عندما تفلسف الفيلسوف

( ﺍﻟﺸـﺘــــــــﺎﺀ ) للفنان ﺍﻹﻳﻄﺎﻟـﻲ : ﻏﻴﻮﺳﻴﺒـﻲ ﺃﺭﺷﻴﻤﺒـﻮﻟﺪﻭ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﻮﺳﻴﺒﻲ ﺃﺭﺷﻴﻤﺒﻮﻟﺪﻭ ﻓﻨﺎﻧﺎً ﻣﺸﻬﻮﺭﺍً ﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ .. ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1593 ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻓﻘﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﻔﻨّﻪ ﻭﺍﺧﺘﻔﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ . ﻭﻣﻊ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ، ﺑُﻌﺚ ﺍﺳﻤﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻭﻭﺟﺪ ﺍﻟﻨﻘّﺎﺩ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻭﺍﻹﺷﺎﺩﺓ .. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺃﺷﻬﺮ ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻫﻲ ﻟﻮﺣﺘﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﺎﺓ " ﺍﻟﺸﺘـــﺎﺀ " ، ﻭﻫﻲ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﻊ ﻟﻮﺣﺎﺕ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻟﻠﻔﺼﻮﻝ ﺍﻷﺭﺑﻌﺔ .. ﻓﻲ " ﺍﻟﺸﺘـﺎﺀ " ﻧﺮﻯ ﺭﺃﺱ ﺭﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺷﺠﺮﺓ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻨﺘﻮﺀﺍﺕ .. ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﺘﺠﻬّﻤﺔ ﻭﺍﻷﻭﺭﺍﻕ ﺷﺎﺣﺒﺔ ﻭﺍﻷﻏﺼﺎﻥ ﺟﺮﺩﺍﺀ .. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻟﻴﻤﻮﻧﺘﺎﻥ ﻣﺘﺪﻟّﻴﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﻨﻖ ﻭﻛﺄﻧﻬﻤﺎ ﺗﺆﺩﻳﺎﻥ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﻣﺸﺒﻜﻲ ﺍﻟﻤﻌﻄﻒ . ﻛﺎﻥ ﺃﺭﺷﻴﻤﺒﻮﻟﺪﻭ ﺷﺨﺼﺎً ﺑﺎﺭﻋﺎً ﻭﻭﺍﺳﻊ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻨﺠﺬﺑﺎً ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﻨّﺎﻧﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﻓﻲ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎﺗﻬﻢ ، ﻭﻓﻀّﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻭﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﻠﻮﺣﺎﺕ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﻳﺪ ﻭﺍﻟﻔﺎﻧﺘﺎﺯﻳﺎ .. ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺃﺭﺷﻴﻤﺒﻮﻟﺪﻭ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺘﻜﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻞ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﺓ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ ، ﻭﻧﺎﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺭﻓﻊ ﺍﻷﻭﺳﻤﺔ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺋ...

  إن العقل شيء ممتاز، رائع. ذلك أمر لا يمكن جحوده. ولكن العقل هو العقل، وهو لا يرضي في الإنسان إلا ملكة التفكير العقلي، أما الرغبة فهي تعبر عن مجموع الحياة. أي عن الحياة الإنسانية كلها، بما فيها العقل ووساوسه. ورغم أن حياتنا في تعبيرها عن نفسها على هذا النحو، تكتسي في كثير من الأحيان مظهراً رديئاً جداً. فذلك لا ينفي أنها الحياة.  أنا أريد أن أحيا طبعاً، بغية أن أرضي ملكة الوجود في جملتها. لا بغية أن أرضي ملكة التفكير العقلي وحدها، التي لا تمثل إلا جزءاً من عشرين جزء من القوة القائمة في نفسي. ما الذي يعرفه العقل؟ أن العقل لا يعرف إلا ما تعلم،«ولعله لم يعلم شيئاً غير هذا في يوماً من الأيام، وليس ذلك عزاءاً». أما الطبيعة الإنسانية فإنها تفعل بكل ثقلها أن صح التعبير، مستخدمة كل ما تضمه وتشتمل عليه، بشعور وغير شعور. قد ترتكب أكاذيب، ولكنها تحيا.. إنكم ترددون على مسامعي أنه يستحيل على إنسان متنور مثقف، يستحيل على إنسان المستقبل أن يرغب عامداً فيما يناقض مصالحه. وأن يريد ما يتنافى مع منافعه. نعم هذا صحيح، صحة رياضية. ولكنني أعود فأكرر على مسامعكم للمرة للمائة قولي إن هنالك حالة، حالة...

  "انك لا تضع قدمك في النهر مرتين!" عبارة شهيرة لهيراقليطس حين وجد مياه النهر تتحرك وكأنه ثعبان يزحف ! ‏وجد هيراقليطس ان النهر الذي نزل فيه سابقا قد تغير وتبدل في ثوان .. واصبح نهرا اخر .. وهذا يعني انه لا يوجد تكرار في الحياة والتغير سيطال كل شيء ! ‏عبارة هيراقليطس تفترض ان اشياء كثيرة في حياتنا بلا ضمانات وكل شيء قابل للتغير .. آراؤنا مشاعرنا افكارنا انجازاتنا حتى صورتنا بنظر الناس تتغير ! ‏حسب هيراقليطس فالنهر متحرك وحين تضع قدمك فيه لاحقا لن تكون نفس المياه ولا انت نفس الشخص .. فما الثابت فينا والذي يجعلنا نشعر اننا ذات الشخص ؟