المشاركات

عرض المشاركات من يونيو ١, ٢٠٢٣

رواية حالة الدكتور حسن \ إحسان عبدالقدوس

صورة
  - نعم .. منذ مدة طويلة تنتابه حالات مرضية عجيبة .. إنـه فجأة يفقـد القـدرة على الكلام .. ويبدو كأنـه أصيب بالشلل .. لسانه يثقل إلى حد لا يستطيع تحريكه، وتنتاب يده اليمنى رعشـة .. وتستمر هذه الحالة يومين أو ثلاثة .. ثم تنتهي .. تنتهي فجأة أيضا .. ومنذ عامين ونحن نطوف على الأطباء، في مصر والخارج.. وأكدوا كلهـم أن ليس بـه شيء عضوي يمكن أن يؤدى إلى هذه الحالة .. كل التحاليل وصور الأشعة أثبتت سلامـة قلبـه، وسلامة جسده. وأجمع ثلاثة من الأطباء على أن هـذه الحالة قد تكون نتيجة أزمة نفسية. وسكتت وهي تتنهد، وعلى وجهها مسحة من الأسى وقلت وأنا أحاول أن أخفف عنها: – هذا محتمل .. إن الأزمات النفسية تشتد أحيانا إلى حد أن تؤثر في بعض مراكز المخ ، فتصاب بعض أعضاء الجسد بالشلل المؤقت. قالت: - أعرف ذلك .. ولكن المشكلة هي أن زوجي يرفض أن يذهب إلى طبيب نفساني. -هذه مشكلة كثير من المثقفين .. إنهم قد يؤمنون بعلم النفس، ويقتنعـون بـه .. ولكنهم لا يـؤمـنـون بـالأطباء النفسانيين ولا يقتنعون بهم. قالت كأنها تلومني: -لمـاذا ؟ قلت: - إنه نـوع من الغـرور الثقافي .. والواقـع أن الانسان لا يذهب إلى الطبيب ليشخص له

جزء من لقاء صحفي مع جوزيه ساراماغو

صورة
  كنت أقول بأن التاريخ البشري يظهر معقدًا جدًا، لكنه في الحقيقة بسيط جدًا. نحن نعلم بأنا نعيش عالم عنيف. العنف أساس لاستمرار الحياة، يجب أن نقتل الحيوانات أو يقتلها أحد لأجلنا حتى نتغذى. نقطف الفواكه، ونقطف الورود لتزيين بيوتنا. هذه كلها تصرفات عنيفة ضد المخلوقات الأخرى. والحيوانات أيضًا تتصرف بذات الطريقة؛ فالعنكبوت يأكل الذباب، والذباب بدوره يأكل ما يأكله الذباب عادة. ومع ذلك، هناك فارق كبير؛ فالحيوانات ليست قاسية، عندما يلف العنكبوت ذبابةً بشبكته، فهو ببساطة يضع غذاءه للغد في الثلاجة. القسوة صنيعة الإنسان. الحيوانات لا تعذب بعضها البعض، لكننا نحن نفعل. نحن المخلوقات القاسية الوحيدة في هذا العالم. هذه الملاحظات تقودني للتساؤل التالي، والذي أعتقد بأنه منطقي جدًا: إذا كنا نحن المخلوقات القاسية هنا، كيف نقول بأننا مخلوقات منطقية؟ لأننا نتكلم؟ لأننا نفكر؟ لقدرتنا على الابتكار؟ حتى مع كل هذه القدرات فإننا لا نتوقف عن كل أفعالنا السلبية والعنيفة التي نتشاركها. هذه هي المشكلة الأخلاقية التي علينا أن نتحدث عنها، ولهذا أجد اهتمامي بالأدب يقل يومًا بيوم. أحيانًا أفكر في نفسي، أتمنى ألا يكون بم

اختفاء الذات عن نفسها \ دافيد لوبروتون

صورة
  الأنوريكسيا (مرض الامتناع عن الأكل) تربية ومران على الوجود، وحياة زاهدة تمارس في كل لحظة وحين، إنها مقاومة بلا هوادة ضد الذات وضد الآخرين حتى تتسنى تقوية القلعة الداخلية. إذ تبذل المصابة قصارى جهدها كي يبلغ جسدها حدوده القصوى. إنها إرادة لتحقق جسد من دون جسد، لكنها رغبة في التحرر أخيرا من كل ولاء لجسد الأمومة وللروابط الاجتماعية. فلا تبلغ قط درجة النحافة الكافية التي تخول لها التوقف عن مطاردة أي أثر للأمومة فيها مهما كان بسيطا. فتتَّبع نظاما جذريا للحصول على جسد يخصها هي بالتحديد، ويكون من أجلها هي، لا يدين إلا لها من خلال منطق الولادة الذاتية. إنها ترمي إلى أن تأتي إلى العالم من تلقاء ذاتها، إلا أن جسدها يشكل عائقا تسعى إلى الاحتيال عليه. والطعام هو حصان طروادة لجسد الأمومة. لذلك يصعب ابتلاعه كثيرا. الأنوركسيا هي نوع من الحكم الإلهي المسجل في الديمومة. فالمراهقة تجعل الموت معلقا، وتراقبه بوضع وجودها في الميزان، وتذهب أحيانا إلى أقصى حد بقبول قاعدة للعب وهي أن تؤدي، دون تردد، ثمن سعيها نحو مشروعية وجودها من حياتها. إن الأنوريكسيا ليست تعبيرا عن نية الموت، ولكنها نوع من اللعب بالموت ا