الوعيُ كمنفى \ إميل سيوران
يقول سيوران : " من الأفضل أن أكون حيواناً بدل إنسان ، وحشرةً بدل حيوان ، ونبتةً بدل حشرة ، وهكذا دواليك.. ". إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي يتميَّز بالعقل ، فإن سيوران يمقُت هذه الميزة ، لأن الوعي الذي يفرزه هذا العقل هو سرُّ الشقاء في هذه الحياة. يقول : "الجهل وطن و الوعيُ منفى". الوعي لعنة مزمِنة ، كارثةٌ مهولة. الوعي هو الذي يجعلنا نُدرِك خُبثَ هذا العالم ، بمجرِّد أن نعي هذا العالم ، فإنه سرعان مايسبب لنا ذلك الوعي شقاءً مزمِناً. وكما يقول "المتنبي" : "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلهِ...وأخو الجهالةِ في الشقاوة ينعمُ " من على قمم العقل تبدو لنا الحياة كلها كمرضٍ عضالٍ والعالم كلمجأ مجانين. الوعي شرخٌ وخِلاف مع العالم. إنه ليس مجرّد شوكة ، بل خنجر مغروس في عمق الجسد. ألا يتوق الإنسان إلى العودة إلى الوضع الذي كان عليه قبل الوعي ؟ أليس الأطفال أكثر سعادةٍ غالباً من البالغين ؟ لنرفع الكؤوس على نخب الجهل ، لنسكر ، لنفلت من حالة الوعي !. ألا يقول لنا "باسكال" : "إن في قنينة النبيذ من الفلسفة مايفوق كل مافي الكتب" ؟! - ...