المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, ٢٠٢٠

أوكتافيو باث / جـدليـّة العـزلـة

صورة
 يمثل الجنين، وهو وحيد في العالم المحيط به، حياةً خالصة، حياة في حالتها الخام، تدفقا جاهلا بذاته. حينما نولد، نقطع الصلات التي تربطنا بالحياة العمياء، التي عشناها في رحم الأم، حيث لا فاصل هناك بين الرغبة والإشباع. فإحساسنا بالحياة يعبر عنه كانفصال وقطيعة، كتيه وسقوط في بيئة معادية وغريبة. وبقدر ما ننمو، بقدر ما يتحول هذا الإحساس البدائي إلى شعور بالعزلة، وبعد ذلك إلى وعي: فنحن محكومون بالعيش في عزلة، لكننا محكومون أيضا بتجاوز عزلتنا واستعادة الصلات، التي كانت تربطنا بالحياة في ماض فردوسي. كل جهودنا تسعى إلى محو العزلة. هكذا يملك الإحساس بالعزلة دلالة مزدوجة: فمن جهة يدل على الوعي بالذات، ويدل من جهة أخرى على الرغبة في الخروج من الذات. إن العزلة، وهي شرط حياتنا، تبدو لنا كامتحان وتطهر، وفي نهايتها يختفي القلق والتيه. فالامتلاء والاجتماع، وهما راحة وسكينة وانسجام مع العالم، ينتظراننا في نهاية متاهة العزلة. إن اللغة الشعبية تعكس هذه الازدواجية، بمطابقتها بين العزلة والحزن. أحزان الحب هي أحزان عزلة، فالمشاركة والعزلة والرغبة في الحب تتعارض وتتكامل. وقدرة العزلة على الإنقاذ تكشف عن فكر

العقل / ديفيد هيوم

صورة
 يرى هيوم أن العقل يتألف من إدراكات حسية : انطباعات و أفكار. الانطباعات هي مانطلق عليه إجمالا اسم الإحساسات والمشاعر والانفعالات، والأفكار هي مانسميه الخواطر العقلية. الأولى قوية مفعمة بالحياة، والثانية ليست غير نسخ باهتة عن الأولى. - الانطباعات نوعان : انطباعات الحس الأولية وتنشأ في الروح عن علل مجهولة، وانطباعات التفكير الثانوية التي تنشأ نتيجة لأفكارنا. فالنفور مثلا ينشأ عن فكرة الألم، وهذه بدورها نسخة لانطباع الألم الأولي. - الأفكار نوعان : بسيطة و مركبة، الأفكار البسيطة نسخ من الانطباعات البسيطة. والأفكار المركبة مزيج من الأفكار البسيطة، ولا يتحتم أن تعكس أي مزيج فعلي من الانطباعات، وإذا فعلت ذلك كانت مجرد تذكرات، أي أننا مثلا نستطيع أن نفكر في ( التنين ) وفي أشياء أخرى لم ندركها قط. فأفكارنا المركبة جميعا تبنى من أفكار أبسط مشتقة من الانطباعات. يقول هيوم أن قولنا هذا لايختلف عن قولنا بأن ليس ثمة أفكار فطرية، فأفكارنا جميعا مستمدة من التجربة، وموضوعات أفكارنا مقصورة على ماقد وقع لنا في الخبرة، أو مانتصور أنه قد يقع لنا فيها بواسطة الحواس أو الشعور الباطني.  

 ألبير كامو.. مقتطفات من كتاب أسطورة سيزيف

صورة
 ليست هناك إلا مشكلة فلسفية هامة واحدة ألا وهي مشكلة الانتحار. فالحكم عما إذا كانت الحياة جديرة بأن تعاش أم لا، إنما يرتفع إلى الجواب على المسألة الأساسية في الفلسفة وتأتي كل مسألة أخرى بعد ذلك. فإذا سألت نفسي كيف يمكنني أن أحكم بأن هذا السؤال أكثر أهمية من غيرها، فإنني أجيب بأن المرء يحكم عن طريق الأفعال التي تستتبع منه. عمري ما شاهدت إنسانًا ينتحرُ من أجل البحث الأنطولوجي. وإن جالليو الذي ذكر حقيقة علمية ذات أهمية كبيرة، نبذها بمنتهى السهولة حالما تعرضت حياته للخطر. وبمعنى ما من المعاني، حسنًا فعل. وما كانت هذه الحقيقة تستحق عناء المخاطرة. فسواء كانت الأرض هي التي تدور حول الشمس أو الشمس هي التي تدور حول الأرض فهي مسألة من قبيل عدم الاكتراث العميق. بل يمكننا أن نقول إنها مسألة عقيمة. ومن جهة أخرى أرى، أناسًا كثيرين يموتون بسبب أن الحياة عندهم تستحق أن تعاش. وأرى آخرين يذهبون ضحية القتل بسبب الأفكار أو الأوهام التي تزودهم بسبب كاف للحياة (وما يقال عنه سبب كاف للحياة هو سبب رائع للموت) ولهذا فإنني أخلص إلى أن معنى الحياة هو أهم مسألة تثير الإلحاح. -لم يحدث من قبل أن درس الانتح

ذكرى ميلاد صمويل باركلي بيكيت / توم درايفر

صورة
 اليوم تحلُ ذكرى ميلاد صمويل باركلي بيكيت من النافذة الشاسعة التي لا تطل على شيء، وقد تطل على كل شيء، يمكن أن نلتقي بيكيت، فمسرح بيكيت هو مسرح الوحدة، وحدة الإنسان إزاء مصيره وقدريته، وإزاء عالم فقده وفردوس يتفقد موته باستمرار. كل شخصيات بيكيت وحيدة تعيش في مونولوج أبدي، حتى الحوار عندها يُفضي إلى المونولوج. إلى الصمت. والرفقة ذاتها تعبير عن الوحدة، أكثر مما هي تعبير عن اللقاء. كأن شقاء الإنسان كفرد ربما، يحتاج أحياناً إلى شاهد. ولا معقولية الوجود، تحتاج أحياناً إلى شاهد. أنه يجسد العجز المطلق، للانتظار، وتالياً اللا انتظار. فلماذا البحث عن أحداث جديدة أو عن شخصيات جديدة أو عن كلام أكثر، ما دامت المواصفات والأزمنة والأمكنة متشابهة، بل ما دامت الأشياء تتنفس في عدميتها النهائية. هذه العدمية النهائية كأنها القدرية الطائشة الملتبسة، التي تفقد الإنسان إمكانية أن يقرر أو يختار أو أن يلتزم حرية أو درباً جديداً، إنه اليأس! ربما. العجز! ربما. الشروط الإنسانية الفاسدة في جواهرها! ربما. وعندما تموت الأفكار، وتبتئس العواطف. فأية حركة تجدي، وأي جسد يجدي، الوحدة؟ في أقصى دركاتها، في أسفل دهالي

موت سقراط

صورة
من أغرب الأشياء أن العمل القاسي الوحيد الذي ارتكبته الديمقراطية بعد عودتها، قد ارتكبته مع فيلسوف طاعن في السن تحول سنوه السبعون بينه وبين القيام بأي عمل يضر الدولة. ولكن كان بين زعماء الحزب المنتصر أنيتوس الذي هدد قبل عدة سنين من ذلك الوقت بأن ينتقم لنفسه من سقراط لبعض إهانات لحقته من جدله، ولأن الفيلسوف "أفسد" ابنه. وكان أنيتوس هذا رجلاً صالحاً، حارب ببسالة تحت إمرة ثرازيبولس، وأنقذ حياة بعض من أسرهم جنوده من الألجركيين. وكانت له يد في إصدار العفو العام؛ وسمح للذين ابتاعوا أملاكهم، بعد أن صادر الثلاثون الأملاك، أن يستبقوها لأنفسهم لا ينازعهم فيها منازع. ولكنه لم يحتفظ بهذه الصفات الكريمة في معاملته لسقراط. فهو لم ينس أن ابنه بقي مع سقراط وصار سكيراً عربيداً بعد أن ذهب هو إلى منفاه ؛ وبدا له أن تأثير سقراط في الأخلاق وفي السياسة أسوأ من تأثير أي سوفسطائي آخر، وأنه يقوض دعائم العقيدة الدينية التي كانت تستند إليها الأخلاق، وأن انتقاداته الدائمة كانت تضعف إيمان الأثينيين المتعلمين في الأنظمة الديمقراطية . وبدا لأنيتوس أن من الخير أن يخرج سقراط من أثينة أو أن يموت. موت سق

أصل الأخلاق وفصلها / نيتشه 

صورة
إذا كنا قد فهمنا الاسباب التي جعلتني ادّعي إن مسألة الإعتناء بالمرضى، ومعالجة المرضى، لا يسعها أن تكون من واجب الأصحاء، إذا فهمنا هذه الاسباب بكل ما يقتضيه فهمها من عمق .. وأنا اشدد هنا، بالضبط على ضرورة الإدراك العميق، على ضرورة الفهم العميق .. فإننا نكون قد ادركنا الاسباب الموجبة لضرورة أخرى .. ضرورة أن يكون لدينا أطباء وممرضون يكونون هم انفسهم مرضى : والآن، ها نحن نمسك ونقبض بكلتا يدينا على معنى الكاهن الزاهد . الكاهن الزاهد ينبغي أن يكون، بالنسبة لنا، المنقذ المعدّ سلفاً، راعي القطيع المريض والمدافع عنه : هكذا فقط نستطيع أن نفهم مهمته التاريخية الخارقة . السيطرة على المتألمين، هذا الدور الذي أعدّته غريزته للقيام به، وهو يجد هذا الدور فنه الخاص، سيادته، ونوع سعادته، ينبغي أن يكون مريضاً هو بالذات، ينبغي أن يكون على صلة حميمة بالمرضى، بالمحرومين، حتى يتمكن من سماعهم ومن التفاهم معهم. لكن عليه كذلك أن يكون قوياً، أن يكون متمكناً من نفسه اكثر من تمكنه من الآخرين، رابط الجأش في إرادته للمقدرة حتى يجوز على ثقة المرضى ويكون موضع خشيتهم، حتى يكون دعماً لهم، وسنداً، وملزماً، ومعلماً،

بحر هوميروس / اندرياس اكينباك

صورة
 كانت علاقة اليونانيين القدماء بالبحر حميمية وخاصّة. وكانت رحلاتهم البحرية هي المحرّك الأساسيّ لثقافتهم. والبحر حاضر في كلّ مكان في الطبيعة اليونانية. ومن أعالي الجبال الوعرة إلى السهول المنخفضة، لا يكاد مرأى البحر المتوسّط يغيب عن الأعين. وهو حاضر أيضا في الأساطير الإغريقية التي تحكي عن الحوريات اللاتي يعشن في الماء وعن الكنوز التي توجد طافية على الشطآن. بالنسبة للإغريق، البحر هو أكثر من واقع جغرافيّ، انه ثقافة وأسلوب حياة. كانوا يعتمدون عليه، ليس للعيش والتنقّل فقط، وإنما أيضا لمعرفة الأخبار وإدارة الحروب وللتبادل السياسيّ والتجاريّ. البحر أيضا نقطة عبور بين الحياة والموت. زيوس قرّر في نهاية العصر البرونزيّ أن يبيد الجنس البشريّ بالطوفان جزاءً له على شروره. وقيل إن ذلك الطوفان تسبّب في تدمير اطلانتيس وطبيعتها الفردوسية. وذات مرّة، أشار يوريبيديس إلى أن الإبحار إلى ما وراء أعمدة هرقل يُعدّ عملا محرّما لأنه ينتهك أرضا مقدّسة. غير أن البحّارة الفينيقيين تجاوزوا تلك الأعمدة منذ القرن السابع الميلاديّ. كان الإغريق ينظرون إلى البحر كنقطة التقاء بين العالم المتخيّل وعالم الواقع.

بروكرست

صورة
بروكرست أسطورة يونانية تتمحور حول حداد يدعو الناس للمبيت عنده ؛ ثم يضعهم على سرير في بيته فمن زاد طوله عن السرير بتر الزائد منه و من كان أقصر مد أطرافه حتى تتمزق ؛ الشخص الوحيد الذي ينجو منه هو الذي يناسب مقاسه مقاس السرير !!! لكن في الحقيقة هذه ليست أسطورة فقط بل واقع الكثير منا للأسف ؛ فلدينا في أذهاننا سرير بروكرست لا نقبل أي شخص كما هو بل نبادر إلى حشره في صورة نصنعها له و نتخلص مما لا يوافقها ، لذا يجب علينا أن نقذف بهذا السرير خارج أذهاننا ، و نعلم أن للناس مقاسات و رؤى مختلفة و أن لا نحشرهم في إطار نصنعه لهم ثم نلومهم إذا خالفوه أو خرجوا عنه !!!

عازف الغيتار العجوز / بابلو بيكاسو

صورة
 في هذه اللوحة أول مايتبادر إلى ذهن المشاهد هو التساؤل عن اللون الأزرق الطاغي ؟! هذه اللوحة قام الفنان برسمها خلال المرحلة الزرقاء ، سميت بذلك لأن اللون الأزرق في تلك الفترة هو الطاغي على أغلب لوحات " بيكاسو " . محاولة تفسير هذا اللون وسيطرته على لوحات الفنان يصل بنا إلى أن الفنان أراد من ذلك اللون تصوير حالته النفسية السيئة التي كان يعاني منها ، فكانت نفسيته مزاج من الحزن والسوداوية والبرود ... هذه اللوحة رسمها الفنان بهيئة منكسرة ومشوهة ، تمكن ببراعة من التعبير عن التدهور المعنوي والجسمي للرجل العجوز ، فيبدو بملابسه الرثة وجسده الهزيل وهو يعزف على غيتاره بلا اهتمام وكأن العزف أصبح أمرآ ثقيلآ عليه بعد أن كان أنيسه ومتنفسه ! الملاحظ أيضآ وضعية جلوس العجوز غير المريحة أبدآ ، وكأن شيئآ لم يعد يعنيه ... بالضبط كما لو أن الحياة بدأت تتلاشى من جسده المتهالك !

ﺍﻟﺴﻴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ

صورة
ﺍﻟﺴﻴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﻣﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻓﻬﻲ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﺩﺑﻲ ﻓﻨﻲ ﻓﻜﺮﻱ ، ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻠﻞ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ، ﻭﺯﻋﻢ ﺃﻥ ﻓﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﺍﻗﻊ ﺁﺧﺮ ﺃﻗﻮﻯ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺍﺗﺴﺎﻋﺎً ، ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻼﺷﻌﻮﺭ ، ﻭﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﻜﺒﻮﺕ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ، ﻭﻳﺠﺐ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﻣﻜﺒﻮﺗﻪ ﻭﺗﺴﺠﻴﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻔﻦ . ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻘﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻼﻡ؛ ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻘﻈﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ، ﻭﻣﻦ ﺗﺪﺍﻋﻲ ﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻤﻨﻄﻖ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻭﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ، ﻭﻣﻦ ﻫﻮﺍﺟﺲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﻼﻭﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﻭﺍﻟﺨﻮﺍﻃﺮ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺟﺲ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺃﺩﺑﻴﺔ . ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ ﺍﺗﺠﺎﻫﺎً ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﺮﺍﺯ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ .

فريدريك نيتشه / شوبنهاور مربياً

صورة
تعرف هذه الأرواح الحرة والمنعزلة، أنها تظهر دائماً بهذه أو تلك الطريقة مختلفة عما تفكر : إنها لا تتمنى شيئاً آخر أكثر من الصدق والحقيقة، إلا أنها طوقت بشبكة من سوء الفهم، ولا تستطيع أمنيتهم المتحمسة أن تمنع إخفاء كل ما يقومون به بغلالة من آراء مزيفة، من التكّيف، تنازلات نصفية، موارات حذرة وتأولات خاطئة، ولهذا يرى المرء غيمة كئيبة كالحة على سيمائهم، فهذا النوع من البشر هم والحق أسوأ من الموت، بحيث يكونوا مضطرين على التظاهر، سخطهم المتواصل على هذا الإكراه يجعلهم غاضبين وخطرين. إنهم يثارون لأنفسهم بين فترة وأخرى عن اختفائهم القسري وتحفظهم الإجباري. فيخرجون من مخابئهم وعلى وجوههم تعبير مرعب، كلماتهم وأفعالهم متفجرات، ويمكن أن تؤدي إلى تدمير أنفسهم. هكذا عاش شوبنهاور تماماً في وسط مخاطر من هذا النوع. إن أمثال هؤلاء البشر العزل بالذات بحاجة إلى الحب، والأصدقاء .. الذين يمكنهم أن يكونوا صريحين وصادقين معهم كما اتجاه انفسهم، أصدقاء تكف في حضرتهم حالة الكتمان والرياء القسري. ابعد هؤلاء الأصدقاء عنك سيكون الخطر أكبر، هلك "هنريش فون كلايست" بسبب النقص لهذا الحب. أكثر الأساليب ا

الحياة /  سينيكا

صورة
حياةٍ كهذه، كما تعلم، لا ينبغي دومًا التمسك بها. ذلك أن مجرد العيش لا يُعدّ خيرًا، بل العيش بسعادة. لذلك، سيعيش الإنسان الحكيم بقدر ما ينبغي عليه أن يعيش، وليس بقدر ما يستطيع. ذلك الحكيم ينظر مطولًا إلى المكان الذي سيعيش فيه، والشخوص الذين سيعيش معهم، والطريقة التي سيمارس بها وجوده، ومن ثمّ يُقرر ما الذي ينبغي عليه فعله. ذلك أن ما يُهمه هو جودة السنين التي يعيشها، وليس عددها. فعندما يرى أن الكثير من النكبات تُلحقه بالأذى وُتعكّر صفوه، يُطلق سراح روحه. وتظل هبة هذا الاختيار مُتاحةٌ دومًا، ليس فقط حينما تغشو حياته الفوضى، بل في أي وقتٍ تمارس فيه فورتونا حيلها عليه؛ فينظر حوله في تأن، ليعلم إذا ما كان ينبغي عليه الرحيل أم البقاء. الحكيم لا يجد فرقًا بين الرحيل بشكلٍ طبيعي، أو الرحيل بإرادته، لا يُبالِ ما إذا كان الموت سيأتيه في صباه أو في شيبه. هو لا يواجه الموت مرتعدًا، وكأنه خسارةٌ فادحة، ذلك أنه ليس بوسع الإنسان أن يخسر الكثير إن لم يبق في كأسه سوى بضع قطرات. لا يكون السؤال عمّا إذا كان ينبغي أن تموت الآن أم في وقتٍ لاحق، بل عمّا إذا كنت ستموت بسعادةٍ أم بشقاء. والموت بسعادة، هو

ﺗﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﺐ ﺷﻌﻮﺭﻧﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﺮ

صورة
 ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻧﺤﺲ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻳﻤﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻭﻳﻤﻀﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺸﻌﺮ ﻛﻴﻒ ﻣﻀﻰ ، ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﺗﺘﺪﻭﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺗﺴﺎﺅﻟﺘﻢ ﻳﻮﻣﺎً ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﺘﺎﺑﻜﻢ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺪﻡ ﻭﺍﻟﺤﺴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ . ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ ﺃﻛﺘﺸﻒ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﺃﺛﺒﺘﻮﺍ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻨﻮﺭﺩﻫﺎ : ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ، ﺃﺷﺎﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ " ﻭﻟﻴﻢ ﺟﻴﻤﺲ " ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻧﺸﺮﻩ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ،1890 ﺃﻧﻪ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺴﺎﺭﻉ ﻷﻥ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﻳﺮﺍﻓﻘﻬﺎ ﺃﺣﺪﺍﺙ ﺃﻗﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﺫﺍﻛﺮﺗﻨﺎ ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻌﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺒﺐ ﺗﺴﺎﻫﻼً ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻷﻥ ﺫﺍﻛﺮﺗﻨﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﺎﺭﻏﺔ ﻓﺘﻨﺘﻬﻲ ﺫﻛﺮﺍﻫﺎ ﺳﺮﻳﻌﺎً ﻓﻲ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ . ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ، ﺃﺟﺮﻯ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﺎﻥ ﺩﺍﻳﻔﻴﺪ ﻭﺍﻻﺵ ﻭﺟﻴﻤﺲ ﺟﺮﻳﻦ ﻋﻀﻮﺍ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻄﺎﻗﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻨﺪﻥ ، ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺘﺮﺍﻭﺡ ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻢ ﺑﻴﻦ 18 ﺇﻟﻰ 20 ﻋﺎﻣﺎً ، ﻭﺃﺷﺨﺎﺹ ﺗﺘﺮﻭﺍﺡ ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻢ ﺑﻴﻦ 30 ﺇﻟﻰ 71 ﻋﺎﻣﺎً ، ﻭﺫﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﺑ

رحلة إلى الجحيم / غوستاف فلوبير

صورة
 كنتُ أعلى الأطلسِ الكبير، ومِنْ هناك كنتُ أتأملُ العالَم، بذهبه وطينه، بفضائله وغروره. عندها ظهرَ لي الشّيطان، وقالَ: "تعالَ معي، شاهدْ وأمعن النظر؛ وستتمكنُ منْ رؤيةِ مملكتي، عالمي أنا." أخذني الشّيطان معه، وعرضَ لي العالَم. وفي أثناءِ تحليقنا عبرَ الفضاء، وصلنا إلى أوروبا. وهناك، أراني علماءَ وأدباءَ ونساءً ومتحذلقينَ ومتبجحين، ملوكًا وحكماء؛ كانَ هؤلاء أكثر الناسِ خَبَلاً. شاهدتُ أخًا يقتلُ أخاه، أمًا تخونُ ابنتها، كتابًا يهينونَ الشّعبَ مستغلينَ حظوةَ قلمهم لديه، رهبانًا يخونونَ أتباعهم، متثاقفينَ يقتلونَ هِمَّةَ الشّباب، وحربًا تحصدُ أرواحَ النّاس. وهنا، ثمة رجلٌ مخادعٌ يتقدمُ زاحفًا في الوحلِ باتجاه الكبار، ليعضَّ أكعابهم؛ ثمَّ يسقطون، وينتشي هو منْ سقوطِهم في الطّين. وهنا، ملكٌ يجلسُ في سريرِ العُهرِ الذي يتوارثونه أبًا عنْ جَد، حيثُ يتعلمُ دروسًا في الزِّنا، ويتذوقُ ما جادتْ عليه به المومسُ المختارة، تلك التي تحكمُ فرنسا. والشّعبُ يهتفُ ويصفق؛ إذ إنّه كانَ معصوبَ العينين. ورأيتُ عملاقين: الأولُ عجوز، ظهرهُ مُقوَّس، وجهه مجعدٌ وضعيفُ البنيّة. يتكئ على عصًى تسمى

لو كان لي أن أرى ثلاثة أيام / هيلين كيلر

صورة
اعتدت من وقت إلى أخر أن أختبر أصدقائي المبصرين لأكتشف ماذا يشاهدون … كنت مؤخراً في زيارة لإحدى صديقاتي التي كانت عائدة لتوها من أحد الحقول ،وعندما سألتها ماذا شاهدت ؟ أجابتني لا شيء على وجه التحديد. كدتُ لا أصدقها لو أنني لم أعتد سماع هذا الجواب من غيرها. فقد توصلت منذ وقت طويل إلى القناعة بأن المبصرين لا يرون إلا القليل…. دائماً ما أتساءل كيف يمكن أن نمشي لمدة ساعة بين الحقول ثم لا نشاهد شيئاً جديراً بالملاحظة ؟! … أنا الإنسانة العمياء أجد مئات الأشياء التي تشد انتباهي من خلال حاسة اللمس فقط. وأحياناً يقفز قلبي شوقاً لمشاهدة هذه الأشياء. إذا كنت احصل على متعة من مجرد اللمس فأي جمال سيكتشف لي من حاسة البصر. ولكن الأشخاص المبصرين مع الأسف لا يرون إلا القليل. ربما هي صفة بشرية ألا نشعر بأهمية ما نملك ونتوق لما لا نملك! من الخسارة أن تستخدم نعمة البصر في عالم النور كمجرد وسيلة لتسهيل المعيشة وليس أداة لإضافة بهجة للحياة .