المشاركات

عرض المشاركات من يناير ٦, ٢٠٢٠

دوستويفسكي _ من رواية الأبله

صورة
لغتي لا تناسب المعاني التي في ذهني ، فهي لذلك تغض من قيمتها وتفسدها . وتلفّت فيما حوله كأنه ينتظر جواباً أو قراراً . كان الجميع يقفون في شدة الحيرة من هذه الإندفاعية المرضية التي لم يتوقعها أحد ، والتي لم يكن ثمة ما يدعو إليها على كل حال كما بدا ولكن هذه الإندفاعة كانت سبباً لوقوع حادث غريب هو أن آجلايا صاحت فجأة : ـ لماذا تقول هذا هنا .؟ لماذا تقول هذا لهم ؟ لهم هم ! كانت تبدو في ذروة الإستياء . وكانت عيناها تسطعان . لبث الأمير صامتاً كالأخرس ، واجتاح وجهه شحوب مفاجئ . وانفجرت آجلايا تقول : ـ ليس هنا شخص واحد يستحق أن يسمع هذه الكلمات ! إنهم جميعا لا يساوون خنصر يدك ، لا فكراً ولا قلباً ! أنت أشرف وأحسن منهم . أنت فوقهم نبلاً وطيباً وذكاء اً ! هنا أناس لا يستحقون أن يشيلوا المنديل الذي سقط من يدك الآن على الأرض ... فلماذا تُذل كبرياءك وتجعلها أدنى منهم ؟ لماذا قلبت كل شيء رأساً على عقب ؟ لماذا لا تكون لك عزّة وأنفة ؟

الإنسان _ دوستويفسكي

صورة
أتحسبون أني مجنون ، يا سادة ؟ اسمحوا لي بتقديم بعض التحفّظ . طيب أنا متّفق ، على أن الإنسان هو بخاصة ، حيوان بنّاءٌ حُكِم عليه بأن يمشي بشكل واعٍ نحو هدفه ، و بأن يمارس فن الهندسة ، و بأن يشقّ على الدوام طريقاً تفضي به تحديداً ، إلى وجهة ما. و لربما لهذه الغاية بالضبط ، ظلّت تسكنه الرغبة في الإنحراف قليلاً عن مساره ، لا لشيء آخر سوى لأنه محكوم سلفاً بشقّ ذلك المسار ؛ و لأن إنسان الفعل التلقائي و العفوي كذلك ، مثلما أعتقد ، حتى و إن كان عامة غبياً ، فقد يتبادر أحياناً إلى ذهنه على كلّ حال ، بأن طريقه ــ مع الممارسة الدائمة ــ تفضي دون شك إلى وجهة ما ، و بأن المهم ليس أن يعرف إلى أين تفضي تلك الطريق ، و إنما أن تستمر فقط مُشْرعَة على الأفق المفتوح ، و بأن الفتى العاقل ينبغي أن يتجنب كل إهمال يمسّ الهندسة المنذور لها ، و كل ما قد يدفع به إلى الاستسلام للكسل المميت ، الذي هو أصلُ كافة الرذائل و الموبقات ، مثلما نعرف . إن الإنسان ، و هذه مسألة لا تقبل النقاش ، يحب رؤية نفسه و هو يبني ، و يشق الطرق . إنما لماذا يريد هذا الإنسان كذلك ، يا سادة ، أن يرى نفسه بولهٍ شديد ، و هو يحرّض على