المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر ٢٦, ٢٠٢٢

رسالةٌ في التحلُّل \ إميل سيوران

صورة
حقائقنا ليست أكثر قيمةً من حقائق أسلافنا. أحللنا المفاهيم محل أساطيرهم ورموزهم فإذا نحن نعتقد أننا «متقدمون». إلّا أنّ تلك الأساطير والرموز لا تعبر إطلاقا عمّا هو أقل من مفاهيمنا. شجرة الحياة، الثعبان، حواء والفردوس، تعني بقدر ما تعني: الحياة، المعرفة، الغواية، اللاوعي. التصورات الملموسة للشر والخير في الميثولوجيا تضاهي من حيث العمق تصورات الشر والخير في الإيطيقا. لا يتغير العلم أبدًا من حيث العمق: وحدهُ الديكور يتغيّر. يتواصل الحب من دون فينوس والحرب من دون مريخ، وإذا كانت الآلهة قد كفّت عن التدخل في الأحداث، فإن الأحداث لم تصبح أكثر وضوحا ولا أقل تحييرا: كل ما حدث أن جهازًا كاملاً من الصّيغ حل محل مضخّة الأساطير القديمة، دون أن يتسبب ذلك في أي تحوير لثوابت الحياة البشرية، التي عجز العلم عن إدراكها بعمق أكثر مما فعلت الروايات الشعريّة. ليس للعُجب الحديث حدّ: نعتقد أننا أكثر تنويرًا وعمقًا من القرون الماضية كافة، ناسين أن تعليم بوذا وضع المخلوقات أمام مسألة العدم، تلك المسألة التي يخيل إلينا أننا اكتشفناها لأننا غيرنا حدودها وأدخلنا عليها شيئا من سعة العلم. لكن هل من مفكر غربي يتحمل ال

مهزلة العقل البشري \ علي الوردي

صورة
  يحكى أن قرويا ساذجا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته فمر بدكان لبيع الحلوى...ذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا! ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لا يرى هذه اللذات المتراكمة حوله. ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى. فازدادت دهشته! إنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب حلوى ولا يأكل منها ! وسبب ذلك أن هذه الحلوى ناذرة في القرية التي جاء منها. ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته. وذلك في عرس ابن الشيخ. ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها. وقد دفعته سذاجته الى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها. ولا فرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا. ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ لا يسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب! وما حدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات. فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس اذا اقترن بها أو قبلها على أقل تقدير. إنه يتوهم ذلك في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ ال