المشاركات

عرض المشاركات من يناير, ٢٠٢٣

كيف أصبح العالم \ إدغار موران

صورة
  لقد أصبح العالم حسب "إدغار موران" يعجّ بالأزمات في ظل التقدم، فعصر التقنية هذا رغم أنه يحرز تقدم غير مسبوق، إلا أن ذلك لا يعني أبدا أنه سليم معافى من أعراض الأزمة التي أصبحت حدث ملازم ومحايث لكل عملية تقدم؛ لأنه وكما يقول "أنطونيو نيغري" «إن الأزمة ليست نقيض التقدم، وإنما هي صورته ذاته» من هذا المنطلق يمكن أن نقول بأن التقدم يقتات عن الأزمة التي بدورها تتغذى منه. فالمسار التطوري للتاريخ حافل باللايقينيات؛ لأنه مركب. فبالقدر الذي يحرز فيه التاريخ تقدما، يكون على موعد مع انعراج و انحراف جديد، أي مع أزمات، فمفهوم الأزمة حسب "إدغار موران" لم يعد يأتي في مقابل مفهوم  التقدم، أو أن وجود الأول يلغي إمكانية وجود الثاني، وإنما أصبحنا أمام علاقة تركيبية تقبل بهما معا، لذلك «ينبغي ربط فكرة أن الأزمة قد أصبحت هي نمط وجود مجتمعاتنا، وفكرة كون التقدم يحمل في نفسه خاصية أزماتية: ففي ثنايا تصوره المغير أو المتسارع ينطوي تقدم الأمم على عمليات فك البنيات/وفساد اقتصادي، واجتماعي، وثقافي: فالتقدم لا يحدث فوق أساس ثقلفي وحضاري ومجتمعي: إن التقدم غير منفصل عن عملية تحطيم أو ت

تجديدُ الفلسفةِ عند جيل دولوز

صورة
  - يبيِّن "دولوز" أن ما يُشاع عن أزمة الفلسفة ونهايتها و موتها ؛ عائد إلى أنّه قد أُسيء فهمها. لكن عندما نعي أن الفلسفة هي فنّ إبداع الأفاهيم ، نجد أنها ليست مأزومة ، بل راهنة و ثوريّة ، وتتمتع بخصوصية واستقلال عن العلوم والفنون. - ويبيّن أيضاً أن تجديد الفلسفة يعني تجديداً في المضمون و الأسلوب معاً. ويعني التجديد في المضمون : ١ - تجديداً في صورة الفكر ، لأن كل فلسفة كبيرة تفترض صورة سرّية وضمنيّة للفكر ، أي تحاول الإجابة عن سؤال : ما التفكير ؟ ٢ - تجديداً في الأفاهيم القديمة و السّائدة ، لأن الأفاهيم المتداوَلة لا يمكن استخدامها في القول الفلسفي المعاصر من دون تعديل وتغيير وتحوير. لذا يقوم تاريخ الفلسفة على إحياء الأفاهيم القديمة وتغيير اتجاهاتها. ٣ - إبداعاً لأفاهيم جديدة ، وهذا هو عمل الفلسفة تحديداً ، ويدل الأفهوم على توليد فعل التفكير في الفكر بما هو كذلك ، لأن الفكر ليس فطرياً ولا اكتسابياً ، بل هو توالُّدي أو تناسليّ. - ويعني التجديد في الأسلوب : إبداع لغة غريبة داخل اللغة ذاتها ، غريبة من حيث المفردات ، ومن حيث التركيب اللغوي أيضاً. - يصرّ "دولوز" على استقل

معنى الحياة

صورة
  كتب فرويد في إحدى رسائله إلى ماري بونابارت بعثها إليها: نكون مرضى بمجرد ما نبدأ في السؤال عن معنى الحياة وقيمتها، ذلك لأن الاثنين (المعنى والقيمة) لا وجود لهما من الناحية الموضوعية. ما نكون بصدده في هذه الحالة هو أننا ببساطة نبوح بأن لنا مخزونا غير مشبع من الطاقة الرغبية، مخزونا يحصل أن يضاف إليه شيء يشبه الاختمار فيفضي بنا إلى الحزن والكآبة. أخشى أن يكون تفسيري هذا غير مناسب؛ لكوني ربما صرت ممعنا في التشاؤم. أتذكر بالمناسبة أكثر الوصلات الإشهارية الأمريكية وقاحة وشعبية. إنها تقول: 'لماذا يتعين عليك أن تعيش إذا كانت مراسم دفنك لا تزيد عن عشرة دولارات؟ !'

قصة عادية \ ايفان غونتشاروف

صورة
  كان يخشى المدّ الدوري المتناوب للسعادة والشقاء. المسرات لم يكن يتوقعها، أما المصيبة فآتية حتماً ولا مفر منها: فكل شيء خاضع للقانون للعام. كان يبدو له أن نصيباً متساوياً من السعادة والشقاء ينتظر الناس جميعاً. السعادة انتهت بالنسبة له وأيّ سعادة؟ وهمٌ باطل و خداع. المصيبة فقط، واقعية و حقيقية، وهي آتية لا محالة. هناك الأمراض والشيخوخة والخسائر المتنوعة، وربما الفاقة أيضاً ... لطمات القدر هذه كلها، تتربص به. والمتع والمسرات؟ لقد خدعته الأهداف السامية، وأنهكته الأعباء المضنية، التي يسمونها واجباً! بقيت المنافع التافهة - النقود، الراحة، الرتب والمناصب ... أنا في غنى عنهم! آه، إنه لأمرٌ محزنٌ حقاً أن يتبين الحياة و يتعمق في سبرها دون أن يفهم الغاية منها!.

رسالة منطقية فلسفية \ لودفيج فتجنشتين

صورة
  إن موضوع الفلسفة هو التوضيح المنطقي للأفكار. فالفلسفة ليست نظرية من النظريات، بل هي فاعلية. ولذا يتكون العمل الفلسفي أساساً من توضيحات. ولا تكون نتيجة الفلسفة عدداً من القضايا الفلسفية، إنما هي توضيح للقضايا. فالفلسفة يجب أن تعمل على توضيح وتحديد الأفكار بكل دقة، وإلا ظلّت تلك الأفكار مُعتِمَة ومُبهَمة. والفلسفة مجالها هو الجانب الذي ما يزال موضع نزاع في العلم الطبيعي. فالفلسفة يجب أن تحدِّد مايمكن التفكير فيه، وبالتالي ما لا يمكن التفكير فيه. إنها تحدِّد ما لا يمكن التفكير فيه، وذلك من خلال ما يمكن التفكير فيه. إنها تشير إلى ما لا يمكن التحدث عنه، بكونها تُبيّن بياناً واضحاً عما يمكن التحدُّث عنه. وكل ما يمكن التفكير فيه على الإطلاق يمكن التفكير فيه بوضوح، وكل ما يمكن أن يقال، يمكن قولهُ بوضوح.

نظرية السيد والعبد عند هيغل

صورة
  الصراع للاعتراف والهوية الاجتماعية عملية التشكيل التاريخية ليست مسألة محض نظرية عند هيغل أي مسألة لا تحدث إلا في رؤوسنا. فنظرية هيغل عن السيد و العبد تُظهِر كيف كان يتصور مادياً تلك العملية التاريخية الخاصة بتطور الذات، أي : عندما يقف إنسانان وجهاً لوجه ينشأ بينهما توتر، لأن كل واحد منهما يريد أن يعترف به الآخر بأنه سيد الوضع، أي هو الذي يعرف الآخر. وقد شرح هيغل العملية التاريخية بالنموذج الآتي : في ذلك الصراع للاعتراف يخضع واحد للآخر، وتكون النتيجة التي نحصل عليها هي أن واحداً وهو الذي يكون الأعلى، يصير السيد، والذي يكون الأدنى يصير العبد، ويُجبر السيد العبد ليعمل له. وهكذا ينشأ تطور مشترك يعمل فيه الإنسان ( العبد ) على حراثة الطبيعة، والطبيعة المحروثة بدورها تُغيّر الإنسان. وعندما يحرث العبد الحقلَ ينتج فائض مادي يؤمن القاعدة لطرق عمل وأدوات أفضل مما يؤدي من جديد لأفضل حراثة للطبيعة، وهكذا دواليك.  تفاعل السيد - العبد هو علاقة ديالكتيكية، بمعنى وجود علاقة ديناميكية مشتركة ومتبادلة بين الذاتين. فليس السيد سيداً إلا لأن العبد ( وكذلك السيد ) يقبل السيد كما هو، والعبد عبداً لأن السيد

من أكثر المغالطات المنطقية انتشارا \ ريتشارد دوكنز

صورة
  من أكثر المغالطات المنطقية انتشارا - أو لنقل الإنحيازات النفسية - هي أننا نميل دوما لتفسير الأمور بما نعرفه، أو نظن أننا نعرفه..  كمثال بسيط: لو قيل لنا أن فلانا سيزورنا غدا، ثم جاء الغد ونحن جالسون سمعنا صوت جرس الباب يدق، فسنفترض فورا - وربما بلا تفكير - أنه فلان واقف بالخارج؛ ليس لأننا رأينا أو سمعنا، ولا لأن هناك "دليل منطقي" يثبت أنه بالتحديد فلان وليس علان، ولكن ببساطة لأن هذا ما صرنا نتوقعه مسبقا..  حتى هنا لا مشكلة كبيرة، فغالبا توقعنا سيكون في محله؛ وحتى لو كنا مخطئين ولم يكن فلان هو القادم، فسنكتشف ذلك بسرعة ما أن نفتح الباب، وانتهينا..  ولكن تخيل لو أن ما قيل لنا هو : سيزوركم غدا تنين مجنح؛ ثم بوقتها سمعنا الباب يدق - ماذا نتوقع وقتها؟  هنا سننقسم إلى فريقين: الأول سيتشكك في منطقية الإدعاء العجيب، ويفترض أن الطارق حتما إنسان عادي.. والثاني ربما يصدق الإدعاء الخارق، بل وربما يعتبر أن سماع الطرق نفسه دليل على صحة ذلك الإدعاء..  وربما الثاني سيبادر الأول متحديا: طالما لا تعرف من الطارق، فعليك أن تستسلم وتعترف أنه قطعا تنين كما قيل لنا- وكأنه ليس ثمة احتمالات أخرى مم

الوجودية مذهب إنساني \ جون بول سارتر

صورة
  الإنسان ليس قبل كل شيء، إلا مشروعا يعيش بذاته و لذاته. و هذا المشروع سابق في وجوده لكل ما عداه… فالإنسان هو ما شرع في أن يكون، لا ما أراد أن يكون. لان المعنى العادي للإرادة هو كل ما كان قرارا واعيا،و هو بذلك لاحق بوجوده لقرار سبقه. فانا أستطيع أن أريد الانتساب لأحد الأحزاب، أو أريد تأليف كتاب أو أريد الزواج، و كل ذلك ليس إلا مظهرا من مظاهر اختيار أصلي أكثر بساطة و أكثر طبيعية مما نسميه إرادة. فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر فالإنسان إذن مسؤول عما هو كائن. فأول ما تسعى إليه الوجودية هي أن تضع الإنسان بوجه حقيقته، و أن تحمله بالتالي المسؤولية الكاملة لوجوده. و عندما نقول إن الإنسان مسؤول عن نفسه لا نعني أن الإنسان مسؤول عن وجوده الفردي فحسب بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس و كل البشر. إن لكلمة “ذاتية” معنيين  إن أعداءنا يسيئون استعمال هاتين المعنيين عن قصد، إن كلمة “ذاتية” تعني من جهة أولى : انتقاء الفرد بنفسه و من جهة أخرى تعني : استحالة تامة تواجه الإنسان إذا أراد أن يتعدى ذاتيته. و إن المعنى الأخير هو المعنى العميق الذي تعتمده الوجودية… عندما نقول إن الإنسان يختار نفسه نعني بالت

الألم \ تشيخوف

صورة
  رائعة تشيخوف عن الألم: تتحدث عن فلاح عجوز ـ إنسان ـ حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها. وفي الطريق الطويل، بدأ الرجل يتحدث، يفضفض، كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة، التي عاشت معه طوال أربعين عاما في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت الآن.. أحس أنه كان قاسيا معها طوال السنوات الماضية، وأن عليه، الآن، أن يعاملها بلطف ولين، وأن يُسمعها الكلمات الطيبة، وقال لها إنه ظلمها، وأن الحياة أيضا ظلمتها، لأنه لم يجد الوقت، في حياته اليومية، ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها ابتسامة صافية رقيقة كالماء أو يعطيها لحظة حنان! وظل الرجل يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق، والكلمات تحفر لها في النفس البشرية.. مجرى، كما يحفر الماء المتساقط على الصخر.. خطوطا غائرة. ليعوضها ـ بالكلمات ـ عما فقدته خلال الأربعين عاما الماضية، من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية وأخذ يقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها عندما وصل المدينة، نزل من المقعد الأمامي ليحمل

من دروس الفلسفة الوجودية

صورة
  كان "جان فال" الفيلسوف الفرنسي المعاصر خارجاً من قهوة ( فلور ) في باريس حينما التقى به بعض الطلبة وسألوه : بالتأكيد أنت الاستاذ الوجودي ؟  فأجاب على التو : لا. واتجه في طريقه غير مبالّ بهؤلاء الشبان ومعاكساتهم المستمرة لجماعة المفكرين الأحرار. ولكنه لم يأخذ مكانه المريح إلى جوار المدفأة في بيته، حتى استعاد في ذاكرته ما مر به أثناء مقابلته لهؤلاء الشبان، وراح يتساءل عن السبب المباشر الذي دعاه لأن يجيب بالنفي حينما سئل هل أنت وجودي أم لا ؟ إذ الواقع والمعروف أن (جال فال ) من المنتمين لهذه الفلسفة بأفكاره وكتاباته، بل ويعد من أهم المؤرخين لها على ندرتهم. فانتهى تفكيره وتعليله إلى سبب قريب : فهو لم يملك الوقت لإعمال الذهن في إجابته حينما قوبل فجأة بهذا السؤال، ولكنه لاشعورياً كان يحس بالابتذال في الكلمات المنتهية بالياء المشددة دلالة على الانتساب إلى جماعة بالذات أو مهنة معينة. فهذه الكلمات تبدي برأيه تعميماً مبهماً. إذ أن الفلسفة الوجودية إنما جاءت مناقضة لتلك الحركات الجماعية وتلك الفلسفات التي تدعو إلى صب الناس في قوالب معينة، من ناحية الاعتقاد والتفكير وأسلوب الحياة ونوع ال