المشي فلسفة
لعل أزمة عالمنا المعاصر تكمن في محدودية أفقه وضيقه. فعلى رغم انفتاحنا على العالم بأسره من خلال تطور وسائل أو شبكات التواصل الاجتماعي المستمر والتطور التكنولوجي السريع، نبقى مأسورين ومحدودين في مكان وزمان خاضِعَين للهندسة والقياس. من غرفة ضيقة، ومن خلال شاشة صغيرة، نطل على عالم وهمي تبقى الشاشة حاجزاً بيننا وبينه، كما تبقى حجاباً للفكر الذي يختبر أمامها محدوديته، فنعيش على مسافة من الأشياء من دون لقاء فعلي يلمس داخلانيتنا. في ظل هذه الأزمة، شدد بعض الكتاب وعلماء النفس والفلاسفة على أهمية المشي الذي ليس مجرد رياضة كما يقول الكاتب الفرنسي المعاصر فريدريك غرو في بداية كتابه "المشي: فلسفة". فالسير على الأقدام يحرر الإنسان المعاصر ويشكل خلاصاً له، إذ يفكك القيود الاجتماعية والحواجز التي تحول دون لقائه مع نفسه ومع الطبيعة المحيطة به. فالمشي معنى واختبار لمفهوم فلسفي شغل الفلاسفة منذ القديم وما زال يشغلهم، وهو مفهوم "الحرية". يرى بعض الفلاسفة أن فن المشي لا ينبغي يتعلق بهدف أو رغبة في الوصول إلى وجهة معينة ، بل أن يمارس من أجل التجربة الجماليّة الخالصة التي لا غرض منها ، ...