل النظام المشتهى. أحد الأمور التي يرغب راسل بالتخلص منها، بشكل كلي، هي الجوائز والمسابقات، بكل أنواعها. هذه الممارسات، بحسب الفوضوي الإنكليزي، تشجع أسوأ ما في الإنسان من مشاعر: الغيرة والحقد والحسد والتنافس الشرس الهمجي: أي أنها، باختصار، تقدم لنا خلاصة الإنسان الرأسمالي الفرداني الجشع الخائف.  ما البديل؟ ببساطة، أن يحصل الكتاب والفنانون، كما سيحصل كل الناس، على راتب ثابت شهري يكفي لسد الرمق. هذا الاقتراح، الذي دافع عنه كروبوتكين بحمية، رفضه الماركسيون والليبراليون وقتها، بسبب عجزهم عن فهم أفضل ما قدمته الفوضوية: رؤية أصيلة واثقة متفائلة للطبيعة البشرية. يصر الفوضويون على أن الناس لا تحب الكسل، وعلى أن جوهر الفرد يتحقق بالعمل الذي يريد الفرد نفسه القيام به: لن يجلس الناس في بيوتهم متكاسلين عندما يطمئنون إلى أن حاجياتهم الرئيسة متوفرة. على العكس، سيسعى الناس إلى تحقيق ذواتهم، بدون خوف من الجوع والفاقة.  يعتقد راسل أن نظام الجوائز فاسد، جملة وتفصيلاً. ليست المشكلة في هذه

الظل القاتم \ روبرت غرين

صورة
إنك تدفع ثمن كونك  لطيفا ومحترما أكثر مما تدفعه مقابل إظهار ظلك القاتم. أولا: يجب أن تبدأ باحترام آرائك الخاصة بشكل أكبر وآراء الآخرين بشكل أقل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمجالات خبرتك، وذلك المجال الذي انغمست فيه. ثق في عبقريتك الأصلية والأفكار التي لديك، هَلُمَّ إلى الأعلى. ثانيا: اعتد في حياتك اليومية على تأكيد نفسك أكثر مع تقليل المساومات. افعل ذلك تحت السيطرة وفي اللحظات المناسبة. ثالثا: ابدأ في تقليل الاهتمام بما يفكر فيه الناس عنك. ستشعر بإحساس هائل بالتحرر. رابعا: أدرك أنه في بعض الأحيان أنه يجب عليك أن تسيء إلى الأشخاص الذين يغلقون طريقك. ذوو القيم القبيحة، الذين ينتقدونك ظلما، بل عليك أن تؤذيهم وتنال منهم. استخدم مثل هذه اللحظات من الظلم الواضح لإخراج ظلك اللعين. أظهره بفخر. خامسا: لا تتردد في لعب دور الطفل الوقح العنيد الذي يسخر من غباء ونفاق الآخرين. أخيرا: استهزأ بالمبادئ التي يتبعها الآخرون. منذ قرون عديدة، وحتى يومنا هذا تمثل أدوار الجنسين أقوى المبادئ على الإطلاق. ما يمكن أن يفعله أو يقوله الرجال والنساء كان خاضعا لسيطرة شديدة، لدرجة أنه يبدو أنه يمثل  الاختلافات البيول

طقوسُ وداعِ سيمون دو بوفوار لجان بول سارتر

صورة
    كانت سيمون دي بوفوار تتعرَّض طوال حياتها لضغط يسبِّبه لها قلق ويأس خانقان ، خوف من الوحدة ، فقدان الحبّ ، لكنها اعترفت صراحةً أنّها كانت مسكونة بما وجدته أسوأ كابوسٍ ( موتُ سارتر ). الكتاب الوحيد الذي ستكتبه بعد موت سارتر ، هو كتاب " وداعُ سارتر " ، وهو الكتاب الوحيد الذي لن يقرأه. - كانت السنوات الخمس الأخيرة من حياة سارتر شاقّة وعسيرة بالنسبة لبوفوار ، لم تكن تتحمل أن يكون سارتر أعمى. نُقِل سارتر إلى مشفى القلبيّة ، وقال الأطباء أنّه مُصاب بالاستسقاء الرئوي. كان سارتر مرهقاً لا يستطيع الكلام إلّا بصعوبة ، وكان جسده متقرِّحاً ، وكليتاه لا تعملان ، لكن عقله كان سليماً ، وفي أصيل الأيام سأل بوفوار : كيف سنتدبر نفقات الجنازة ؟ - نُقِل سارتر إلى قسم العناية المشدَّدة ، وهناك كانت بوفوار تحوم حول سريره ، أمسك معصمها ، قال وعيناه مغلقتان : " أحبكِ كثيراً عزيزتي سيمون ". لم تكن هذه إيماءاته التي يقوم بها ، لقد فهِمتُ ، قالت بوفوار. - في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي ، رغِبت بوفوار أن يدعوها سارتر وحدها ، فغادر جميع من كان حوله. سحبت الشرشف وهمّت بالاستلقاء بجانب

نيتشه كما يراه روجي ﭘول دروا

صورة
  إلى حدود الثلاثين من عمري لم أكن قد فهمت فكر نيتشه البتة. كلما قرأت فكره أشعر أنه غريب عني، كما يحدث لكثير من القراء ولا شك. كنت أجد في فكره شيئًا مبالغًا فيه أو مُتَصنَّعًا، وغير متماسك أحيانًا. لم أكن أفهم لماذا يبدو فجأة وكأنه يقول عكس ما قاله للتو في الصفحتين السابقتين. لم يكن في مقدوري إدراك طريقة اشتغال فكره من الداخل. وبما أنني كنت من خريجي المدرسة العليا للأساتذة، وأستاذًا مبرزًا، فقد كنت أستطيع تقديم عرض عن الأبولوني والديونيسي، والعودة الأبدية أو السوبرمان… ولكن إدراك مرامي فيلسوف ما لا يقتصر على التعامل مع مفاهيمه أو شرح مذهبه. يجب أن ندرك طريقة اشتغال فكره من الداخل. وهو أمر لم أتمكن منه بخصوص فكر نيتشه إلا بعد ما تجاوزت الثلاثين. في المدة بين عامي 1977م و1983م عشت بعيدًا من عالم الفكر الباريسي الذي انغمست فيه في وقت مبكر جدًّا، في الوسط الجامعي، وفي هيئة تحرير صحيفة لوموند. انتقلت للإقامة في منزل يوجد في منطقة نائية، يبعد من مكتب البريد والمتاجر بعشرة كيلومترات، والرغبة تحدوني في أن أعرف ما إذا كان لدي شيء أكتبه. كنت أدَرِّس وفي الوقت نفسه أكتب نصوصًا صغيرة، مجزأة، عبارة

كافكا على الشاطئ \ هاروكي موراكامي

صورة
  القدر أحيانا كعاصفة رملية صغيرة لا تنفك تغير اتجاهاتها. وأنت تغير اتجاهاتك، لكنها تلاحقك. تراوغها مرة بعد أخرى، لكنها تتكيف و تتبعك. تلعب معها هكذا مراراً، كرقصة مشؤومة مع الموت في الفجر. لماذا؟ لأن هذه العاصفة ليست شيئا يهّب فجأة من بعيد. ليست شيئا لا يمت لك بصله، إنها أنــت. إنها شئ ما في داخلك. و كل ماعليك فعله هو أن تستسلم لها. أدخل إليها مباشرة. أغمض عينيك، و سّد أذنيك حتى لا تتسلل الرمال إليهما، وسر في العاصفة، خطوة بعد خطوة. ليس من شمس هناك، ولا قمر، ولا اتجاهات، ولا إحساس بالزمن. فقط دوامة من الرمال البيضاء الناعمة تصعد الى السماء كعظام مطحونة، هذه هي العاصفة التي عليك أن تتخيلها. وعليك أن تنجو وسط تلك العاصفة الباطشة الميتافيزيقية الرمزية، بغض النظر عن مدى ميتافيزيقيتها أو رمزيتها. الخطأ ممنوع. ستقطع العاصفة اللحم كآلاف الانصال. وستنزف الناس هناك، وستنزف أنت أيضاً، ستنزفون جميعاً دماً أحمراً حاراً. وستتلقف أنت هذا الدم بيديك، دمك، ودم الاخرين. ولحظة انتهاء العاصفة، لن تتذكر كيف تدبرت أمرك لتنجو، ولن تدرك هل انتهت العاصفة أم لا. ستكون متيقناً من أمر واحد فقط: حين تخرج من العا

حياة هيرمان هسه نموذج للشباب الغريب العاجز عن تقبل القيم البالية

صورة
  رجل بدائي هجرته البراءة يعرف القارئ المتابع لأعمال الكاتب هيرمان هسه (يوليو 1877 – أغسطس 1962) أنه اتخذ لنفسه عند بدء حياته الأدبية اسما مستعارا هو إميل سنكلير وقّع به قصائده ومقالاته الأولى التي نشرها وقت الحرب العالمية، وهو نفسه الاسم الذي ظهرت به الطبعة الأولى من روايته “دميان”، ويعرف أيضا أن شخصيات رواياته كانت أقنعة له، فاسمه “هيرمان هسه” يحيل إلى”هـ. هـ” في ”رحلة إلى الشرق”، و”هاري هالر” في “ذئب البوادي”، و”هيرمان هالنر” في ” تحت العجلة”، “لعبة الكريات الزجاجية”، فكأنه كان يكتب نفسه، لكن الرغبة في الاختفاء عن القراء دفعته لاتخاذ اسم مستعار يتخفى خلفه، حتى عندما كتب سيرته الذاتية لم يكتبها مرة واحدة، بل توزعت فصولها الاثني عشرة على أكثر من أربعين سنة، وكتب الفصول الثلاثة الأخيرة منها بعد فوزه بجائزة نوبل في الآداب عام 1946، ولم يتناول فيها فصول حياته بحسب تعاقب مرور السنين، لكنه راعى الترتيب الزمني للوقائع حينما جمع الفصول المتناثرة في كتاب واحد هو “سيرة ذاتية”، الصادر عن دار سطور العراقية بترجمة الدكتورة محاسن عبدالقادر. مملكة الروح السرمدية يقول الناقد ثيودور سيولكوفسكي في مقد

مستوحي من رواية جوستن لعنة الفضيلة \ الماركيز دو ساد

صورة
  "لقد مات الإله ونَحنُ مَن قتلناه" قالها "نيتشة" وقد كان يقصد بأننا قد قتلنا كُل ما يوحي بأننا بشر وقد تخلّينا عَن الفضيلة والقينا بِها في غيابة الجُبّ وارتدينا ثوب الوحشية والرذيلة  يقولون عَن "نيتشة" بأن إلحاده كان أقرب للإيمان , إن الشّك إذا تغلّف بالحِكمة والتدبُّر فإنه يقودك إلىَ الإيمان , هل كان "نيتشة" مُلحداً أو مؤمناً؟  في مرحلة ما مِن مراحل العُمر نفقد الإيمان بِكُل شيء ونفقد الثقة في جميع مَن حولنا, وتِلك المرحلة غالباً ما تأتي بَعد الثلاثين وإن أتَت قبل ذلك فتِلك مآساة , هل جرّبتي ذلك الشُعور؟ هل مرَرتي بِتلك المرحلة؟ أتمنىَ يا عزيزتي ألا تُجرّبيه فهو شُعور مؤلم . "ماركيز دو ساد" كان مُختلاً وشهوانياً ومُنحرف جنسياً وقد قضىَ الكثير مِن حياته في مصَحّة نفسية ولكنه كاتب بارع ولا يُمكن إنكار ذلك, كان "الماركيز" يُعذّب أبطال قِصصه بوحشيّة مُفرطة وهذا ما ظهر في رائعته الشهيرة "جوستين" تِلك الفتاة التي إُغتُصبت عشرات المرّات  كان صوت صراخها يكاد يعانق عنان السماء  كانوا ينهشون لحمها كالذئاب  لقد تذكرت يا عزيزت

مغالطة الوجود \ سيلڤيا بلاث

صورة
  يا إلهي، لو كان ثمة وقت اقتربت فيه من الرغبة في الانتحار، فهو هذه اللحظة، والدم الأَرِقُ، الدائخ، يسري في عروقي، والهواء الرمادي طافح بالمطر، والرجال الصغار الملعونون عبر الشارع يطرقون على السقف بالمعاول والفؤوس والأزاميل، وذَفَرُ القطران؛ الذَفَرُ الجهنمي اللاذع.. إنني خائفة. لست قوية، إنني جوفاء.. أريد أن أقتل نفسي، أن أهرب من المسؤولية، أن أزحف عائدة بوضاعة إلى الرحم. لا أعرف من أنا، ولا إلى أين أذهب.. إنني أجلس هنا الآن، أكاد أبكي، خائفة، ناظرة إلى الإصبع الذي يكتب خيبتي الجوفاء على الجدار، ويلعنني. الواقع هو ما أصنعه. هذا ما قلت: إنني قد آمنت به. ثم أحدق في الجحيم التي أتمرّغ فيها، الأعصاب مشلولة، والأفعال باطلة – الخوف، والحسد، والكراهية: كل المشاعر المزعجة للاطمأنينة التي تنخر نفسيّتي المرهفة. الوقت، والتجربة: الموجة العملاقة، الموجة المَدِيّةُ الكاسحة تغمرني، فأغرق، أغرق. أنَّى لي أن أجد الديمومة، تلك الصلة المستمرة مع الماضي والمستقبل، ذلك التواصل مع الكائنات البشرية الأخرى التي أحنّ إليها؟ هل لي أن أقبل، بكل أمانة، إجابةً زائفة محتومة؟ أنَّى لي أن أسوِّغ، وكيف لي أن أبرِّر

حان وقت قص أجنحة كيوبيد

صورة
  في هذه اللوحة يجسد الرسام بيير مينيار  (1610-1695)  الإله كرونوس إله الزمن  بالميثولوچيا الإغريقية وهو يقص أجنحة "كيوبيد " إله الحب. اللوحة تظهر أسهم و قوس كيوبيد واقعين على الأرض، تماما خلف كرونوس الذي عزم على قص أجنحة اله الحب تدريجيا، ريشة ريشة والدليل ذلك الريش الواقع على الأرض مع نظرات سخط وغضب من اله الحب كيوبيد. إذا ما تعمقنا جيدا في مضمون اللوحة فسنجد أن المغزى من تجسيد هذه اللوحة هو إظهار الحب كالضباب الذي يتلاشى ويتبخر مع الوقت وأن لا حب يستطيع أن يقف عائقا أمام قوة الزمان والوقت. اللوحة تستطيعون إيجادها بعنوان Time clipping Cupid's wings والتي رسمها Pierre Mignard سنة 1694. يعتبر كرونوس حاكم الكون خلال العصر الذهبي (وهي الفترة الأقدم من تاريخ البشر حيث عاشوا بدون جهد أو أحزان). وقد عبده سكان اليونان الذين عاشوا فيها قبل الإغريق، بينما لم يعبده الإغريق على الإطلاق. وقد كانت مهامه مرتبطة بالزراعة، وكان مهرجانه "كورنيا" يقام في أتيكا (الاسم الإغريقي القديم لمكان وجود أثينا حالياً)، احفتالاً بالحصاد تماماً كعيده المسمى ساتورناليا (من ساتورن الاسم الإنكل

لودفيغ فتغنشتاين يعيد إلى اليقين اعتباره الفلسفي

صورة
  لم ينشر الفيلسوف النمساوي الشهير لودفيغ فتغنشتاين (1889 – 1951) في حياته سوى كتاب "رسالة منطقة فلسفية"، بالإضافة إلى مقال "بعض ملاحظات على الصور المنطقية". ويقول في مقدمة هذا الكتاب إنه لن يفهمه "إلا أولئك الذين طرأت لهم الأفكار نفسها الواردة فيه، أو طرأت لهم على الأقل أفكار شبيهة بها، ولذا فهو ليس كتاباً مدرسياً، وإنه يحقق الغاية منه لو أنه أمتع قارئاً واحداً قرأه وفهمه". كان لديه تصور بأن أفكاره قد أسيء فهمها إلى حد كبير. وبعد وفاته توالى صدور كتبه المخطوطة من قبل تلاميذه، وأغلبها لم يترجم إلى العربية حتى الآن. كما أنها قليلة هي الكتب العربية التي تناولت شرح فلسفته، وأقدمها أنجزه عزمي إسلام ضمن سلسلة "نوابغ الفكر الغربي" (دار المعارف) بعنوان "لودفيغ فتغنشتاين"؛ وهو خلاصة أطروحته للدكتوراه التي نوقشت في كلية الآداب بجامعة عين شمس في عام 1966، وأشرف عليها زكي نجيب محمود. وترجم عزمي إسلام لفتغنشتاين كتابي "رسالة منطقية فلسفية"، و"بحوث فلسفية". وهناك أيضاً لجمال حمود كتاب يتناول فلسفة فتغنشتاين في جانبها اللغوي، عنوا

في مهب الريح \ ميخائيل نعيمه

صورة
  أما كفى الإنسان حرباً أنّه في كلّ لحظة من وجوده يناضل ضدّ الجوع والحرّ والقرّ والمرض والجهل والموت ؟ أما كفاه أنّه في جهاد دائم مع نفسه حتى يُفرَض عليه الجهاد ضدّ إنسان مثله منهمك في حربه مع الجوع والحرّ والقرّ والمرض والجهل والموت ، وفي حربه مع نفسه ؟ أليس الأحرى بمحاربَين يقاتلان عدوّاً واحداً في ساحة واحدة أن يوّحدا قواهما في محاربة العدوّ المشترك بدلاً من ن يهدراها هدراً في حربهما الواحد ضد الآخر ، فيسلم العدوّ ويهلكا ؟ ذلك ما يقضي به المنطق السّليم وتفرضه المصلحة الحقّة . إلّا أنّ لكبار العالم منطقاً لا ينطبق على المنطق ، ومصلحة تنافي كلّ مصلحة . ففي منطقهم أنّه إذا التقى جائعان يفتّشان عن رغيف فالمصلحة تقضي على أحدهما أن يفتك بالآخر ليكفل لنفسه الرغيف الذي ما يزال في عالم الغيب بدلاً من أن يتعاون الاثنان في التفتيش حتى إذا ظفرا بالرغيف اقتسماه فكان حياة لكليهما . وإذا ترافق اثنان في طريق وانبرى لهما نمر فمن مصلحة الواحد أن يبطش برفيقه بدلاً من أن يتكاتف وإيّاه على البطش بالنمر . وإذا سار اثنان في ظلمة دامسة فمن الخير لأحدهما أن يفقأ عيني رفيقه لتنكشح الظلمة من حواليه ويبصر طريق

أحدهم طار فوق عش الوقواق

صورة
  ماذا بكم بحق الجحيم! أتقبعون هنا برغبتكم؟! أتتذمرون من الأوضاع وكيف هي متسلطة عليكم، أتحنقون من سيطرتها بأقل التفاهات ومعاونة زبانيتها على قمعكم، ثم تخبروني أنكم هنا بكامل حريتكم! ماذا تفعل هنا يا بيلي؟! من المفترض أن تكون بالخارج تمرح هنا وهناك، تصادق الفتيات وتطارحهن الغرام. أتقبل بمصح عقلي بدلًا من تلك الحياة! ماذا بكم لعنكم الله! أتفضلون الغوص بهذا الجحيم عن مواجهة الحياة بالخارج! أتخشون المواجهة؟! لماذا؟ أتظنون بأنكم مجانين! كلا كلا.. كلا يا سادة، لا فرد من هؤلاء السائرين بالطرقات أقل منكم جنونًا.. بل أنتم أعقل وأكثر إتزانًا، بل جنونكم يا أوغاد في تفضيل هذا المستنقع عن العالم الخارجي الناضح بالحرية والحياة! سحقا لكم على ما تفعلون! هكذا خاطب مكمرفي (جاك نيكولسون) نزيل المصحة العقلية زملاءه من المرضى في خطاب تحفيزي شديد اللهجة عله يفلح في إقناعهم بالتمرد عن واقعهم المزري في مؤسسة صحية لا تقدم سوى القمع و الإستعباد لنزلاءها الذين تشبثوا بقضبانها و إنصاعوا لسجانيهم ذوي البدلات البيضاء، و ظل مستميتا في وجه الممرضة رتشد التي تنطوي شخصيتها القاسية على برود و جمود عاطفي تجاه المرضى و ال

مُجتمع الاِستهلاك \ جَوْن بودريلّارد

صورة
  إنَّ الإغتراب في وَقتُ الفِراغ لأَنأَىٰ مِن أنْ يُسْبَرُ غَوْرُه: إذ هو لا يَنتمي مُباشرَةً إلىٰ مَرؤُوسِيّة وقت العَملِ، بل هو مُرتبطٌ بعدم إمكانيَّة إضَاعَة وقت المرءِ. إنَّ القَيمة الاِستغلاليَّة الحقَّةُ للوقتِ، تلكَ القَيمة الاِستغلاليَّة الَّتي يُحاوِّل وقت الفراغ يائسًا رَدّها ما هي إلَّا قيمةٌ ضائِعة. الإِجازات هي هٰذا السَّعيُ لوقتٍ يُمكنُ للمرءِ أن يِضيِّعَهُ بكلِّ ما تحمل الكلمة مِن معنىٰ ودلالة، دونَ أن يُدغمَ هٰذا الضَّياع في الوقتِ بدورهِ في الحُسبان، دونَ أن يكونَ هٰذا الوقتُ ”في غضون ذٰلك“ بطريقةٍ ما ”مَحْروزًا“. في نظامنا الإِنتاجي والقوَّىٰ الإِنتاجيَّة، لا يُمكِن للمرءِ أن يَكسبَ إلَّا وَقتهُ، فهٰذهِ الجَبرية تُثقِلُ على وقت الفراغ كما يُثقلُ العَملُ بكاهلنا. إذ ليسَ بمقدور المرءِ إلَّا أن يَستغلَّ [مُطالِبًا] وقتهُ، ولو عبرَ اِستَعَانةٍ مفرَّغةٍ مِن أيّ مضمونٍ بشكلٍ تُذهِل. حيثُ يظلُّ وقت الفِراغ في الإِجازات مِلكيَّة خاصَّة تخصُّ صاحِب الإِجازة، مِلكيَّة اِكستبها بِعرق حبينهِ على مَدار العَام؛ إنَّهُ لشيءٌ يَملُكُهُ، ويَمتلكه لأنَّهُ يمتلكَ أغراض أُخرىٰ – وهو لشي

سيوران متحدثاً عن بيكيت

صورة
  لفهم هذا الرجل المتقوقع على نفسه، يجب أن نركز على عبارة (تفكيك الذات)، الشعار الضمني لكل لحظاته، وكل ما يندرج تحتها من عزلة وتحفظ وعناد لهذا الكائن الانطوائي الذي يسعى بلا هوادة في مثابرة لا نهائية. في البوذية، يُقال عن الحذق الذي يسعى إلى التنوير أنه يجب أن يكون عنيداً مثل (فأر ينخر في تابوت)، فكل كاتب حقيقي يبذل جهداً مشابهاً، فهو المدمر الذي يُضيف إلى الوجود، ويُثري بتقويضه. (إن ما نملكه من وقتِِ على الأرض ليس مديداً بما يكفي لاستنزافه على أي شيء سوى ذواتنا)؛ ملاحظة الشاعر هذه تنطبق على من يرفض اللا جوهري والعرضي والآخر، وعليه فأن بيكيت أو فنه الأدبي المتفرد يشدد على أن يكون المرء ذاته. زد على ذلك، ليس هناك أنفة ظاهرية أو سمة أساسية تسم وعي المرء الفريد من نوعه، فلو لم تكن كلمة (الكياسة) قد وُجدت من قبل، لكانت اختُرعت لأجله. بالكاد يمكن اعتباره كائناً معقولاً لكنه مرعبٌ بكل تأكيد، لا يستخف بأحد ولا يدرك الوظيفة الصحية للضغينة وفضائلها المفيدة وميزتها التنفيذية. لم أسمعه يتحدث بسوءِِ ابداً عن أصدقاءِِ أو أعداء، وهو شكل من أشكال السمو الذي أشفق بسببه عليه، والذي عانى منه دون وعي. لو

نصوص من أجل لا شيء \ صمويل بيكيت

صورة
  لا أحد غيري، في هذه الأمسية، هنا، على الأرض، وصوت لا يصدر ضجَّة لأنه يمضي نحو العدم، رأس مشتت، ذراعان ممددتان نحو الأسفل وجثث تقاتل بحيوية، وجسد قد نسيته تقريباً، هذا المساء، أقول هذا المساء، وربما هو الصّباح، وكل هذه الأشياء، أي أشياء؟ تلك التي تدور حولي، لن أنكر وجودها بعد الآن، ذلك لم يعد منطقياً، أن كانت الطبيعة، لربما هي أشجار وطيور، فهما يتلائمان سوية، الماء والهواء كي يمضي كل شيء، أنا لست بحاجة لمعرفة التفاصيل، ربما أنا جالس تحت نخلة، أو هي غرفة، مزودة بالأثاث، كل المتطلبات لجعل الحياة مريحة، مظلمة، لوجود الجدار الذي يقابل النافذة. ما الذي أفعله، أتكلم، أترك أنسجتي تتحدث، لا يمكن أن يكون شخصًا غيري أنا. نوبات من الصمت أيضاً، رؤية الجهد الذي ابذله كي أكون منطقياً. هنالك حياتي، لما لا، هي حياة، أن شئت ذلك، أن توجب عليك ذلك، هذه الأمسية أنا لن أقول لا. ويجب أن يكون هناك واحدة، على ما يبدو، حين يكون هنالك حديث، لا حاجة لوجود قصة، القصة ليست إلزامية، فقط الحياة، تلك هي الغلطة التي ارتكبتها، أحدى الأخطاء، حين رغبت بقصة خاصة بي، في حين أن الحياة وحدها تكفي. أنا احرز تقدم، انه الوقت ا