المشاركات

عرض المشاركات من 2022

رسالةٌ في التحلُّل \ إميل سيوران

صورة
حقائقنا ليست أكثر قيمةً من حقائق أسلافنا. أحللنا المفاهيم محل أساطيرهم ورموزهم فإذا نحن نعتقد أننا «متقدمون». إلّا أنّ تلك الأساطير والرموز لا تعبر إطلاقا عمّا هو أقل من مفاهيمنا. شجرة الحياة، الثعبان، حواء والفردوس، تعني بقدر ما تعني: الحياة، المعرفة، الغواية، اللاوعي. التصورات الملموسة للشر والخير في الميثولوجيا تضاهي من حيث العمق تصورات الشر والخير في الإيطيقا. لا يتغير العلم أبدًا من حيث العمق: وحدهُ الديكور يتغيّر. يتواصل الحب من دون فينوس والحرب من دون مريخ، وإذا كانت الآلهة قد كفّت عن التدخل في الأحداث، فإن الأحداث لم تصبح أكثر وضوحا ولا أقل تحييرا: كل ما حدث أن جهازًا كاملاً من الصّيغ حل محل مضخّة الأساطير القديمة، دون أن يتسبب ذلك في أي تحوير لثوابت الحياة البشرية، التي عجز العلم عن إدراكها بعمق أكثر مما فعلت الروايات الشعريّة. ليس للعُجب الحديث حدّ: نعتقد أننا أكثر تنويرًا وعمقًا من القرون الماضية كافة، ناسين أن تعليم بوذا وضع المخلوقات أمام مسألة العدم، تلك المسألة التي يخيل إلينا أننا اكتشفناها لأننا غيرنا حدودها وأدخلنا عليها شيئا من سعة العلم. لكن هل من مفكر غربي يتحمل ال

مهزلة العقل البشري \ علي الوردي

صورة
  يحكى أن قرويا ساذجا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته فمر بدكان لبيع الحلوى...ذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا! ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لا يرى هذه اللذات المتراكمة حوله. ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى. فازدادت دهشته! إنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب حلوى ولا يأكل منها ! وسبب ذلك أن هذه الحلوى ناذرة في القرية التي جاء منها. ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته. وذلك في عرس ابن الشيخ. ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها. وقد دفعته سذاجته الى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها. ولا فرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا. ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ لا يسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب! وما حدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات. فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس اذا اقترن بها أو قبلها على أقل تقدير. إنه يتوهم ذلك في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ ال

شجرة الحياة \ إميل سيوران

صورة
  ليس من صالِح الإنسان أن يتذكَّر في كلِّ لحظةٍ أنّه إنسان. وإذَا كان الانكبابُ على الذات أمرًا سيّئًا فإنّ الانكبابَ على الجنس البشريّ بحماسةِ مهوُوسٍ أمرٌ أسوأ: إنّه يعني أن ننسب إلى متاعب الاستبطان الاعتباطيّة أساسًا موضوعيًّا ومبرّرًا فلسفيًّا. في وسعِ كُلٍّ منّا التعلُّل بالتفكير في أنّه يستسلم لنزوةٍ، مادامَ يجترُّ أناه. لكنْ ما إن تصبح الأنواتُ كافّةً محْوَرَ اجترار لا نهاية له، حتى نقف جميعًا بشكْلٍ غير مُباشرٍ على سلبيّات شرطنا وقد عُمِّمَت، وعلى حادثتنا الخاصّة وقد أُنْزِلَتْ منزلةَ المعيار والحالة العامّة. نبدأ بإدراك الطابع الشاذّ لوجودنا كواقعٍ خام. بعدئذ نشعر بشذوذ وضعنا النوعيّ: إنّ دهشتنا من أن نكون تسبق دهشتنا من أن نكون بشرًا. إلاّ أنّ من المفترض أن تُمثِّلَ غرابةُ وَضْعِنا المُعطَى الأساسيّ لحيراتنا: أن نكون بشرًا أقلُّ طبيعيّةً من أن نكون فحَسْب. نشعرُ بذلك غريزيًّا. من ثمَّ تلك اللذّةُ التي نحسُّ بها كُلَّما أَعْرَضْنَا عن أنفُسِنا لِنَتَماهَى بِنَوْمِ الأشياء الهانئ. لسنا نحنُ حقًّا إلاّ حين نقفُ وجهًا لوجهٍ مع ذواتنا فلا نتطابقُ مع شيء، ولا حتى مع فرادَتِنا. هذه

الوعيُ كمنفى \ إميل سيوران

صورة
   يقول سيوران : " من الأفضل أن أكون حيواناً بدل إنسان ، وحشرةً بدل حيوان ، ونبتةً بدل حشرة ، وهكذا دواليك.. ". إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي يتميَّز بالعقل ، فإن سيوران يمقُت هذه الميزة ، لأن الوعي الذي يفرزه هذا العقل هو سرُّ الشقاء في هذه الحياة. يقول : "الجهل وطن و الوعيُ منفى".   الوعي لعنة مزمِنة ، كارثةٌ مهولة. الوعي هو الذي يجعلنا نُدرِك خُبثَ هذا العالم ، بمجرِّد أن نعي هذا العالم ، فإنه سرعان مايسبب لنا ذلك الوعي شقاءً مزمِناً. وكما يقول "المتنبي" : "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ...وأخو الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ "  من على قمم العقل تبدو لنا الحياة كلها كمرضٍ عضالٍ والعالم كلمجأ مجانين. الوعي شرخٌ وخِلاف مع العالم. إنه ليس مجرّد شوكة ، بل خنجر مغروس في عمق الجسد. ألا يتوق الإنسان إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الوعي ؟ أليس الأطفال أكثر سعادةٍ غالباً من البالغين ؟ لنرفع الكؤوس على نخب الجهل ، لنسكر ، لنفلت من حالة الوعي !. ألا يقول لنا "باسكال" : "إن في قنينة النبيذ من الفلسفة مايفوق كل مافي الكتب" ؟! -

التأملات \ ماركوس أوريليوس

صورة
  ثمة طريقة سوقية ولكنها مُسعفة لك في أن تضع الموت في حجمه الصحيح: وهي أن تستعرض في ذهنك قائمة بأولئك الذين تشبثوا بالحياة لفترة طويلة. ماذا ربحوا من ذلك أكثر مما ربح من مات مبكراً ؟ من المؤكد أنهم يرقدون الآن جميعاً في قبورهم. وأمثالهم من الذين ساروا في جنازات كثيرة ثم جاءت جنازة كل منهم. ما أقصر المسافة بين الميلاد الموت. أنظر أي عناء نحتمله في هذه المسافة، وأي صحبةٍ تكتنفنا فيها ومع أي صنف من الناس، وفي أي جسد واهن نقطعها في جهدٍ جهيد. ليست الحياة إذن بالشيء الثمين. أنظر إلى هول فجوة الماضي من وراءك وإلى اللانهاية الأخرى من أمامك. ما الفرق من هذا المنظور بين رضيع عاش ثلاثة أيام وانسان آخر عاش ثلاثة أجيال؟.

ما وراء الخير والشرّ \ نيتشه

صورة
  هل سيكون هؤلاء الفلاسفة المستقبليون أصدقاء للحقيقة هم أيضاً؟ من المحتمل جدًّا: إذ كُلّ الفلاسفة كانوا محبين لحقائقهم حتَّى الآن. لكن من المؤكَّد أنَّهم لن يكونوا دوغمائيين. سيكون ذلك منافيًا لكبريائهم، ومما لا يناسب ذوقهم أيضًا، إذا ما أُريد لحقيقتهم أن تكون حقيقة للجميع؛ وتلك هي الأمنيّة والفكرة السرِّيّة التي ظلَّت تسكن طموحات الدوغمائيين حتَّى الآن. ”حُكمي هو حكمي الخاصّ؛ ولا يمكن لغيري أن يدّعي بكلّ بساطة حقًّا لهُ في ذٰلك“، قد يقولُ ذٰلكَ فيلسوف مُستقبليّ. علينا أن نتخلَّص من الذوق السمج الَّذي يتمثل في إرادة أن نكون على اِتفاق مع عدد كبير من الناس. ما هو ”خيرٌ“ لن يظلَّ ”خيرًا“ إذا ما جرى على لسان جاري. وكيف يمكن أن يكون هناك ”خيرٌ عُموميٌّ!“.  فالعبارة هٰذه تُناقِضُ ذاتها في ذاتها؛ إذ ما يمكن أن يكون عموميًّا يكون قليل القيمة دومًا. وبالنهاية، ينبغي أن تظلَّ الأمور على ما هي عليه وما كانت عليه دومًا: الأشياء العظيمة للعُظماء، والأعماق للعميقين، والأشياء الليّنة والرَّقيقة للأرواح الرَّقيقة، وعمومًا وباختصار: كل ما هو نادر للنادرين.   

بيدرو بارامو \ خوان رولفو

صورة
  رواية بيدرو بارامو لخوان رولفو  رواية صغيرة الحجم لكنها أثرت كوحش على عشرات الروائيين. قال غابرييل غارسيا ماركيز إنه شعر بالعجز عن العمل كروائي بعد أن كتب أول أربعة كتب له وأن اكتشافه الذي غير حياته لبيدرو بارامو في عام 1961 هو الذي فتح طريقه لتكوين تحفته ‏مائة عام من العزلة. علاوة على ذلك ، ادعى غارسيا ماركيز أنه "يمكنه قراءة الكتاب بأكمله ، للأمام والخلف". اعتبر خورخي لويس بورخيس بيدرو بارامو أحد أعظم النصوص المكتوبة بأي لغة. أثرت هذه الرواية تأثيرًا حاسمًا على مسار رواية أمريكا الجنوبية لا سيما اتجاه الواقعية السحرية الذي عرف ‏"خوان رولفو" بأنه بمثابة الأب الروحي له. قال عنها بورخيس  إن بيدرو بارامو واحدة من أفضل الروايات في الأدب الإسباني، بل الأدب العالمي ككل. اقتباس من الرواية :  _‏ونحن هنا وحيدون تمامًا. نموت من أجل التعرف ولو على قدر ضئيل من الحياة. _‏هذا العالم يضغط على أحدنا من كل الجهات، ويفرغ حفنات من غبارنا هنا وهناك، ويحللنا إلى فتات وكأنه يرش الأرض بدمنا. ما الذي فعلناه؟ - ما أحوال أمك؟ - لقد ماتت. - ومم؟ - ربما حزنًا، كانت تتنهد كثيرًا - كل تنهيدة

الإنسان والتقنيّة \ اِشبنجلر

صورة
    كانَ الإِنسانُ، وما زالَ، سَطحيًّا أَضحَلُ، وجَبانًا لدرجةِ أنَّهُ لَم يَتحمَّل حقيقةَ موتِ كُلِّ شيء حَيّ. إنَّهُ يُلَّحِّفُ هٰذه الحَقيقةَ بِلِحافِ التفاؤل الورديُّ للتَّقدُّم، إنَّهِ يُكوِّمُ عليها زُهورَ الفُنون والعُلومِ والأَدَبِ، لاجِئًا وراءَ مَلجَأ المُثُل العُليا حتَّى لا يُبصِرُ شيئًا. لٰكِن، الفاني هو شكلُ كلُّ ما هو حَقيقي، مِن الولادة والوفاة، مِن النُّجومِ الّتي لا يُحصى مصيرها، وصولًا الىٰ اِلتقاءات سريعة الفناءِ على كوكبنا. إنَّ حياةَ المرءِ -سواءَ أكانَ حيونًا أو نباتًا أو إنسانًا- فانيَّةٌ شأنُها شأنُ الأُمَّمِ والثقافات. إنَّ كُلّ خَليقةٍ محكومٌ عليها مُسبقًا بالفناءِ، كُلُّ فكرةٍ، وكُلُّ اِكتشافٍ، وكُلُّ عَمَلٍ سَيَطواهُ النِّسيانُ.  هُنا، وهُناك، وفي كُلِّ مكانٍ نَحنُ مُدرِكونَ لمسارات التَّاريخ المَنكوبَة الّتي اختفت. أطلال الخلائِق والمكوِّنات ”الَّتي كانت“ للثقافات الفانيّة الّتي تكمنُ في كلّ شيء عنّا. ماذا عن عجرفةِ بروميثيوس؟، ذاكَ الَّذي أدخلَ يدهُ في السّماءِ لغرضِ إخضاع القوى الإِلهيّة للإنسانِ، كانَ يحملُ معهُ سُقوطهُ. ماذا، إذن، من الثَّرثَرَةِ حولَ

الوجودية مذهب إنساني \ جون بول سارتر

صورة
  الإنسان ليس قبل كل شيء، إلا مشروعا يعيش بذاته و لذاته. و هذا المشروع سابق في وجوده لكل ما عداه… فالإنسان هو ما شرع في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. لان المعنى العادي للإرادة هو كل ما كان قرارا واعيا،و هو بذلك لاحق بوجوده لقرار سبقه. فانا أستطيع أن أريد الانتساب لأحد الأحزاب، أو أريد تأليف كتاب أو أريد الزواج، و كل ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أصلي أكثر بساطة و أكثر طبيعية مما نسميه إرادة. فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر فالإنسان إذن مسؤول عما هو كائن. فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، و أن تحمله بالتالي المسؤولية الكاملة لوجوده. و عندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس و كل البشر. إن لكلمة “ذاتية” معنيين  إن أعداءنا يسيئون استعمال هاتين المعنيين عن قصد، إن كلمة “ذاتية” تعني من جهة أولى : انتقاء الفرد بنفسه و من جهة أخرى تعني : استحالة تامة تواجه الإنسان إذا أراد أن يتعدى ذاتيته. و إن المعنى الأخير هو المعنى العميق الذي تعتمده الوجودية… عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه نعني بالت

حمى الاستهلاك \ زيجمونت بومان

صورة
  يقول (زيجموت) متحدثاً عن حمى الاستهلاك في حياة الفرد والاضطراب الذي نعيشه في حياتنا اليومية: كل مرة تعتاد على فعل أمر ما، ستعتاد على فعله مراراً وتكراراً بدون الشعور بأي سعادة لأنك فقدت ذلك الشعور بلذة الشيء لأول مرة. لن تشعر برضى وبإكتفاء أبداً، ما دمت مستمراً على هذا الإدمان. التجارب ستظل جذابة جداً ما دمت لم تجربها. ولكن صعب أن تحقق لك التجارب ما تتوعدك به، والناس عملياً أقصر من أن تشبع رغباتها تلك التجارب. وحتى لو إستطاع أحدهم أن يعمل جاهداً، شعوره بالإشباع لن يطول، خصوصاً وأننا في عالم إستهلاكي لا حد له، وحجم الأهداف المغرية المعروضة للفرد لا تتوقف. الوصفات والأدوات المقدمة لتجعل حياتك أجمل مطبوع عليها “تاريخ انتهاء” وأغلبها سيكون قد تم الاستغاء عنها قبل تاريخها المحدد وذلك لدخول العروض المتطورة والجديدة في المنافسة. في السباق الإستهلاكي يكون خط النهاية عادةً أسرع من المتسابقين أنفسهم الذين أرغموا على الدخول إلى السباق رغم سيقانهم الضعيفة وعضلاتهم المترهلة التي لا تمكنهم من الجري سريعاً. وكما يحدث في ماراثونات لندن، يعجب الناس بالفائزين، ولكن الحقيقة من يستحق الإعجاب أيضًا هم من

تساؤل الفيلسوف والمؤرخ ويل ديورانت عن معنى الحياة

صورة
  تساؤل الفيلسوف والمؤرخ ويل ديورانت عن معنى الحياة؟ أرسل (ويل ديورانت) هذه الرسالة إلى عدد من الأشخاص المؤثرين في المشهد العالمي حينها، مثل (المهاتما غاندي) والروائي الأمريكي (سينكلير لويس) صاحب الرائعتين (بابت) و(الشارع الرئيسي). بالإضافة إلى رئيس جامعة دارتموث (إرنست مارتن هوبكينز)، والناشطة (ماري أيما وولي)، والفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) وغيرهم.      عزيزي،      هلا توقفت عن العمل لبرهة وشاركت معي في لعبة الفلسفة؟ أنا أحاول مواجهة سؤالٍ لطالما كان جلينا، أكثر مما هو على استعداد للإجابة عنه: ما معنى، أو قيمة الحياة البشرية؟ سبق أن تم تناول هذا السؤال من قبل المنظرين خصوصًا من (اخناتون) و(لاوتسي) إلى (برغسون) و(سبيلنغلر). إلا أن النتيجة لطالما شكّلت نوعًا من الانتحار الفكري؛ فالفكر، في جوهر تطوره يبدو وكأنه قد دمّر قيمة الحياة ومعناها. فنموّ المعرفة وانتشارها -الأمر الذي صلّى لأجل حدوثه الكثير من المثاليين والإصلاحيين- أدّى إلى خيبة أمل كادت تحطّم روح عرقنا. لقد قال لنا علماء الفلك إن حياة الإنسان لا تعادل سوى لحظة في حياة نجم، فيما قال لنا الجيولوجيون إن الحضارة ليست سوى فاصل ع

تهمة اليأس \ آرثر شوبنهاور

صورة
  إن كامل الأساس الذي يقوم عليه وجودنا موجودا في الحاضر، ذلك الحاضر الذي ما ينفك يهرب، ولذلك فمن صلب طبيعة وجودنا أنها تأخد شكل الحركة المستمرة، ولا تسمح بأي إمكانية للحصول على الاستراحة التي نسعى دوما من أجلها. نحن مثل رجل يركض نزولا لايستطيع أن يبقى على رجليه إلا إذا تابع الركض وسوف يقع بلا شك إذا توقف، أو أيضا مثل عمود يوازنه المرء على طرف اصبعه، أو مثل كوكب سيصطدم بشمسه في اللحظة التي يتوقف فيها عن متابعة طريقه. إن اللااستقرار صفة الوجود، في عالم كل ما فيه غير مستقر ولاشيئ يمكن أن يبقى بل يدفع نحو الأمام فورا في زوبعة متسارعة من التغيير، حيث الإنسان إذا أراد البقاء واقفا عليه دوما أن يتقدم ويتحرك مثل بهلوان على الحبل، ولا يمكن تصور السعادة في مثل هذا العالم، كيف يمكن لها أن تقطن كما يقول أفلاطون حيث التكون باستمرار وعدم الكون أبدا هو الشكل الوحيد من الوجود. في المقام الأول لا يكون الإنسان سعيدا أبدا بل يقضي حياته كلها يصارع بحثا عن شيء يحسب أنه سيجعله سعيدا ونادرا ما يصل إلى هدفه، وحين يصل، يصل ليصاب بخيبة الأمل وفي أغلب الأحيان تتحطم سفينته في النهاية، ويصل إلى المرفأ بلا سوار أو

موت إيفان إيليتش \ ليو تولستوي

صورة
  في قصة (موت إيفان إيليتش) للأديب الروسي ليو تولستوي، يُحدثنا تولستوي عن إيفان إيليتش القاضي بمبنى محكمة العدل ذو الشخصية القوية والمرموقة في المجتمع، متزوج ولديه أبناء ويعيش حياة تبدو للناظر أنها سعيدة، وعلى الرغم من ذلك لم يسأل إيفان ولو مرة عن معنى حياته إلا عندما أصابه مرض مميت وأصبح على حافة الموت.  وفي مقطع يقول إيفان لنفسه بعد أن أدرك أنه ميت لا محالة : " وكأنني كنت متجهاً نحو الهاوية بينما اعتقدت أنني متجه نحو القمة. هكذا الأمر. فمن وجهة نظر المجتمع كنت متجهاً إلى القمم ولكن في حقيقة الأمر كانت الحياة تفارقني رويداً رويداً وتدفعني باتجاه الهاوية. أما الآن فقد انقضى كل شيء لا شيء باقٍ إلا الموت. إذا ما مغزى الحياة؟ ولماذا ينتهي بنا المطاف إلى الموت المفجع؟ مستحيل. مستحيل أن تكون الحياة بهذه التفاهة والقرف." ليُعيد إيفان حساباته في مفهوم النجاح والمعنى و"لماذا نعيش". نتيجة لإقترابه من الموت واختباره للألم والمرض.  وبهذا يخبرنا تولستوي أن الأزمات الوجودية تجعلنا نعيد كل المفاهيم التي تربينا عليها ونعيد كل حساباتنا مرة أخرى ونختبر الأفكار والمبادئ التي كنا نتكئ

قلق السعي إلى المكانة \ الان دو بوتون

صورة
  لعل أسرع طريقة للتوقف عن ملاحظة شيءٍ ما هي ابتياعه، تماماً مثلما هي اسرع طريقة للتوقف عن تقدير شخصٍ ما هي الزواج به أو بها.  نستسلم لغواية الإعتقاد بأن مُنجزات وممتلكات بعينها سوف تمنحنا رضا مستديماً. إننا نُدعى لتخيّل أنفسنا نتسلق الجُرف شديد الانحدار فوق وجه السعادة من أجل أن نبلغ قمته العالية العريضة، حيث يتسنّى لنا عيش حياة رضية هنية بقية عمرنا، من دون أن يُذكّرنا أحد أننا حالما نبلغ القمة سوف نُستدعى مرة أخرى إلى منخفضاتٍ وقيعان جديدة من القلق والرغبة.

رجفة قلب \ مورلي كالاهان

صورة
  سألت "روبرتا" ذات يوم قلت لها: ما الذى يبقيكِ فى خدمة رجل ثمل طوال الليل ألا تخشين عبثى عندما تأخذ الخمر بعقلى؟ ضحكت ثم قالت: يا سيدى كل الذين حاولوا انتهاك جسدى لم يكن يشربون الخمر. لم أر واحداً منهم ثملاً. كانوا يقرؤون ويكتبون ويسْدون النصيحة ويقْطرون بالحكمة ويرسمون الصليب طوال الوقت. وحدكَ أنتَ لم تحاول. قلت: كيف؟! هل تصفين لى كيف أكون فى ثمالتى وكيف تطمئنين إليَّ؟ قالت روبرتا: عندما تأخذك الثمالة تبكى وتردد أشياءً أكاد أن أدونها من فرط إحساسها. قلت: هل تذكرين منها شيئاً؟ قالت: نعم. تُقسم لإمراة أنكَ لا تزال تحبها ولن تحب سواها. ( بالطبع كان يردد اسم زوجته الشابة التى توفيت من الأنفلونزا الأسبانية) قلت: وما الذى يطمئنكِ فى هذا. قالت: اللاشعور يا سيدى ... ! فقلت مندهشاً: ماذا تقصدين باللاشعور؟ قالت: لقد قرأت أننا عندما نغيب عن الوعى تتحكم فينا قوى أعظم وأصدق لا تكذب أبداً ، لأننا ببساطة نكون فاقدين السيطرة عليها. كل شئ فقد الإنسان السيطرة عليه لا يكذب. كل حماقات العالم جاءت من الكذب باسم الوعى يا سيدى. أنتَ فى ثمالتك أصدق من كل الأكاذيب التى رأيتها من أناس يكذبون باسم ال

تحول الحلم لكابوس في مسرحية الدرس ليونيسكو \ د علي خليفة

صورة
  في رأيي أن مسرحية الدرس ليوجين يونسكو تتشابه في بنائها مع الحلم الذي يتجاوز الحقائق ويصنع عالما خاصا به ولكن هذا الحلم ما يلبث أن يتحول لكابوس فإذا بالعالم الهادئ الذي أوجده يصيبه مس الكابوس فنرى بعض أشخاصه وقد تحولوا لسفاحين بعد أن كنا نراهم في صورة حالمة  ففي هذه المسرحية تفتح الستار عن خادمة في منزل مدرس تستقبل تلميذة في الثامنة عشرة من عمرها بترحيب ثم يرحب بها المدرس ويسألها أسئلة سهلة بل ساذجة وتجيب عنها كسؤاله لها عن عاصمة فرنسا وسؤاله لها عن حاصل جمع واحد وواحد وما شابه ذلك من أسئلة لا تتناسب إلا مع التلاميذ الصغار لا طالبة في الثامنة عشرة من عمرها ويثني عليها المدرس ويعرف منها رغبتها في الحصول على دكتوراة شاملة في العلوم والآداب معا وبالطبع هذا عبث ولكنه مقبول في منطق الحلم  ومع تتابع أحداث المسرحية نرى المدرس يقدم معارف مغلوطة للتلميذة عن أشياء كثيرة لا سيما في اللغات التي لا يرى فوارق بينها ولعل المؤلف يعني بهذا أنها تتشابه في كونها فقدت القدرة على إيجاد التواصل بين الناس ومع تتابع أحداث المسرحية تتحول عبارات الثناء من المدرس نحو التلميذة - أو الطالبة بمعنى أصح - لصيحات غضب

دافع الموت الفرويدي \ سلافوي جيجك

صورة
  "إذا كنت تريد أن تتحمل الحياة ، فاستعد للموت".    سيغموند فرويد  إن دافع الموت الفرويدي لا علاقة له أبدًا بالرغبة في إبادة الذات ، والعودة إلى الغياب غير العضوي لكل توترات الحياة ؛  بالأحرى ، إنه عكس الموت تمامًا - انه اسم للحياة الأبدية لـعبارة "الموتى الأحياء" نفسها ، من أجل المصير الرهيب للوقوع في فخ التكرار اللانهائي للتجول في الشعور بالذنب والألم.  إن التناقض في " دافع الموت '' لدى فرويد ، هو أن فرويد يستخدمه للإشارة إلى نقيضه تمامًا ، أي الطريقة التي يظهر بها الخلود في التحليل النفسي ، كفائض خارق للحياة ، دافع "اللا موت'' يتجاوز الدورة (البيولوجية) من  الحياة والموت المستمران في الظهور والموت.  إن الدرس الحقيقي للتحليل النفسي هو أن الحياة البشرية ليست مجرد " حياة عادلة '': فالبشر ليسوا على قيد الحياة ببساطة ، إنهم مهووسون برغبة غريبة في الاستمتاع بالحياة بشكل مفرط ، وهم مرتبطون بشغف بالإفراط الذي يبرز ويعطل الحياة الطبيعية.  و مجرى الأمور.

الإخوة كارامازوف \ دوستويفسكي

صورة
   تحليل نفسي مرعب من دوستويفسكي:  لا تكذب على نفسك، إنّ من يكذب على نفسه، ويرضى بأن تنطلي عليه أكاذيبه يصبح عاجزا عن رؤية الحقيقة. فلا يعود يراها لا في نفسه ولا فيما حوله، وينتهي أخيرا إلى فقد إحترامه لنفسه ولغيره. وإذا أصبح لا يحترم أحدا أصبح لا يحب أحدا، فإذا هو من أجل أن يتسلّى، لأنّه أصبح بغير حب، يستسلم للأهواء ويندفع وراء الملذّات الخسيسة، ويصل إلى درجة الحيوانية، وما هذا كله إلا لأنه يكذب بغير انقطاع، يكذب على غيره وعلى نفسه.

الأنا آخر \ ليديا راميريز

صورة
  الأنا آخر I is an other * مقال لليديا راميريز نشرت في The Lacanian Review 10 كم هو عدد الآخرين الذين يشكلون أناي، وأقول أناي معتبرة ياء المتكلم مجرد استتباع لغوي لكلمة "أنا"، على اعتبار أن ما يمكن أن نعتبره مركزاً لجاذبيتنا، هو بكل تأكيد، خارج مجال سيطرتنا، وينتمي لآخر غير معروف؟ أشار جاك لاكان إلى ذلك في سيمناره الثاني قائلا:" الشعراء، كما نعلم جميعاً، لا يعرفون ما يقولون، لكنهم مع ذلك، يتمكنون من قول الأشياء قبل أي شخص آخر". آخذا كمثال عبارة أرثر ريمباود "الانا آخر". أعاد زمن الجائحة الذي نعيش به، إحياء تلك الفكرة التي قدمها لاكان، وهي أن البارانويا أساسية في تكوين الذات. " أكثر ما تم إساءة فهمه من قبل الإيغو هو بالضبط ما يشار إليه، أثناء التحليل، عند التكلم بالضمير "أنا" " (جاك لاكان السيمنار 2).    هذا الآخر المجهول هو اليوم موضع شك واتهام كونه يأوي فيروساً مميتاً. أن تولد في اللغة، وأن تدخل فيها من خلال تسجيل دخول يقدمه الآخر (الاخر كاسم المستخدم)، أن يتم التحدث بك من قبل الآخر قبل أن تبدأ بالنطق بكلماتك الخاصة، أن يتم تعريفك بكو

العصر الحديث \ جوزيه ساراماغو

صورة
  نشر جوزيه ساراماغو في كتابه (المفكرة) مقالة قصيرة، يصف فيها العصر الحديث الذي نعيشه، فيقول: في كل يوم تختفي أنواع من النباتات والحيوانات، مع اختفاء لغات ومهن. الأغنياء يزدادون غنى والفقراء دومًا يزدادون فقرًا. في كل يوم على حدة ثمة أقلية تعرف أكثر، وأخرى تعرف أقل. الجهل يتسع بطريقة مخيفة حقًا. في هذه الأيام نمر بأزمة حادة في توزيع الثروة. فاستغلال الفلزات وصل إلى نسب شيطانية، الشركات المتعددة الجنسية تسيطر على العالم. لا أعرف إذا ما كانت الظلال أم الخيالات تحجب الواقع عنا. ربما يمكننا مناقشة الموضوع إلى ما لا نهاية. ما هو واضح حتى الآن هو أننا فقدنا مقدرتنا النقدية على تحليل ما يحدث في العالم. إذ نبدو محبوسين بداخل كهف أفلاطون. لقد تخلينا عن مسؤوليتنا عن التفكير والفعل. فقد حولنا أنفسنا إلى كائنات خاملة غير قادرة على الإحساس بالغضب، وعلى رفض الانصياع، والقدرة على الاحتجاج التي كانت سمات قوية لماضينا الحديث – إننا نصل إلى نهاية حضارة ولا أرحب بنفيرها الأخير. إن مجمع التسوق (المول) هو رمز عصرنا. لكن لا يزال ثمة عالم مصغر ويختفي بسرعة، عالم الصناعات الصغيرة والحِرف. ففي حين أنه من الواض

الرغبة هي جوهر الإنسان \ سبينوزا

صورة
  الرغبة في فعل أي شيء ترتبط بالنتيجة التي سوف يحدثها للمرء، والنتيجة النهائية التي يريدها أي فرد من أي فعل هي الشعور باللذة والمتعة والمعنى، إن اعتبرنا أن المتعة الذهنية متعة فعلا وليست مجرد وهم. يمكن التأكيد على هذا الاستقراء من خلال عدة نماذج: -  العمل مثلا ليس غاية في ذاته، فالغاية منه كسب المال، والمال ليس غاية في ذاته، الغاية منه شراء الخدمات، والخدمات ليست لها غاية في ذاتها، فسبب وجودها راحة الإنسان ومتعته، والسؤال عن الغاية من متعة  الإنسان لا معنى له، لأن الغاية التي تتجاوز الإنسان لن يدركها إدراكا حقيقيا، وقد لا تعنيه فعلا، وربما تعني الآلهة أو أي كينونات أخرى إن وجدت.  - العلاقة بين الجنسين مثلا ليست غاية في ذاتها، فالهدف هو الجنس والاهتمام المتبادل والشعور بأن المرء مرغوب (ولو أنه دافع غير منطقي) ، أي تحقيق دوافع فيسيولوجية ونفسية.  يبقى إذا أن المتع الحسية والمعنوية والنفسية هي جوهر الفعل البشري، وما يؤرق أو يجعل تجربة  الإنسان في العيش مختلة بدرجة أو بأخرى هو إما:  - عجزه عن عيش ما يعتبره متعة وفق تكوين مزاجه، وهو ما يمكن تسميته الموانع الموضوعية لتحقيق الرغبة، مثل القانو

قطيع الماشية \ فريدريك نيتشه

صورة
    ‏تأمل في قطيع الماشية الذي يرعى أمامك: إنه لا يميز بين الأمس و اليوم، إنه يتقافز، و يأكل، ويسترخي و يجتر ما يأكله، ثم يتقافز مرة أخرى، وهكذا من الصباح حتى الليل ومن نهار إلى نهار، مقيداً باللحظة وسرورها أو استيائها، وبالتالي لا هو بكئيب، و لا يشعر بالملل. هذا مشهد صعب على الإنسان رؤيته، فعلى الرغم من أنه يحسب أنه أفضل من الحيوانات لأنه إنسان، فإنه لا يسعه إلا أن يحسدها على سعادتها ، فما تملكه، حياة لا تشعر بالملل أو الألم، و هذا هو ما يريده بالضبط، ومع ذلك لا يستطيع الحصول عليه لأنه يرفض أن يكون كحيوان.‏ قد يسأل إنسان حيواناً: "لماذا لا تتحدث معي عن سعادتك، بل تقف و تحدق إلى وجهي فقط؟". سيود الحيوان أن يجيب قائلاً: " هذا لأنني دائماً ما أنسى على الفور ما أردت أن أقوله"، لكنه نسي حينها هذه الإجابة أيضاً، وظل صامتاً: تاركاً الإنسان لدهشته.

ليس في وسعنا عمل شيء \ اميل سيوران

صورة
ليس في وسعنا عمل شيء. هكذا ظلت تلك العجوز التسعينية تردّ على كل كلامي ، على كل ما صرخت به في أذنيها حول الحاضر، حول المستقبل، حول سير الأشياء.. تركتُها ساخطاً عليها، و ما أن صرت في الخارج حتى انقلبت مشاعري رأسا على عقب ، العجوز على حق. كيف لم أُدرك فوراً أن مقولتها الرتيبة تلك تتضمن حقيقة، قد تكون أهم الحقائق على الإطلاق، بما إن كل ما يحدث يُنادي بها و كل ما فينا يرفضها.

12 Angry Men

صورة
  الخوف من المجتمع وعدم قُدرتك على قول رأيك صراحة في أي شيء ما هرباً من رؤية ردة فعل الآخرين المُخالفة لك حتى وإن كنت على صواب تجعل شخصيتك تضمحل وتضعف شيئاً فشيئاً مع الزمن حتى تختفي. أن تقف في وجه الجميع وتُعبر عن رأيك دائماً مهما كانت ردة فعل الآخرين تحتاج إلى قوة وجسارة وتحمل أقوالهم وردة فعلهم على ما قلت. المسير مع التيار سهل جداً وأغلب البشر يُفضلون أتباعه لسهولته ويتنازلون مع الزمن عن حقهم الشرعي في الإدلاء بأصواتهم. هذا العجوز يعلم تماماً هذا الشعور حيث عاش كل حياته كنكرة ولم يأخذ أحدهم يوماً برأيه أو نصيحته حتى نسي نفسه التي رآها في المُحلف رقم 8. دائماً قل رأيك ولا تخشى السُخرية لأنها يوماً ما ستتحول إلى مديح.

الفن \ كلايف بل

صورة
  إيه اللي بيخلينا نسمي لوحة لفان جوخ بـ "فن" وما يخليناش نقول على ترابيزة السفرة "فن"؟ دا سؤال بيطرحه كلايف بل في كتابه العظيم "الفن"، في محاولة ناجحة لتأسيس نظريته الفلسفية حول الجمال الفني. بيعتقد كلايف بل إن سبب أساسي هو المتلقي. متلقي الفن بيقدر يعرف إن لوحة فان جوخ فن، عناصرها وألوانها وأفكارها فن، في حين إن ترابيزة السفرة مش فن، أو حرفة يدوية تقليدية يمكن تعلمها طبقًا لقواعد معروفة ومقاسات محددة، ومن هنا كان في فرق أصلا ما بين "الرسم" و"الفن"، بمعنى إن مش كل رسم ممكن يطلق عليه فن، مش كل رسام فنان. كلايف بل بيوصل لمعضلة: هل كل متلقي هو متلقي جيد للفن؟ هل المسألة فقط في إيد المتلقي لوحده؟ هنا بيوصل كلايف لما سماه "التربية الجمالية". يقدر شخص عادي يحكم على أي عمل فني إنه فن، بس عشان يوصل لدا الفطرة لوحدها مش كفاية، محتاج يتربى تربية جمالية عشان يميز الفن والجمال اللي في العمل الفني. لكن من ناحية تانية، تم الاتفاق ضمنيًا وبالبديهة إن العمل الفني له شروط، اللي هي المعايير الفنية، اللي مش شرط يكون حد واحد حطه لكنه "الحس

البارانويا \ جاك لاكان

صورة
  "بشكل أدق، يمكن لنا أن نعرف البارانويا، كتحديد للجويسانس في ذاك المكان بالذات من الآخر الأكبر" يعيش البارانوئي في بحثه الدؤوب عن التفاصيل والمعاني الخفية في كل صغيرة وكبيرة، سواء في توهم المطاردة والملاحقة أو في نظريات المؤامرة، لذة بشكل مواز لمعاناته وألمه. فأن يشعر البارانوئي نفسه ملاحقا دوما، يعني أيضا أنه لا يغيب عن تفكير الآخر، فكأنه في ذهن الآخر (الأكبر) طوال الوقت، هناك دوما من يفكر فيه ويضع الخطط للايقاع به. تبدو تلك اللذة (الجويسانس) غير محدودة، قادمة من منبع المعنى الذي لا ينضب (الآخر الأكبر). لذلك لا يريد البارانوئي في الحقيقة أي علاج، فرغم كل معاناته إلا أنه يرى نفسه على علاقة خاصة مميزة مع الآخر الأكبر. وكأنه يدرك تماما مكان لذته تلك عند ذاك الآخر، وكأنه قادر على العودة لهذا المكان كلما يريد !!.

الحياة أقصر من أن نضيعها في العلاقات الاجتماعية \ أحمد خالد توفيق

صورة
  عامة أحاول ألا أصادق أحدًا على الإطلاق لأن الحياة أقصر من أن نضيعها في العلاقات الاجتماعية· اليوم يزورك إبراهيم الششماوي وزوجته وأطفاله الخمسة، ويقضي الأمسية كلها يحكي لك عن أمجاده ورئيسه الأحمق في العمل الذي لا يفهم أي شيء، بينما تنشغل زوجته في صفع هذا الولد القليل الأدب وضرب هذا و ركل ذاك، وينشغل الأطفال في تحطيم كل شيء تحبه أو تعتز به في البيت، وزوجتك تبتسم مؤكدة أن··· كراش ش ش! هذا صوت شاشة التلفزيون التي قذفها أحدهم بمطفأة السجائر· زوجتك تؤكد أنه لا مشكلة وأننا كنا نتمنى من زمن أن يتحطم هذا التلفزيون· وفي النهاية يرحلون كالمغول تاركين خرابًا وأرضًا محروقة، وعليك أن ترد الزيارة·· ونتيجة رد الزيارة أن يردوا الزيارة! لا·· لا يوجد شيء يستحق هذا كله· 

Amadeus (1984)

صورة
  في رواية "إبنة القس" لجورج اورويل فقدت دوروثي إيمانها بدون مقدمات، لكنها في نفس الوقت لم تفقد حاجتها الروحية للإيمان، نقطة تحول كانت و لا تزال تزداد جدلية كلما تمعن المرء في أمرها، و رغم عديد التبريرات إلا أن التفسير الأكثر منطقية كان جملة تحمل بداخلها سخرية كبيرة و كانت علي لسانها تمر ( ربما فقدت الإيمان مثل طفل توقف عن الإيمان بوجود الجن)، ربما يكون ذلك الجواب كافي حتي مرحلة ما و مُرضي كذلك لكن عندما تُثار القضية مرة أخري سيبحث العقل عن جواب يُرضى ربما يجده او لا لكن الحقيقة أنه لن يتخطاه بتلك السهولة، و لن تكون السهولة متمثلة في الشق الثاني من المعضلة و هي الحاجة الروحية الملحة للإيمان حيث و أن كل إنسان يبحث عن الإيمان بفكرة أو غيرها، و فكرة أن تحيا بلا إيمان تبدو مرعبة و مفزعة و في أغلب الأحيان لا يتقبلها عقل حتي لو حاول بتجاوزها أو نكرانها، حتى عندما حاول ساليري أرغمته مداركه علي الإيمان بشئ ما، و بغض النظر عن سبب فقده لإيمانه لا يمكن تجاهل حقيقة بحثه الذي لم يستمر كثيراً فأمسي يؤمن بجلاده، بمجده و حب الموسيقي له  و خشوعها، فوجدها حقيقة ساطعة سولت له أفكاره إعتناقها عن

الحمّامة \ باتريك زوسكيند

صورة
    في رواية باتريك زوسكيند  (الحمّامة) جسّد فيها مفارقة وجودية مخيفة: حين تخوض هذا الوجود بجُبن وخوف وهروب مُستمرّ، فإنّ أعتَى أزماتك الوجودية، ستنفجّر عند أتفه الأسباب!  سَعيَك الدائم والحثيث للسيطرة على حياتك وإحكام قبضتك عليها وكأنّك إله، يجعلك وجعلها حصينة ومنيعة ضد التقلّبات والمشكلات، يجعل ردّة فعلك عُصابية وهستيرية تّجاه أبسط اختراق أو انتهاك في حياتك. جوناثان كان قد أسّس عالَمه الجديد في باريس، بعد سلسلة من الخيبات الحياتية التي لَم يُحاول أساسًا أن يجد إجابة عنها، فرحيل والدته ووالده وأخته، كلّ مآسيه السابقة، قرّر أن يتقفّز عنها وأن يهرب منها وأن يؤسّس حياة بعيدًا عن كلّ هذه المآسي التي لَم يَعي أو يُناقش بنضج شعوره حيالها. لكنّ جوناثان نفسه يتأزّم وجوديًا في غرفته في باريس، هذا العالَم الآمن ومُحكَم الإغلاق الذي أسّسه لنفسه، كلّ هذا ينهار حين يرى حمامة تحدّق به عبر النافذة، فيشعر كما لو أنّه مُخترَق مرّة أخرى ومُهدّد، وأنّه عادَ ليفقد السيطرة على حياته. هذا المخلوق المُسالِم، كان سببًا لتفجير المتراكم المَكبوت، وإرباك الذات المُهتزّة، والكشف عن تشظّي الداخل. حمامة زوسكيند، ه

الجندي الأبتر \ غابرييل غارسيا ماركيز

صورة
  اتصل جندي أرجنتيني بوالدته من مقر كتيبته وكان عائداً للتو من جزر فوكلاند بعد انتهاء الحرب ، وطلب منها أن تسمح له بأن يحضر معه إلى المنزل أحد رفاقه الذي تعرض لبتر بعض أعضائه نظراً لأن عائلته تسكن في مكان بعيد وهو بنفس عمره 19 عام إلا أنه قد خسر إحدى ساقيه وأحد ذراعيه وفقد بصره أيضاً وعلى الرغم من سعادة الأم بعد عودة ابنها حياً من الحرب إلا أنها أجابته بفزع قائلة بأنها لن تتحمل رؤية ذلك الشاب ورفضت أن تستقبله في بيتها ، صمت ابنها ثم قطع الإتصال واطلق رصاصة على نفسه ، فقد كان هو ذلك الجندي الأبتر لكنه لم يرد أن تتحمل والدته عذاباته طيلة حياتها مجاملة له.

الفوز بالسعادة \ برتراند راسل

صورة
  إن مجرد غياب الجهد من حياة الإنسان يزيل مكوناً رئيسياً من مكونات السعادة منها. فالإنسان الذي يمتلك بسهولة الأشياء التي يشعر ناحيتها برغبة متوسطة يستنتج أن الحصول على الرغبات لا يحقق السعادة. فإذا كان من ذوي الميول الفلسفية فإنه يستنتج أن الحياة الإنسانية هي بالضرورة بائسة، حيث أن الإنسان الذي يحصل على كل ما يحتاجه لا يزال غير سعيد، وينسي أن افتقاد الإنسان لبعض الأشياء التي يحتاجها يُعد جزءًا لا غنى عنه من السعادة.

الناس ليسوا مخلوقات مهذبة \ سيجموند فرويد

صورة
  الواقع أن الناس ليسوا مجرد مخلوقات مهذبة ودودة تتمنى الحب ولا تملك إلا الدفاع عن نفسها لو هوجمت ، لكن قدراً كبيراً من الرغبة في الإعتداء يشكل جزءاً من طبيعتهم الغريزية . والنتيجة أن الناس لا تنظر إلى الجار على أنه إنسان يمكن أن يبذل لهم العون لو احتاجوه ، أو أنه يستحق أن يكون موضع حبهم ، لكنهم يجدون فيه ما يغريهم أن يصبوا عليه شحنة العدوان التي يمتلأون بها ، وأن يستغلوا طاقته على العمل استغلالاً مجانياً ، وأن يستخدموه لإشباع الجنس عندهم من غير رضاه ، وأن يستولوا على ممتلكاته ، وأن يذلوه ويؤلموه ويعذبوه ويفتكوا به .  وما أصدق المثل القائل أن الإنسان ذئب بشرى. من كتاب الحرب والحب والحضارة والموت

الارواح المتمردة \ جبران خليل جبران

صورة
  في كتاب الارواح المتمردة يوضح لنا جبران خليل جبران كيف تسعى النفس البشرية للسيطرة على من هي دونها  " يقول لك الوالد "أنت عاق إذا كنت لا تفعل مثلي”، ويقول لك الكاهن "أنت كافر إذا كنت لا تصلي صلاتي”، وتقول لك المحكمة "أنت مجرم إذا كنت لا تتبع شرائعي” . فتجيبهم: ولماذا؟ فيقولون: لأن جميع الناس يفعلون ذلك، فتصرخ متوجعاً: ولكن جميع الناس تعساء .. وأنا أريد أن أكون سعيداً .. فيقولون لك: كن مثل جميع الناس، لأنك لست أفضل منهم، وهكذا يظل البشر على قيد الحياة وأشباح أجدادهم حية في أجسادهم " .

النظارة الوردية \ جاك لاكان

صورة
  كمن يلبس نظارات وردية، تحمينا الأخيولة من رؤية الثغرات في الواقع، وبشكل أخص الثغرات التي يعاني منها المعنى الذي ندركه لحياتنا. من أكبر تحديات الذات هو دمج المدركات الجديدة في بيئة النفس "المستقرة" إلى حد ما. عملية الدمج تلك، ليست بالأمر السهل، خصوصاً إن تحدثنا عن أحداث صعبة معقدة لا يمكن ادماجها في صورة الذات عن العالم، وهنا يحدث ما يمكن تسميته بأزمة معنى. الأخيولة، النظارة الوردية، تهيئ لنا الأرضية لإهمال الفروقات، وملء الفجوات التي في الواقع لا يمكن ملؤها، ليتثنى لنا الحفاظ قدر الامكان على وحدة الأنا وانسجامها مع الذات.  تنشأ الأخيولة الأصلية، حين يبدأ الطفل باستكشاف رغباته، فدون أخيولة، لا يمكن ترجمة الرغبة على أرض الواقع أصلا. الرغبة التي يحركها النقص، تجد السيناريو المعبر عنها في الأخيولة، ولولا ذلك السيناريو (أو مجموعة السيناريوهات المقبولة في الاخيولة)، لما استطعنا صياغة الرغبة أصلا وبالتالي السعي للوصول إلى موضوع الرغبة. الأخيولة ليست تحقيق أو اشباع للرغبة، بل الطريقة التي يتم فيها تحقيق الرغبة أو اشباعها، مع المحافظة على حدود الأخيولة اللاواعية.

لاقيمة ولا مكان للعقلانية في مجتمعات القطعان \ شوبنهاور

صورة
   لاقيمة ولا مكان للعقلانية في مجتمعات القطعان  يضرب لنا الفيلسوف الملهم "شوبنهاور" المثال التالي : " الانسان السليم العقل والذي يوضع بين المجانين والمرضى عقليا مثل ذلك الذي يمتلك ساعة تمنح الوقت بدقة، ويذهب إلى مدينة فيها كل الساعات غير معدلة على الوقت المناسب. فإذا هو الوحيد الذي يعرف الوقت الصحيح، غير أن هذا لن يوفر له أي عون. ففي المدينة الجميع ضبطوا ساعاتهم على الوقت الخاطئ بما في ذلك الذين يعلمون أن ساعته هي الاكثر دقة في تحديد الوقت".

السقوط في الزمن \ إميل سيوران

صورة
  إننا نكره أيّاً كان أن يتعلق بنا أو يعوّل علينا أو ينتظر أي شيء منّا. التنازل الوحيد الذي نظل قادرين على القيام به تجاه الآخرين هو أن نخيّب ظنهم.  إنهم لن يستطيعوا أن يفهموا على كل حال رغبتنا في التخلص من إجهاد الأنا، وفي التوقف على عتبة الوعي دون الدخول أبداً، وفي الاختباء في أعماق الصمت الاوّليّ، في الغبطة المغمغمة، في الذهول الناعم حيث ترقد الخليقة قبل فرقعة الكلمة. 

فينومينولوجيا \ موريس ميرلوبونتي

صورة
  فينومينولوجيا موريس ميرلوبونتي      مقدمة: ان موريس ميرلوبونتي (1908-1961) هو أهم ممثلي الفينومينولوجيا في فرنسا، إذ تكمن أهميته في القراءة الجديدة التي قدمها للفينومينولوجيا، فعلى الرغم من تأثره الواضح بكل من هوسرل و هيدغر إلا أنه لم يكن يفكر مثلهما و إنما فكر معهما، حيث وجد أن هناك طرحين مختلفين للفينومينولوجيا أحدهما يجعل منها بحثا في المعرفة و هو الذي يمثله هوسرل و ثانيهما يجعل منها مبحثا في الوجود و هو الذي يمثله هيدغر.. إن ميرلوبونتي لا يتنكر لأنواع الفينومينولوجيا السابقة و إنما تبين له أن الفينومينولوجيا ليست صياغة جاهزة بل هي إمكانية مفتوحة، و هو التصور الذي كان مبررا لقيام ما أسميناه ب"الفينومينولوجيا الجديدة". وسنحاول في هذه الدراسة أن نتحدث عن الفينومينولوجيا عند ميرلونتي من خلال الإجابة عن السؤال التالي:ما هو مفهوم الفينومينولوجيا لدى ميرلوبونتي؟ ١ - مفهوم الفينومينولوجيا عند ميرلوبونتي     لقد سعت فينومينولوجيا ميرلوبونتي أولا إلى إيجاد حل لمسألة الوعي؛ لأن فلسفات الوعي خصوصا لدى ديكارت و هوسرل، ترى أن الوعي يحمل موضوعات هي نتاج له، ففي الوعي لا يوجد إلا ما تس