المشاركات

عرض المشاركات من 2020

الإصغاء و الخلوة مع الذات \ إريك فروم

صورة
   يُبين "إريك فروم" في كتابه "الإنسان من أجل ذاته" أن شرط الوجود الاجتماعي هو الوجود في البيت ! وشرط الإصغاء إلى الآخر هو الإصغاء إلى الذات. وإصغاء المرء إلى نفسه يواجِه في ثقافتنا الحديثة صعوبات جمّة. يقول فروم : "إن إصغاء المرء إلى نفسه شديد الصعوبة لأن هذا الفن يقتضي قدرة أخرى نادرة في الإنسان الحديث ، هي قدرة المرء على أن ينفرد بذاته ، ونحنُ في الحقيقة أنشأنا رهاب الانفراد ، ونفضِّل أتفه صحبة أو حتى أبغضها ، على أن ننفرد بأنفسنا. أعتقد أن الخوف من أن نكون وحيدين مع أنفسنا هو إلى حد ما شعور بالارتباك ، فنضيع بذلك فرصة الاستماع إلى ذواتنا ، ونستمر في جهلنا لأنفسنا".  على أنه لا مفرّ للإنسان الذي يود أن يتقدم في الحياة من أن يفهم نفسه بعمق إذا أراد أن يفهم الذين حوله و يفهم العالم. فالمعرفة النفسية ليست اختصاصاً قد نميل إليه أو لا نميل ، بل هي ضرورة لنا جميعاً مهما كانت توجهاتنا. يقول فروم : "كيف للمرء أن يعرف العالم ؟ كيف للمرء أن يعيش ويستجيب كما ينبغي إذا كانت تلك الأداة التي ستعمل ، والتي ستقرر ، مجهولة بالنسبة إلينا ؟ نحن المرشد والقائد لهذا (

المواقــف العبثيـــة \ علي خليفة

صورة
  المواقف العبثية هي مواقف لا تخضع للمنطق والعقل، ويتم فيها حدوث أفعال غريبة تثير الدهشة، وتدعو للضحك. وكثيرًا ما نرى هذه المواقف العبثية في مسرحيات كتاب العبث، وأكثر مسرحيات كتاب العبث تقوم على مواقف عبثية تدعو للضحك في ظاهرها، ولكنها في باطنها وعند تعمق دلالاتها نرى أنها تشير إلى كثير من أزمات الإنسان في العصر الحديث، ومنها تفسخ العلاقات الإنسانية، وعدم قدرة الإنسان على التواصل مع أحد؛ ولهذا فإنه ينعكف على نفسه  – كما نرى في مسرحية "شريط كراب الأخير" لصمويل بيكيت –  وقد يقوم هو بنفسه بعمل سواتر تعزله عن غيره؛ لأنه لا يرى جدوى من تواصله مع أحد – كما نرى في مسرحية "الساكن الجديد" ليونسكو –. والحقيقة أن المواقف العبثية هي أساس الكوميديا في مسرحيات كتاب العبث، ولكننا نرى فيها عناصر كوميديا أخرى، مثل الأنماط الكوميدية، كنمط الجارة الفضولية الثرثارة التي نراها في مسرحية "الساكن الجديد" ليونسكو، وكذلك نرى من عناصر الكوميديا  في هذه المسرحيات توظيف المفارقة، والتكرار، وغير ذلك. ونرى في بعض المسرحيات لغير كتاب العبث بعض المواقف العبثية  في بعض المسرحيات التي كتبو

أجمل غريق في العالم \ غابرييل غارسيا ماركيز

صورة
  لما رأى الأطفال، أول مرة، ذاك الانتفاخ الداكن و المائج يقترب إلى وسط البحر، ظنوه سفينة من سفن الأعداء، ولكنهم ، حين رأوا أن لا وجود لأية صارية ، ولا لعلم ، تصوروه حوتا، ولكنهم بعد أزاحه الماء إلى الساحل الرملي ، و بعد أن قاموا بتنظيفه من الأعشاب و الحراشف والأصداف وبقايا السمك ، تأكدوا أنه رجل غريق. شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثة يوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلون نَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث. أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَ إلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الرجال،لآخرين، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَ حصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم: "ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحت البحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه." عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدوا أنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربت قدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت. كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌ من الطين و الأسماك. لم يكن من

على متن الريح / أسعد الجبوري

صورة
  دونكيشوت:كيف يصبح المرءُ واقعياً يا سانشو؟ سانشو:عندما يموت.فالقبر هو آخر الوقائع كما تعلمت ذلك يا سيدي الدون. دونكيشوت:ومتى يبدو المرء رومانسياً ؟ سانشو:وقتما تشيخ عضلات قلبهُ ،بحيث تسكن العواطف مثل الملابس على هي تلك الحبال التي كانت لا تحركها الريح في أيام العنفوان. دونكيشوت:وكيف يصبح المرء اشتراكياً؟ سانشو:عندما تصفرُ الريح بجيوبه ،ويكون من رموز الصعاليك. دونكيشوت:ومتى يرى المرءُ نفسه سريالياً يا سانشو؟ سانشو:السريالية هي أن يمضي حذاء الشخص في  المسير وحيداً دون صاحبه ،بعد أن تسقط المواطنةُ في الوحل، ويسقطُ المواطنُ مغشياً على الأرض.  دونكيشوت:الآن أدرك لماذا أفضلُ الليلَ مؤرخاً على النهار. سانشو:إنها لمفارقة يا سيدي الدون !! دونكيشوت: كأن يكون  الأعمى  مؤرخاً أم ماذا ؟!! سانشو:بالضبط يا سيدي الدون.ذلك هو السؤال ! دونكيشوت:لا تظنن بأن للوطن أو للمواطن ليلاً واحداً وينتهي الأمر عند حدود ذلك الزمن . سانشو:وكيف تفسر لي ما ذهبت إليه في كلامك الغامض يا سيدي الدون؟ دونكيشوت:ليس من غموض هناك. فما أن أصبح المواطن من تابعية الليل وخزائن أسراره،حتى تراه وقد اختصر مهنة الحياة بتتبع حوادث ال

نصوص من أجل لا شيء \ صمويل بيكيت

صورة
  لا أحد غيري، في هذه الأمسية، هنا، على الأرض، وصوت لا يصدر ضجَّة لأنه يمضي نحو العدم، رأس مشتت، ذراعان ممددتان نحو الأسفل وجثث تقاتل بحيوية، وجسد قد نسيته تقريباً، هذا المساء، أقول هذا المساء، وربما هو الصّباح، وكل هذه الأشياء، أي أشياء؟ تلك التي تدور حولي، لن أنكر وجودها بعد الآن، ذلك لم يعد منطقياً، أن كانت الطبيعة، لربما هي أشجار وطيور، فهما يتلائمان سوية، الماء والهواء كي يمضي كل شيء، أنا لست بحاجة لمعرفة التفاصيل، ربما أنا جالس تحت نخلة، أو هي غرفة، مزودة بالأثاث، كل المتطلبات لجعل الحياة مريحة، مظلمة، لوجود الجدار الذي يقابل النافذة. ما الذي أفعله، أتكلم، أترك أنسجتي تتحدث، لا يمكن أن يكون شخصًا غيري أنا. نوبات من الصمت أيضاً، رؤية الجهد الذي ابذله كي أكون منطقياً. هنالك حياتي، لما لا، هي حياة، أن شئت ذلك، أن توجب عليك ذلك، هذه الأمسية أنا لن أقول لا. ويجب أن يكون هناك واحدة، على ما يبدو، حين يكون هنالك حديث، لا حاجة لوجود قصة، القصة ليست إلزامية، فقط الحياة، تلك هي الغلطة التي ارتكبتها، أحدى الأخطاء، حين رغبت بقصة خاصة بي، في حين أن الحياة وحدها تكفي. أنا احرز تقدم، انه الوقت ا

فريدريك نيتشه ضدَّ العقل

صورة
  - منذ العصور الغابرة كان العقل سلطاناً في نظر الفلاسفة ، لا مرد لحكمه ، ولا ريبية في قوانينه ، يحسبونه الحاكم الأوحد للوجود ، وهذا - برأي نيتشه - أدى بالفلسفة إلى الانحطاط. وبما أن المنطق هو علم العقل ، فإن نيتشه ينسف قوانينه ومبادئه ، ويراها وهم لا يمت للحقيقة بصلة. فالعقل اخترع هذه المبادئ ( الشيء ، الجوهر ، الغائية ، العلية ، الخ ) لتعينه على التفكير. وبما أنه محتاج لتلك المبادئ فهو إذن ناقص. - وبعد اكتشاف نيتشه لهذا الخلل والنقص في العقل ، يقوم بتحليل ما يسمى قوانين العقل أو قوانين الفكر. وأولها : قانون "الهوية" أو "الذاتية" الذي يعتبر أن الشيء يبقى هو هو ، ثابت جامد ، لا تحركه الصيرورة. وهذا القانون باطل - برأي نيتشه - لأنه لايصح أن يظل الوجود هو هو ، إنما الوجود صيرورة دائمة ، وما افتراض العقل لقانون الذاتية سوى أنه - أي العقل - لايدرك إلا الصيغ الدالة على استمرار الشيء على الحال ذاته. - أما القانون الآخر وهو قانون "عدم التناقض" الذي ينص على أن الشيء لايمكن أن يتصف بصفة ونقيضها ، فيعتبره نيتشه وهم أيضاً لأننا عاجزون عن القيام بتلك العملية بعقلنا وح

الفلسفة الطاوية

صورة
   الطاوية هي فلسفة وديانة صينية شعبية رغم وجود جدل واسع حول بداية ظهور الطاوية، وحول شخصية مؤسسها، إلا أن جل الباحثين يرجعونها إلى الفيلسوف الصيني : لاو تزي و الذي قام بتأليف كتاب الـ  ( طاو طي جنغ  )  هو الكتاب الذي تعتمد عليه الطاوية بشكل رئيسي و الذي يُعتبر رموزا غامضة لا يمكن أن تُفهم إلا على ضوء الشروح الموضِّحة؛ و يعتبر (شوانغ تزي) هو المؤسس الثاني الطاوية  مبادئ الفلسفة الطاوية : -ترتكز الفلسفة الطاوية على مبدأ  الـ ( طاو  ) الأبدي، وإليه تنسب، فجميع المفكرين الصينيين قد أخذوا بفكرتي  الـ ( طاو ) و الـ ( يانغ  ) و الـ  ( ين ) بأشكال مختلفة تتناسب ورؤيتهم الفلسفية للإنسان والمجتمع. -قدمت فلسفة لاو تزي" علي أن الخلاص لا يمكن أن يتحقق بمحاولة إصلاح الأوضاع العامة و بالعمل الاجتماعي ، وإنما يكون بالابتعاد عن الحياة الاجتماعية، هذا الخلاص هو خلاص فردي منبعث من داخل النفس الإنسانية المنصاعة لقيادة الـ(طاو ) Dao - الأبدي السرمدي ،  -أما عن فلسفة "شوانغ تزي" فقد قامت أيضًا على أساس مبدأ وحدة الإنسان مع  الـ ( طاو  ) حيث يرى فيها تحقيق الحرية الفردية المؤدية إلى التحرر ال

إدجار آلان بو / قصة : القلب الوافي المترجم : نادية فريد

صورة
  مجنون .. مجنون، هذا هو ما ينادونني به.  إنني حقاً عصبي.. شديد العصبية. ولكن لماذا يقولون إنني مجنون ؟!   هذه الحمى التي أصابتني العام الماضي.. أصابت حواسي بالحدة ولكن لم تدمرها، بالاضافة إلى ذلك أصبحت حاسة السمع عندي أقوى الحواس، فأنا أسمع أشياء في السماء والأرض، بل أنني أسمع أشياء كثيرة في الجحيم، فكيف بالله عليك أكون مجنوناً .  اسمع وسوف ترى بنفسك كيف أبدو هادئاً وأنا أقص عليك القصة بأكملها.  من المستحيل أن أتبين كيف وردت هذه الفكرة على ذهني أول مرة، ولكنها قفزت إلى ذهني فجأة، وأخذت تلح عليّ ليلاً ونهاراً. ولم يكن هناك في الحقيقة أي مبرر للأفعال التي وردت على ذهني - (القتل)  إنني أحب الرجل العجوز، فقد قمت باستئجار سكن بمنزله، وهو لم يغالطني أبداً، كما لم يؤنبني قط. حقاً أن لديه ذهب كثير، ولكني لا أريده.  أعتقد أنها كانت عينه، كانت عينه هي التي تزعجني. فأنت ترى احدى عينيه طبيعية ولكن الأخرى تشبه عين النسر ! .. كانت زرقاء باهتة عليها غشاوة. وكلما نظرت هذه العين نحوي، أشعر بدمي يجري بارداً وهكذا.. وبالتدريج. وبعد كثير من التفكير - عقدت العزم.. أنني سأقتل الرجل العجوز. وبالتالي سأتخلص

رحيل برنار ستيغلرالمتمرّد الذي أدركته الفلسفة في سجنه

صورة
  _ أبو بكر العيّادي / صحيفة العرب اللّندنيّة  هو رجل غادر التعليم مبكرا، ليشارك الطلبة تمرّدهم أثناء ثورة مايو 68، ثم مارس عدة أعمال هامشية قبل أن ينحرف ويدخل السجن. في سجنه اكتشف الفلسفة وراح يدرسها بتشجيع من جاك دريدا، ولما غادر السجن صار مفكرا يساريا ينتقد بشدة انحرافات المجتمع الليبرالية، ويجري بحوثا عن تحولاته من خلال المنظومة الرقمية. إنه الفيلسوف جورج ستيغلر الذي وافته المنية فجأة الخميس الماضي عن سن تناهز الثامنة والستين.  أبو بكر العيادي عرف برنار ستيغلر (1952-2020) كفيلسوفٍ يساري بارز ركز بحوثه على دور المستحدثات الرقمية في التحولات المجتمعية، وناقدٍ شرس للنظام الرأسمالي وانحرافات المجتمع الليبرالية، ولكن قلة قليلة تعرف أن حرفة الفلسفة أدركته في السجن، وأن مسيرته لم تكن مجرد نهر طويل هادئ، يبدأ بالدراسة وينتهي بالشهائد والمؤلفات وشغل المناصب. فقد هجر مقاعد الدراسة في سن السادسة عشرة لينضم إلى الطلبة الثائرين في ما عرف بثورة مايو 68، وكان قد بدأ يكتشف ماركس وتروتسكي، ثم انخرط في الحزب الشيوعي للدفاع عن البروليتاريا، ولكنه ما لبث أن انسلخ عنه عام 1976 تنديدا بـ"ستالينية&q

المَوتُ رؤية فرويديَّة

 لم تكن نظرتنا للموت نظرة سليمة أبداً ، وكنَّا بالطبع نسلِّم بأن الموت هو النهاية الضرورية للحياة ، وأن كل واحد منا مَدين للطبيعة ، وينبغي أن يتوقَّع أنه في يوم من الأيام سيُوفِّي الدَّين. وبالاختصار : فالموت شيء طبيعي لاسبيل للإفلات منه ، ومع ذلك فقد تعوَّدنا أن نتصرف كما لو كان الأمر بخلاف ذلك ، ونظهر من السّلوك الواضح ما يستشفّ منه أننا قد استبعدنا الموت من الحياة ، ووضعناه على الرَّف ، وأخرسناه ، وصرنا نحاول التفكير في أشياء أخرى تصرفنا عن التفكير بالموت. - وبالطّبع فإن الموت الذي نتحدث عنه إنما هو موتنا نحن ، ولكننا في الواقع لا نفكِّر فيه على أنه موتنا نحن، بل إننا كلما تخيلناه تدافعت صوره في مخيلتنا بوصفنا مُتفرجين ، ولذلك فإننا قلنا - من خلال التحليل النفسي - أننا في أعماقنا لا نعترف بأننا سنموت ، وأننا بمعنى آخر نعتقد - في لاشعورنا - أننا خالدون. - أما عن موت الآخرين ، فكل إنسان مُتحضِّر يتجنب الحديث - قدر المستطاع - عن موت الآخرين على مسمع منهم ، اللّهم إلا إذا كان محامياً أو طبيباً أو شيئاً من هذا القبيل ، إذ أن على أولئك أن يتعاملون مع فكرة الموت من وجهة نظر مهنية. وفي

الجانب الصوفي في الفلسفة الإسلامية للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

صورة
 أثر هذه النظرية في الفلسفة المدرسية اليهودية والمسيحية، وفي بعض فلاسفة العصور الحديثة، وفلسفة اليهود في القرون الوسطى، أو بعبارة أدق الدراسة اليهودية الفلسفية في ذلك العهد هي في الواقع صدى للفلسفة الإسلامية، واليهود هم خلفاء العرب على تراث أرسطو والفلاسفة الآخرين، وقد فازت الفلسفة على أيديهم منذ القرن الثالث عشر الميلادي فوزاً عظيماً، وأضحوا أنصارها طوال القرون الثلاثة التالية حين خذلتها الشعوب الأخرى، فأخذوا الأفكار العربية أو المعرَّبة ونقلوها إلى لغتهم وتدارسوها فيما بينهم، وتتلمذوا لفلاسفة الإسلام تلمذة صادقة مخلصة، ودون أن نستقصي هنا كل مفكريهم نكتفي بأن نشير إلى شيخهم الأعظم وأستاذهم الأكبر موسى بن ميمون الذي يعد بحق الممثل الأول للفلسفة اليهودية المدرسية، وإذا ما ذكر ابن ميمون ذكرت الفلسفة الإسلامية على الفور، فقد اعتنق كل نظرياتها تقريباً، وصادفت نظرية السعادة بوجه خاص من نفسه هوى، ووجد فيها مجالاً فسيحاً للتوفيق بين الفلسفة والدين، فهو يعتقد أن البحث والثقافة سبيل الكمال الإنساني، وأن العلم هو العبادة الحق التي يستطيع العبد التقرب بها إلى ربه وكشف الحقائق الغامضة؛ وكلما أمعن

نوافذ على اللاّشيء/ إميل سيوران

صورة
نوافذ على اللّاشيء(غاليمار، 2019) هو العنوان الذي اختاره المترجم نيكولاس كافاييس لتقديم آخر أعمال إميل سيوران (1911 -1995) التي كتبها باللغة الرومانية، قبل تحوّله نهائياً إلى الكتابة بالفرنسية، وهو عمل يُنشر له لأوّل مرّة نقلاً عن إحدى المخطوطات المحفوظة بعد وفاته، ويضم شذرات كتبها سيوران في ذروة أزمةٍ داخلية طويلة، ثمّ تخلّى عنها في صيغتها الخام، أو لم يهتمّ بمراجعتها ونشرها فيما ذلك، وهي تعود إلى الفترة ما بين 1943-1945، وربّما كتبت في عام 1944، وهي فترة غزيرة الإنتاج، خصوصاً بين عامي 1940 و1946، كتب خلالها سيوران أربعة أعمال متتالية دون أن ينشر منها أيّ كتاب. جمعت مخطوطةُ الكتاب 300 ورقة منفصلة، محفوظة في المكتبة الأدبية جاك- دوسي بباريس. والترقيم الذي وضعه سيوران على هذه الصفحات- وهي دليل على أنّه كان ينوي تأليف كتاب رغم غياب أيّ تقسيم للفصول أو الأجزاء – تمتدّ من الصفحة 1 إلى 314، ضاعت منها بعض الصفحات، أو مُزّقت وسُحبت من المجموعة. ومن المحتمل أن هذا الكتاب جاء بعد الانتهاء من تأليف “كتاب أدعية المهزومين” وكتاب “من فرنسا”، كما يبدو أنه كُتب قبل “هذيانات” الذي بدوره يطفح بخيبة الأ

حوار فرنسيس لوكونت / مجلة الدوحة

صورة
علينا أن نتعوَّد على العيشِ باللايقين حوارٌ مع "إدغار موران"  ( حتى وهو في معزلهِ الصحي ببيته في مدينة "مونبلييه" يبقى الفيلسوف إدغار موران وفياً لنظرته الشمولية للمجتمع. إن هذه الأزمة حسب رأيه يجب أن نتعلم منها كيف نفهم العلم بشكل أفضل ، وأن نعيش باللايقين ، وأن نستعيد شكلاً من الأنسنة ).   - ألقت جائحة الفيروس التاجي فجأة بالعلم في قلب المجتمع.  فهل سيخرج هذا الأخير مختلفاً من هذه الأزمة ؟ 🎤 مايثيرني هو أن قسماً واسعاً من الجمهور كان يعتبر العلم سجلاً للحقائق القطعية واليقينيات غير القابلة للدحض. فقد كان الجميع مطمئناً وهو يرى الرئيس الفرنسي وقد أحاط نفسه بمجلس علمي. لكن مالذي حصل ؟ لقد انتبهنا بعد برهة إلى أن هؤلاء العلماء يدافعون عن وجهات نظر متباعدة جداً ، بل أحياناً متناقضة ، سواء تعلق الأمر بالإجراءات الواجب اتخاذها ، وبالعلاجات الجديدة المحتملة للتعاطي مع حالة الطوارئ ونجاعة هذا الدواء أو ذاك ، والمدة الزمنية التي تستغرقها التجارب العلاجية التي سيقع اعتمادها. كل هذه القضايا الخلاقة تزرع الريبة في أذهان المواطنين. - هل تقصدون بأنه من المحتمل أن يفقد ال

في سُكون العقل / سينيكا

صورة
 نحن جميعا موثّقون بالسلاسل إلى القدر؛ أحدنا وثاقه واسع مصنوع من الذهب، في حين أن وثاق الآخر قصيرٌ وصديء. ما الفرق و السجن نفسه يحيط بنا جميعا. بل وحتى أولئك الذين قيّدو غيرهم هم أنفسهم مقيّدون؛ إلا إذا ما كنت اعتباطاً تظن أن الأغلال على الجانب الآخر أخفّ وزنا. يكبّل الشرف أحد الرجال، وتكبّل الثروة آخر. تُرهق عراقة الأصل البعض، ويُرهق تواضعه آخرين. تعتقل البعض قوة خارجية، في حين يَقبعُ غيرهم تحت حُكم الطُغاة في دواخلهم. يجمع المنفى أحدى الفئات، ويجمع الكهنوت أخرى. الحياة كلّها استعباد. ولذلك حقيقٌ على كلّ منّا أن يألف ظروفه، ويتذمر منها بأقل قدر ممكن، و يستمسك بكل ماهو خيّر في متناوله. 

الفلسفة في مواجهة أزمات الواقع بقلم / كه يلان مُحمَد

صورة
 احتدمَ الجدل في بدايات القرن العشرين حول دور الفلسفة في العالم المُعاصر الذي صار عنوانه العريض التطور العلمي وما حققته البشرية من اختراقات كبيرة في مُختلف المجالات، وهذا ما وضع مصير الفلسفة على المحك، حيثُ ذهبَ البعضُ إلى إعلان موت الفلسفة كون العلم بديلاً لهذه الحرفة الفكرية. إضافة الى أنَّ التخصص أصبحَ سمةً لِمُقتضيات الحياة الحديثة. وفي هذا السياق يقولُ جون ديوى: «كنتُ أسعى إلى أن أطيل عمر الفلسفة، لكن كلمتين أصبحتا قريبتين من الناس - الديمقراطية والعلم - أسدلتا الستار على مهنة الفيلسوف». وكان الكاتب العراقي علي حسين قد أورد في كتابه «دعونا نتفلسف» ردَّ بتراند راسل على زعيم البراغماتية الذي يعتقدُ بأنَّ مُعظم المعارف العلمية والتربوية والسياسية تبحثُ عن مسوغاتها في الفلسفة فبالتالي إنَّ الحديث عن وصول الفلسفة إلى درب مسدود ليس إلا افتراضاً خاطئاً. وما يؤكدُ صحة رأي بتراند راسل هو توالي الإصدارات الفلسفية التي تُناقشُ أطروحات الفلاسفة في شأن مفاهيم حياتية راهنة. وهنا، يأتي السؤالُ عن السعادة والقلق على المكانة والخوف من المُستقبل والحب في صدارة ما يهتمُ به المُتابعون الحقل الفلسفي.

فلسفة الجمال عند هيجل

صورة
‏جمال الفن عند هيغل هو تألق "الروح " .. وهو أكثر إشراقا من جمال الطبيعة .. فجمال الفن جمال مبدع مولود جديد للعقل .. ‏الجمال عند هيغل هو الجمال الفني الذي تبدعه الروح الإنسانية .. وليس جمال الطبيعة .. ولذلك يرفض النزعة الطبيعية في الفن التي تقلد الطبيعة كما هي .. ! ‏هل الفن محاكاة للطبيعة كما قال أرسطو ؟! يرى هيغل أن فن المحاكاة لا جدوى منه فيقول ..ما حاجتنا إلى أن نرى مناظر أو أحداث سبق لنا أن عرفناها و رأيناها .. ! و‏يقول ايضا .. الأساليب المعتمدة في الفن محدودة لا تقدم سوى جانب من الواقع .. وتغفل جوانب أخرى .. وحتى لو أراد الفن تقليد الطبيعة فسيظل دون مستواها .. ! ‏يرى هيغل أن متعة الفنان المحاكي للطبيعة متعة زائلة غير حقيقية .. ينتفي فيها الإبداع والمتعة الحقيقية .. لو أنتج شيئا صادرا عن إمكانياته الذاتية .. ! و‏يرى ايضا ان جعل المحاكاة هدفا للفن هو حرمان للفنان من حريته .. و قدرته على الإبداع .. فالنزعة الطبيعية لا تصلح أن تشكل القاعدة الجوهرية للفن .. ! ‏ لايمكن أن يحتكر الفن في المحاكاة .. بل ان الفنان ‏الذي يرسم لوحة .. هو نفسه الشاعر الذي يكتب القصيدة .. لابد أن

في إنتظار غودو / صامويل بيكيت

صورة
سنة 1948م كتب صامويل بيكيت أحد أهم أعماله الأدبية وهي مسرحية قصيرة تنتمي للمسرح العبثي عنوانها " في إنتظار غودو waiting for Godot" وهي مسرحية تدور حول شخصين ينتظران مجيء شخص إسمه "غودو" يفترض به أن يغير حياتهما للأبد، لكن يمضي اليوم الأول والثاني والثالث وبقية الأيام دون أن يحضر هذا المنتظر، وبالتالي تحولت حياتهما لمحطة إنتظار أبدية وعلقا في المنتصف بين ماضي يهربان منه والمستقبل المرتبط بحضور "غودو" ومعلق به. "غودو" موجود في حياة الكثيرين منا وهو مسؤول عن أكبر مستوى من هدر الحياة وفقدها على مستوى التاريخ البشري، قد يتجسد غودو على هيئة شخص ينسج الوعود وتتوقف الحياة في إنتظار قدومه أو لحظة قدر ننتظرها بفارغ الصبر أو تغيير في المواقف، الحصول على المال، أو تدخل علوي منتظر ... الخ، تتجمد الحياة عندها وتتحول إلى لحظة إنتظار أبدية لحضور "غودو" الذي قد لايحضر أبداً ! الإنتظار جزء من نظام الحياة وضرورتها لكن الخطر يكمن في إنتظار من قد لا يأتي أبداً عندها يجب أن يملك المرء الإرادة و القوة للتخلص من وجود "غودو" في حياته والتوقف عن إنتظار

أسطورة الموسيقى أورفيوس

صورة
‏أسطورة الموسيقي أورفيوس صاحب القيثارة التي عزف عليها معزوفات الحب الحزينة لزوجته الراحلة يوريديس ! ‏أورفيوس ابن ربة الشعر كاليوبي وأبولو إله الفن في الأساطير الإغريقية .. كان عازف القيثارة الذي لا يجارى ولم يقاوم سحر صوته وعزفه أحد ! ‏حين ذاق أورفيوس عذاب الفراق ذهب في مغامرة كبرى لاسترداد حبيبته من العالم السفلي .. حاملا قيثارته مؤمنا أنها ستحقق له المعجزات ولن يقاومها أحد ! ‏في رحلته الملحمية كانت القيثارة تلين لها القلوب حين يغني : " إستمع إلى مصيبتي إستمع إلى سبب مجيئي إلى هنا" وانتزع بها وعدا لاسترجاع يوريديس ! ‏كان الشرط الذي قبله أورفيوس ليعبر مع يوريديس الممر الفاصل بين عالم الأحياء والموتى .. ألا يلتفت خلفه ويقاوم أشواقه لرؤية وجه حبيبته الجميلة ! ‏كان أورفيوس لا يسمع صوت خطوات يوريديس .. ولا يحس لها وجودا خلفه وقاوم أشواقا في النهاية غلبته .. وما كاد يفعل حتى تلاشت يوريديس فاقدا إياها للأبد ! ‏ولم يجد أورفيوس الذي عاش هائما بلا وجهة إلا قيثارته معه ينشد الشعر الحزين عن مأساة حبه الضائع يوريديس .. ويعزفها ألحانا تنفطر لها القلوب ! 

الشخصية المدمِّرة / لفالتر بنيامين

صورة
قد يَحدث لشخصٍ يسترجع حياته١ أن يدرك أنّ معظم الالتزامات الأعمق التي كابدها في مسار تلك الحياة قد نشأتْ لدى أشخاصٍ يتّفق الجميعُ على امتلاكهم صفات «الشخصية المدمِّرة». ومن شأن ذلك الشخص أن يتعثّر بهذه الحقيقة يوماً ما، ربّما عن طريق الصدفة، وكلّما كانت الصدمة التي ألحقتْ به أثقل، تحسّنتْ فرصُه في تصوير الشخصية المدمِّرة. لا تعرف الشخصية المدمِّرة إلّا شعاراً واحداً: أفسِح المجال، ونشاطاً واحداً: إزالة الأشياء من المكان. إنّ حاجتها إلى الهواء المنعش والفضاء المفتوح أقوى من أيّة كراهية. الشخصيّة المدمِّرة شخصية مفعمة بالشباب والبهجة، فالتدميرُ يجدّد الشبابَ لأنّه يزيل آثار العمر، ويبعث البهجةَ لأنّ إزالة كلّ شيءٍ تعني للمدمّر اختزالاً تامّاً، بل حتى اجتثاثاً، لظروفه الخاصّة. لكنّ ما يسهم أكثر من أيّ شيءٍ آخر في تشكيل هذه الصورة العقلانيّة المتّسقة ( الأبولونيّة) للمدمِر هو إدراك المدى الهائل الذي يُبسّط به العالم عند اختبار استحقاقه للتدمير. هذا هو الرابط الأعظم الذي يضمّ ويوحّد كلّ ما هو موجود. إنّها نظرةٌ تتيح للشخصيّة المدمِّرة مشهداً من التناغم الخالص. يعمل المدمِر دائماً باب

بلد العميان لــ د. أحمد خالد توفيق

صورة
لو لم تكن قد قرأت ( بلد العميان ) فإنني أرجو أن تفسح لي صدرك قليلا .. كُتِبَت هذه القصة عام 1904 للكاتب هـ . ج . ويلز وتحكي عن مجموعة من المهاجرين من بيرو فروا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد غامض. انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم جميعا بالعمي وقد فسروا ذلك بانتشار الخطايا بينهم هكذا لم يزر أحد هؤلاء القوم ولم يغادروا واديهم قط لكنهم ورثوا أبناءهم العمي جيلا بعد جيل هنا يظهر بطل قصتنا ..( نيونز ) إنه مستكشف وخبير في تسلق الجبال تسلق جبال الانديز مع مجموعة من البريطانيين وفي الليل انزلقت قدمه فسقط من أعلي .. سقط مسافة شاسعة بحيث لم يعودوا يرون الوادي الذي سقط فيه ولم يعرفوا أنه وادي العميان الأسطوري لكن الرجل لم يمت .. لقد سقط فوق وسادة ثلجية حفظت حياته وعندما بدأ المشي علي قدمين متألمتين رأي البيوت التي تملأ الوادي . لاحظ أن ألوانها فاقعة متعددة بشكل غريب ولم تكن لها نوافذ .. هنا خطر له أن من بني هذه البيوت أعمي كخفاش راح يصرخ وينادي الناس لكنهم لم ينظروا نحوه .. هنا تأكد من أنهم عميان فعلا ... إذن هذا هو بلد العميان ال