المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر ٣١, ٢٠٢١

دفاعا عن الجنون \ ممدوح عدوان

صورة
  نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين . وهذا أكبر عيوبنا. كل منا يريد أن يظهر قوياً وعاقلاً وحكيماً ومتفهماً. يدخل الجميع حالة من الافتعال والبلادة وانعدام الحس تحت تلك الأقنعة فيتحول الجميع إلى نسخ متشابهة مكررة ... ومملة . نحن في حاجة إلى الجرأة على الجنون والجرأة على الاعتراف بالجنون. صار علينا أن نكف عن اعتبار الجنون عيبا واعتبار المجنون عاهة اجتماعية . في حياتنا شيء يجنن. وحين لا يجن أحد فهذا يعني أن أحاسيسنا متلبدة وأن فجائعنا لا تهزنا، فالجنون عند بعض منا دلالة صحية على شعب معافى لا يتحمل إهانة... ودلالة على أن الأصحاء لم يحتفظوا بعقولهم لأنهم لا يحسون بل احتفظوا بعقولهم لأنهم يعملون، أو لأنهم سوف يعملون، على غسل الإهانة. نحن في حاجة إلى الجنون لكشف زيف التعقل والجبن واللامبالاة ، فالجميع راضخون ينفعلون بالمقاييس المتاحة .. ويفرحون بالمقاييس المتاحة .. يضحكون بالمقاييس المتاحة .. ويبكون ويغضبون بالمقاييس المتاحة... لذلك ينهزمون بالمقاييس كلها ولا ينتصرون أبدا. بغتة يجن شخص، يخرج عن هذا المألوف الخانق فيفضح حجم إذعاننا و قبولنا و تثلم أحاسيسنا . يظهر لنا كم هو عالم مرفوض و مقيت و

العلم المرح \ نيتشه

صورة
  الثقافة الصناعية، في شكلها الحالي، هي في مجملها شكل الوجود الأكثر ابتذالاً وفجاجةً ممّا عرفت البشرية حتّى الآن. قانون الحاجة وحده هو الذي يتحكّم في كلّ شيء هنا: يريد المرء أن يعيش وعليه بالتالي أن يبيع نفسه، غير أنّه يكنّ الاحتقار لذلك الذي يستغلّ هذه الحاجة ويشتري العامل. وإنّه لمن الغريب أنّ الخضوع لأفراد من الأقوياء، والذين يثيرون الذعر، بل وللشخصيات الفظيعة، وللطغاة والقادة العسكريين، لم يكن يُعاش كأمر مهين على غرار ما يثيره الخضوع إلى أشخاصٍ من النكرات وقليلي الأهمية كما هو الحال بالنسبة لكبار الماسكين بالقطاع الصناعي: لا يرى العامل في المشغَّل عادةً سوى كلب يضارب بكلّ أنواع الفاقة، لا يجد فيه من جهة الاسم والهيأة والأخلاق والسمعة ما يمكن أن يجعله جديراً بالاحترام. ولعلّ كبار رجال الصناعة والتجارة من عصرنا الحاضر ما زالوا يفتقرون افتقاراً شنيعاً إلى كلّ تلك الأشكال والعلامات التي تميّز العنصر الراقي، والتي هي الكفيلة وحدها بأن تجعل من الأفراد أشخاصاً مهمين؛ ولو كان لهؤلاء ما ينبئ عن نبالة المولد في النظرة والحركات، لما كان هناك ربّما من إمكانية لانتشار مذهب اشتراكيّ بين جماهير ا

اللذة \ أبيقور

صورة
  إن اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها، وهي الخير الأول الموافق لطبيعتها والقاعدة التي تنطلق منها في تحديد ما ينبغي اختياره وما ينبغي تجنبه، وهي أخيرا المرجع الذي نلجأ إليه كلما أخذنا الإحساس معيارًا للخير الحاصل لنا. ولما كانت اللذة هي الخير الرئيسي والطبيعي، فإننا لا نبحث عن أية لذة كانت بل نحن نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج، كما أننا نفضل عليها آلامًا شديدة إذا ما كانت هذه الآلام تسمح، بعد مكابدتها طويلا، بالفوز بلذة أعظم. وعلى هذا الأساس فإن كل لذة هي في ذاتها خير، إلا أنه لا ينبغي أن نبحث عن كل اللذات. وفي نفس السياق، كل ألم هو شرّ، إلا أنه لا ينبغي أن نتجنّب كل الم بأي ثمن. أيا ما كان الأمر، يجب أن تحسم القرار في كل ذلك انطلاقا من الفحص الدقيق لما هو مفيد ولما هو ضارّ، ومن المقارنة بينهما ، إذ تجدنا أحيانا ننظر إلى الخير كما لو كان شرّا ، وإلى الشر كما لو كان خيرًا. أبيقور\ رسالة إلى مينيسي ترجمة جلال الدين سعيد

أنت لا تنزل النهر مرَّتَين \ هيراقليطس

صورة
  سماه بعض القدماء ﺑ «المعتم»، وبعضهم الآخر ﺑ «الفيلسوف الباكي»، وغلبت عليه هذه التسمية جيلًا بعد جيل، منذ أن كانت كتاباته كاملة بين أيدي معاصريه. ويُقال إنه أودعها في معبد الآلهة أرتيميس، وتعمَّد أن يدوِّنها بخطٍّ غير واضح حتى لا يقربها إلا القادرون على فهم أسرارها، إلى أن ضاع معظمها ولم يبقَ منها سوى مائة وثلاثين شذرة متفرقة يتألَّف بعضها من عباراتٍ صغيرة، وبعضها من جملةٍ واحدة أو كلمةٍ مفردة. أمَّا الاسم الذي خلعه عليه أبوه فهو هيراقليطس بن بلوسون من مدينة أفيسوس في بلاد اليونان، وأمَّا تاريخ ميلاده فيرجع إلى حوالي عام ٥٠٠ قبل الميلاد. وهيراقليطس هو آخر الفلاسفة المعروفين بالأيونيين وأكبرهم، أحاطت به هالة من العظمة والوحدة والكبرياء والتفرُّد، جذبت المفكرين إلى شخصيته العجيبة على مدى العصور، وتمثلت فيه غضبة المفكر الذي يدقُّ ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويرفع عصاه ليعيد موكب الجماهير إلى منبع الحكمة، نشأ في بيتٍ ثريٍّ نبيل، وتخلَّى عن وظيفة الكاهن الموروثة في أسرته إلى شقيقه الأصغر، ورفض أن يشارك في حكم المدينة التي وُلِدَ فيها، أو يشرِّعَ لها القوانين؛ لا عن أنانية أو تكبُّر، بل لاعتقا