المشاركات

عرض المشاركات من فبراير ١٥, ٢٠٢٤

الاعتراف \ عبد الرحمن شكري

صورة
  يخيل لي في بعض الأحايين أن قد قرب أجلي وحان حَيني، فأخشى أن يمنعني الموت من بلوغ آمالي وأطماعي. ولكني أرجع إلى نفسي فأرجو أن أجد في الموت ما لم أجده في الحياة من الطمأنينة والسكينة. وماذا عليَّ إذا عاجلني الموت دون وطرٍ لم أصبه، ومطمح للنفس لم تبلغه، وعرفان لم أعرفه؟ وماذا عليَّ إذا لم تجد الديدان إذا بحثت في رأسي معنًى ما اجتبيته أو علمًا ما درسته؟ وما قيمة الأطماع والأوطار والعلوم والفنون والآداب لدى الموت؟ أليس الموت حقيقة الحقائق؟ غير أن هذا التفكير لا يمنعني من الحزن إذا خُيِّل لي أني سأموت ولا أترك أثرًا بعدي خالدًا كالخلد وباقيًا كالأبد. وفي بعض الأحايين أنظر إلى أطماعي وآمالي وهي ماثلة لديَّ نظرة الوداع، وأحزن عليها كما أحزن على صديق عزيز تفيض روحه. ثم أرجع إلى نفسي فأقول: أليس من الغرور أن أحزن على ضياع أطماعٍ وآمالٍ يحول دونها الموت؟ وأي الآمال أهل لمثل هذا الحزن؟ على أن الشك في قيمتها لا يقلل من الحزن والأسف عليها. جعلت أسير يومًا عند شاطئ البحر وأخط في التراب رسومًا وأشكالًا، ورأيت كأن البحر يحاول أن يمحوها، فما زالت أمواجه تغدو وتروح حتى طغت موجة كبيرة عليها فمحتها، فذكر

موت الشيطان؟ جبران خليل جبران

صورة
  ان الخوري سمعان عالمًا بدقائق الأمور الروحية، مُتبسِّطًا بالمسائل اللاهوتية، مُتعمقًا بأسرار الخطايا العرضية والمميتة، مُتضلِّعًا بخفايا الجحيم والمطهر والفردوس. وكان يتنقَّل بين قُرى شمال لبنان؛ ليعظ الناس، ويشفي أرواحهم من أمراض الإثم، وينقذهم من حبائل الشيطان، فالشيطان كان عدو الخوري سمعان، يُحاربه ليلًا ونهارًا بلا مللٍ ولا تعب. وكان سكان القُرى يُكرمون الخوري سمعان، ويرتاحون إلى ابتياع عِظاته وصلواته بالفضةِ والذهب، ويتسابقون إلى إهدائه أطيَب ما تُثْمره أشجارهم، وأفضل ما تُنبته حقولهم. ففي عشيَّة يوم من أيام الخريف، وقد كان الخوري سمعان سائرًا في مكان خالٍ نحو قرية مُنفردة بين تلك الجبال والأودية، سمع أنينًا مُوجعًا آتيًا من جانب الطريق، فالتفتَ فإذا برجلٍ عاري الجسم مُنطرح على الحصباء، ونجيعُ الدم يتدفق من جراحٍ بليغة في رأسه وصدره، وهو يقول مُستنجدًا: «أنقذني، أعِنِّي، أشفِقْ عليَّ فأنا مائت!» فوقف الخوري سمعان محتارًا، ونظر إلى الرجل المتوجع، ثم قال في ذاته: «هذا أحد اللصوص الأشقياء، وأظن أنه قد حاول سلب عابري الطريق، فَغُلِبَ على أمره … هو منازع، فإذا مات وأنا بقُربه اتُّهمت