المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر ٢٩, ٢٠٢٣

الجسد بين الذات و العالم \ ديوان نيتشه

صورة
  يتقدّم الجسد إلى الوعي كموضوع على الكثير من الطّرافة : فهو موضوع يسهُل الإقرار بوجوده / من مِنّا يُنكِر أن له جسد ؟ / كما هو موضوع يَسهُل إنكاره، وفي الحالة الثانية يلعب السؤال الفلسفي دوراً مصيرياً. يحترز أفلاطون ومعه عموم الفلسفة المثالية من كل ما يمثل أمامه مرئياً، لأن المرئي هو ظل ما يتوجب تأمّله، و أخطر المرئيات ( الجسد ) : إنه يمثُل بين الذات و العالم، مُدّعياً أنه الواسطة الضرورية بين الروح والأفكار التي تريد الذات تأمُّلها : إنه الشاشة التي تنعكس عليها التمثُّلات و ترتسم. لذلك كان الجسد بالنسبة إلى الفيلسوف المثالي مُزعِجاً، ولذلك أُعلِنت الحرب عليه في أكثر من عصرٍ و مجال، وتم سجنهُ في فضاء معرفي ضيّق جداً : إذا كانت الروح لا تقدر إلا أن تتجسد، إذا كان لابد على الوعي من عبور الجسد، فليكن ذلك في ( السِّر )، وعلى الفلسفة أن تُعلّمنا التخلُّص منه. إن تجربة وضع الجسد بين قوسين تؤكّد أنه يستحيل على الذات بأن تتقدم كروح خالصة، أن أعرف جسدي - في منظور ديكارت - يعني أن أتنازل عن صرامة المثالية، وذلك بأن أُقِرُّ ببعض دور للجسد يجعل معرفتي بالعقل أفضل، وهذه المعرفة بالعقل هي ما يسمح لي

خطاب خوسيه ساراماغو

صورة
  أكثر الرجال حكمة ممن عرفتهم في حياتي، لم يكن يتقن القراءة ولا الكتابة، يستيقظ كل يوم في تمام الرابعة فجراً هناك حيث كانت الأرض الفرنسية على موعد مع فجر جديد، ينهض من سريره ويخرج نصف دزينة من الخنازير إلى الحقل الذي كان يتعايش وزوجته من إنتاج محصوله. كانا يؤمنان قوت يومهما من بيع صغار الخنازير بعد الفطام للجيران في مزرعة "أزينهاغا" في مقاطعة "ريباتيخو". ذاك الرجل يدعى"هيرونيمو ميلرنيهو" وزوجته "خوسيفينا كايكسينخا" هما جداي، وكانا أميين. في فصل الشتاء، عندما يشتد البرد ليلاً حتى تتجمد المياه في مجاريها، كان ينتقيان الأضعف من بين صغار الخنازير حديثي الولادة ويصحبانها لتنام معهما في السرير، حيث كان دفء جسديهما تحت الغطاء السميك ينجي تلك الصغار الضعيفة من موت محتم. كانا شخصين طيبين جل ما كان يشغلهما هو تأمين قوت اليوم بطبيعة من يعيش حياته ولم يتعلم التفكير أبعد من أنفه. ساعدت جدي "هيرونيمو" مرات كثيرة في أعمال الحقل، حرثت أرض "هويرتو" القريبة من المنزل وقطعت الأخشاب للموقد، وأحياناً كثيرة قمت بتدوير العجلة الحديدية لتشغيل مضخة ال

الغلطة الأخيرة \ إحسان عبد القدوس

صورة
  كان دوره على المسرح لا يستغرق سوى دقيقتين.. أن يدخل إلى عيادة الطبيب ويضحك في سخرية ويقول: «لقد وجدت أخيراً العلاج الناجع، الذي عجز عنه الطب»، ثم يُخرِج مسدسا من جيبه، ويطلقه على رأسه.. ويموت.. ويبدأ الطبيب في سرد قصته التي تستغرق باقي فصول المسرحية.. دور صغير لايستغرق سوى دقيقتين.. يتقاضى نظير أدائه خمسين قرشاً عن الليلة الواحدة.. وقد كان في حاجة إلى أكثر من هذه الخمسين قرشاً.. كانت زوجه مريضة، وابنه مشرّد في الشوارع بعد أن طُرِد من المدرسة.. وصاحب الاجزاخانة، والبقال، وبائع اللبن وبائع العيش.. كلهم قد امتنعوا عن التعامل معه وأخذوا يطاردونه.. وصاحب البيت أنذره بالطرد إن لم يدفع المتأخر عليه.. و.. وهو في حاجة إلى خمسين جنيهاً دفعة واحدة.. وحالاً.. ليستطيع أن يستمر في الحياة.. ومنذ أسابيع وهو يلح على مدير الفرقة أن يقرضه هذه الخمسين جنيهاً.. ولكنه يرفض.. لقد عمل معه خمسة عشر عاماً طوالاً، وزامله في الأيام السود والأيام البيض.. ولكنه يرفض.. لم تشفع لديه زمالة السنين.. وهو لا يتعجب من رفضه.. فقد كان دائماً يرفض.. كانت هذه هي طبيعته.. الرفض.. ورغم ذلك فقد زامله خمسة عشر عاماً.. ربما لأنه