المشاركات

عرض المشاركات من مارس, ٢٠٢٤

عندما تحب روحًا عتيقة \ لويزا فليتشر

صورة
  هناك نوع خاص من الأشخاص في هذا العالم غالبًا ما يُساء فهمه. هؤلاء الناس يميلون إلى أن يكونوا الوحيدين، الأرواح الحرة، العشاق الأبرياء. إنهم يرون العالم بكل ما يستطيعون - ويجب أن يكونوا كذلك - على الرغم من أن العالم نادراً ما يراهم. إنهم الأرواح القديمة، الحالمون، الأشخاص المتناغمون مع الحياة، بديهيات العواطف لدرجة أنهم يخيفوننا. إنهم يخيفوننا ليس بسبب حقيقتهم، ولكن بسبب ما نحن عليه، وما ينقصنا. الأرواح القديمة تصل إلى أعماق لا يمكننا فهمها. لديهم اتصال مع الله، مع الكون، مع الطبيعة، ولهذا هم الأشخاص الذين سيغيرون العالم. كثيراً ما نشعر بالنقص، كما لو أننا مضطرون إلى السعي للبقاء قريبين من مستواهم عن بعد، لنكون جديرين بحبهم. يحتاج الأمر إلى شخص واثق ليحب روحًا قديمة. لكنه يستحق ذلك. سوف يغير حياتك. إنهم رومانسيون، إنهم مخلصون، إنهم يساعدوننا على النمو، إنهم ليسوا ماديين، إنهم يفهمون الروابط العميقة في الحياة، إنهم ممتنون، إنهم أمثلة للشجاعة. إنهم يسيرون في أكثر الطرق إيلاماً في هذه الحياة، ومع ذلك يجدون بطريقة أو بأخرى الشجاعة للابتسام، غالباً ما يكون غير أناني. و محب لدعم الآخرين. حب

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

صورة
  شكل الملل مصدر قلق للكتاب والشعراء و الفلاسفة و علماء النفس، بحيث لم يعرفوا كيفية شرح هذا الشعور الزئبقي الذي يستعصي على التحليل والتفكير العقلاني. فهو على حد قول فرناندو بيسو "إحساس كالسبات، يحتل مثل الضباب كل ساعة روحنا. لا يدعنا نفكر ولا يدعنا نعمل، ولعله لا يسمح لنا بالوجود"، و"ضباب صامت" بالنسبة إلى هايدغر، أو "توق دفين من دون هدف معين" على حد قول شوبنهاور، أو "جذر كل الشرور" بحسب كيركغارد، أو "قلق يرقاني وفراغ مغذ" بحسب إميل سيوران، و"الحالة الطبيعية للإنسان" كما يقول بليز باسكال، أو "حالة مزعجة تعترينا حين لا نجد ما يلبي شعور الإثارة" كما ذكر عالم النفس نيل بيرتون. قد يكون شوبنهاور أول فيلسوف غربي أخذ المَلَل على محمل الجد باعتباره من المآسي الأساسية للبشرية، وعرّفه بوضوح بأنه "توق دفين من دون أي هدف معيَّن"، حيث يرى أن حياة الإنسان ، وحتى الحيوان "تتأرجح مثل البندول بين الألم والملل"، الألم و الملل، بحسب شوبنهاور، هما المكونان الرئيسان للوجود ، و عزا المصدر الحقيقي للملل إلى "اللهاث

عالم كافكا هو نفس عالمنا \ روجيه جارودي

صورة
  عالم كافكا هو نفس عالمنا والعالم الذي عاشه هو نفس العالم الذي بناه. إنه عالم خانق، مجرد من الإنسانية، عالم الغربة. على أنه يعي هذه الغربة، كما يحدوه أمل لا ينتهي، حتى إننا نرى من خلال ذلك الكون الذي تتنازعه الروائع وروح المرح، قبسًا من النور أو مخرجًا. ويكفينا لكي نعيش بكل جوارحنا تلك الوحدةَ الحية العميقة؛ ألا نضل في متاهات التفسيرات التي تميل دائمًا إلى حشر الأعمال الخلاقة في إطار نظام عقائدي محدد من قبل، ولا يعتبر تلك الأعمال إلا إخراجًا رومانتيكيًّا لفكرة. وقد قدم علماء اللاهوت عدة نماذج لهذا التفسير الصارم؛ فمنهم من تصور أنه وجد في كافكا آخر أنبياء إسرائيل، ومنهم من تعرف في شخصه على تمزقات روح تسعى إلى الخلاص، فأرادوا أن يقودوه إلى الهداية، ومنهم من اتخذه واحدًا من أتباع كارل بارت، ومنهم من سلك أدبه في اللاهوتية السلبية. وفي الطرف النقيض ظهرت التفسيرات التي تدَّعي التمسك بالماركسية، وترى في كافكا إما برجوازيًّا صغيرًا مترديًا في تشاؤمية ناخرة كالسوس، وإما رجل الثورة، إن لم يكن رجل الاشتراكية. وأرادت الوجودية هي أيضًا أن تُدخِل كافكا في نطاق الجهود العبثية لسيزيف، وفي إطار القلق

غروب الشمس في الشتاء \ يوليوس البرسيم

صورة
  هو أحد أبرز رسامين المناظر الطبيعية الروسيين. كرسام من أصل ألماني، كان يحلم دائمًا بالعودة إلى وطنه الأصلي. تعكس لوحة “الغروب في الشتاء” جمال الطبيعة. تبدو الصورة قليلاً من الناحية الكونية، ويكون قرص الشمس مرئيًا بالكامل تقريبًا، وتضفي الغيوم المحيطة به الغموض والظلال على كرة متوهجة ملتهبة. تنعكس أشعة الشمس الأخيرة في الماء الهادئ. يذهب النهر إلى ما لا نهاية، والطريق من انعكاسات أشعة الشمس يقود المتفرج إلى أعماق الكون الكوني. يمر سطح الماء عبر حافة الغابة. قد تعتقد أن هذه هي الضواحي ونادراً ما يزور الناس مثل هذه الأماكن. يقف المنزل الخشبي العجاف بمفرده، وهو يحدق بقوة الثلوج. للوهلة الأولى، يبدو أن هذا المنزل مهجور ولا يزال وحيدا لسنوات عديدة يقف بالقرب من الشاطئ، ويقابل غروب الشمس. من الأنبوب، يمكنك ملاحظة دخان يتدفق بشكل خفي. لذلك، لا أحد غادر المنزل بعد والحياة مستمرة فيه. من الصورة يتنفس الوحدة قليلا. ربما خلال هذه الفترة من الإبداع، شعر وكأنه تراجع، ضائع في الحياة، مثل هذا المنزل بجانب النهر. يقف أيضًا في حيرة ويشاهد غروب الشمس، الذي يرمز إلى نهاية مرحلة حياة معينة. أثناء إنشاء ا

على الطريق \ فريدريك نيتشه

صورة
  وكان زارا وهو يقصد كهفه وجباله يمر بشعوب عديدة ومدن كثيرة متمهلًا في رحلاته حتى وصل فجأة إلى مدينة عظيمة، وإذ دخلها انتصب بوجهه مجنونٌ فاتحًا ذراعيه؛ ليصده عن التقدم والزَّبد يُرغي على شدقيه، وما كان هذا المعترض إلا من لقَّبه أهل المدينة بسعدان زارا؛ لأنه كان يقلد حركاته ولهجته ويستعير شيئًا من كنوز حكمته. وخاطب المجنون زارا قائلًا: إن هنا المدينة العظمى، وما لك أن تظفر منها بشيء، بل عليك أن تفقد فيها كثيرًا. ما الذي يضطرك في الانغماس في هذه الأوحال، فأشفق على قدميك، وقف عند بابها تافلًا عليه وعُدْ أدراجك. هنا جحيم كل فكرة فريدة، هنا تُصهر الأفكار السامية حتى تصبح مزيجًا مائعًا. هنا تتهرأ كل عاطفة شريفة، ولا يسمح إلا للعواطف الجافَّة بأن تعلن عن نفسها بخشيش اصطدامها. أفما بلغتْ أنفك رائحة المجازر حيث تُنحر الأفكار ومطاعم السوقة حيث تباع بأبخس الأثمان، أفما ترى أبخرة العقول المضحاة تتصاعد منتشرة كالدخان فوق هذه المدينة. أفما تلوح لك الأرواح معلقة معروضة كأنها خرق قذرة بالية، فإذا هي تنقلب صُحُفًا تنشر بين الناس. أفلا تسمع البيان الطلي يستحيل هنا إلى تلاعب ألفاظ وسخائف تغصُّ بها جداول

أعمق الساعات صمتًا \ فريدريك نيتشه

صورة
  ماذا جرى لي؟ لقد سادني الاضطراب؛ فأضعت هداي وأراني مندفعًا بالرغم مني إلى الرحيل والابتعاد عنكم وا أسفاه. أجل، على زارا أن يعود إلى عزلته، غير أن الدُّب يرجع إلى مغارته كئيبًا حزينًا، ماذا جرى لي ومن تُرى يضطرني إلى الرحيل؟ إنها «هي» مولاتي الغاضبة، لقد كلمتني فأعلنت لي إرادتها، وما كنت ذكرت لكم اسمها حتى اليوم، هي أعمق ساعاتي صمتًا وهي نفسها مولاتي القاهرة، كلمتني أمس. وسأقص عليكم ما جرى فلا أخفي عنكم شيئًا؛ كيلا يقسو قلبكم عليَّ وأنا أفاجئكم برحيلي عنكم. أتعلمون ما هي خشية من يستسلم للكرى؟ إنه الذعر يستولي على الإنسان من رأسه إلى أخمص قدميه؛ لأن أحلامه لا تبتدئ ما لم تنسحب الأرض من تحته. إنني أضرب لكم أمثالًا، فأصغوا إليَّ: أمس عند أعمق الساعات صمتًا خلت الأرض من تحتي وبدأت أحلامي. وكان العقرب يدبُّ على ساعة حياتي في خفقانها، وما كنت سمعت من قبل مثل هذا السكوت يسود حولي ويروع قلبي. وسمعتها «هي» تقول لي، ولا صوت لها: إنك تعرف هذا يا زارا. فصحت مذعورًا عند سماعي هذه النجوى، وتصاعد الدم إلى رأسي. فعادت هي تقول، ولا صوت لها: أنت تعرف هذا يا زارا، ولكنك لا تعلنه. فانتفضت وأجبت بلهجة الم

لوحة The Human Condition \ رينيه ماغريت

صورة
  لوحة "The Human Condition"  للفنان البلجيكي الشهير رينيه ماغريت رسمها سنة 1933 في أول نظرة نلقيها على اللوحة، تظهر لنا على انها مجرد لوحة عادية تصور مظاهرطبيعية، لكنها أعمق من ذلك .. بكثير. اثنان من المواضيع المفضلة لماغريت كانا "الwindow painting" و "painting within a painting"، هنا يقوم بجمع الثيمتين معا بطريقة عبقرية لتعطي معنى أكثر عمقا و فصاحة.  ماجريت كان مهووس بفكرة الrepresentation أو إزاي الفنان أو أي شخص عادي بينقل نظرته عن العالم الخارجي. في اللوحة مثلاً واضح إن مفيش تواصل بشكل مباشر مع المشهد الطبيعي لأنه متشاف من داخل مكان (جسم الإنسان) ومن خلال فتحة على العالم الخارجي (العين). ومش بس مفيش تواصل مباشر مع العالم الخارجي، ده كمان الصورة اللي بتوصلنا من خلال العين (الشباك\الباب) بتتغير وتترسم بشكل تاني وتتعرض في دماغنا على إنها هي نفسها المنظر الطبيعي وعلشان كده اللوحة المرسومة بتعوض اللي مفقود من المنظر الطبيعي وبتحجبه في نفس الوقت. وكأن ماجريت بيقولنا إن الإنسان عمره ما هيقدر يشوف الواقع كما هو لإنه متأثر أولاً برؤيته المحدودة (محدودية العين

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

صورة
  بينما نمضي في حياتنا اليومية، نعيش ما يبدو لنا أنه تيَّار مستمر من أحداث اللحظة الراهنة، ومع ذلك فإننا في الواقع لا نُدرك الأحداث المادية في العالم إلا «بعد» وقوعها بقليل. وفي الحقيقة، إن إحدى أكثر النتائج إثارةً للفزع في علم الأعصاب هي أن الوعي غالبًا ما يكون «آخِر مَن يعلم». تنتقل المعلومات البصرية، والسمعية، وأنواعٌ أخرى من المعلومات الحسية عبر العالم (وعبر جهازنا العصبي) بسرعاتٍ مختلفة. فالموجات الضوئية والموجات الصوتية التي تنبعث لحظة ملامسة كرة التنس لمضربك، على سبيل المثال، لا تصل إلى عينيك وأذنيك في الوقتِ نفسِه، وكذلك يحدث التأثير الذي تشعر به يدُك الممسكة بالمضرب في لحظةٍ زمنية مختلفة عنهما. ومما يَزيد الأمور تعقيدًا، أن الإشارات التي تتلقَّاها يداك وعيناك وأذناك تنتقل مسافاتٍ مختلفةً عبر الجهاز العصبي للوصول إلى دماغك (فيداك بعيدتان عن دماغك أكثر من بُعد أذنَيك عنها مثلًا). وفقط بعد تلقِّي الدماغِ جميعَ المدخلات ذات الصلة، تجري مزامنة الإشارات وإدخالها إلى تجربتك الواعية من خلال عمليةٍ تسمَّى «الربط»؛ وبواسطة هذه العملية ترى، وتسمع، وتشعر أن الكرة ترتطم بالمضرب في اللحظة ذ