المشاركات

عرض المشاركات من فبراير, ٢٠٢٠

من مذكرات الأرقش/ ميخائيل نعيمة

صورة
ألا أغمضي عينيك أيتها الحريّة ،وأشيحي بوجهك عن الناس ثم لاتعجبي لهم،ولاتعتبي عليهم،ولاتدينيهم بجهلهم،ولا تحرقي شفاههم كلّما تلفّظوا باطلا بإسمك القدوس. فشفاههم لاتنطق بما في قلوبهم،بل بما يتمنون لو كان في قلوبهم. والّذي في قلوبهم هو الرِّق في أخسِّ مظاهره ومعانيه. رِقُّ الإنسان للإنسان.والذي يتمنون لو كان في قلوبهم هو روحك الطاهرة أيتها الحرية الطاهرة،السافرة،المقدّسة والمقدّسة. لذلك يمجِّدون إسمك بشفاههم ويدوسون جسدك بنعالهم. ولقد رأيتهم اليوم بعيني يسحقونك بأقدامهم ،وسمعتهم بأذنيّ يهتفون:يحيّ الملك! ومعنى ءلك :يحيِّ الرِّق! والموت للحريّة !فهم إذ يهتفون بحياة الرِّق لايدركون أنّهم بموتك يهتفون. وهم إذ يسيرون في موكب الرِّق لايعرفون أنّهم في جنازتك سائرون. ليس العبد من يباع ويشترى في سوق النّخاسة.وإنّما العبد من قلبه سوق للنخاسة. لذلك سكتُّ والناس يهتفون. 

أريد أن أقرأ شعراً / مهدي سلمان - البحرين

صورة
أريد أن أقرأ شعراً، كل قصيدةٍ لكل شاعرٍ منسيّ، أريد أن أملأ صدري بعواء الأصابع، وأقف على أطراف الليل المهدوم، ناظراً للسماء المثقوبة ببياض القمر. أريد شعراً خاسراً ومهزوماً، حاقداً ومهترئاً لأقرأه في حفرة روحي، أريدُ أبياتاً سقطت أسنانها الأمامية إثر لكمةٍ وحشية، قصائد مزقت الشمس أسمالها في صيفٍ قائظ، مخطوطاتٍ تعضُّ الترابَ، كأنها أنين الفريسة الأخير. أريدُ قصيدة أصرخها، أخمشُ بها إبهام الأبدية. يا كل القصائد المكتوبة على علب السجائر الفارغة، المحفورة على الأشجار الميتة، المطبوعة بحبر الوجع السريّ، المهملة في سلال الحدائق الذابلة. يا كل النصوص المصابة بالخرس المكابد. اشرحيني وشرّحيني، ضعي على فمي الآه الكونية التي لا أجرؤ على زفرها. أيها الشعر، البسيط جدا كتحية صباح، المهمل كطلب توظيف، ها أنت مرة أخرى محط سخرية الجميع، فقط لأنك لم تحظ بجائزة أو درجات عالية كتلميذ مجتهد... أكثر ما يعجبني فيك أنك لا تهتم، العالم كله يتحول عنك، ولا تهتم. كمنبوذ تركلك أقدام المارة، صدفة فقط يا صديقي. حتى أنهم لم يكترثوا بك ليركلوك عن سابق إصرار. وأنت أيها المسكين الجميل، بجنونك الغريب تسأل كل من

" ماذا علمتني الحياة " لــ د. جلال أمين

صورة
لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيي أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق. لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى ش

ماذا قال الشيطان للكاهن- دوستويفسكي 

صورة
قال الشيطان للكاهن : ” مرحبا أيها الأب الصغير السمين ! ما الذي جعلك تكذب هكذا على هؤلاء الناس المساكين المضللين؟ أي عذابات من الجحيم صورت لهم؟ ألا تعلم أنهم يعانون أصلاً عذابات الجحيم في حياتهم على الأرض؟ ألا تعلم أنك أنت وسلطات الدولة مندوباي على الأرض؟ إنك أنت من تجعلهم يعانون آلام الجحيم الذي تهددهم به . ألا تعلم هذا ؟ حسنا إذاً ، تعال معي !؟ شد الشيطان الكاهن من ياقته ، ورفعه عالياً في الهواء، وحمله إلى مكان سبك الحديد في مصنع . وهناك رأى العمال يركضون على عجل ذهاباً وإياباً ، يكدحون في الحرارة الحارقة . وسرعان ما يفوق الهواء الثقيل مع الحرارة احتمال الكاهن ، فيتوسل إلى الشيطان والدموع في عينيه : “دعني أذهب ! دعني أترك هذا الجحيم !”. ” آه، يا صديقي العزيز ، يجب أن أريك أماكن أخرى كثيرة ”. ويمسك به الشيطان مرة أخرى ويسحبه إلى مزرعة. وهناك يرى العمال يدقون الحبوب . الغبار والحرارة لا يحتملان . ويأتي المراقب حاملاً سوطاً، يهوي به بلا رحمة على كل من يقع على الأرض عندما يغلبه الإرهاق من العمل الشاق أو الجوع . وبعدها يأخذ الكاهن إلى الأكواخ التي يعيش فيها أولئك العمال مع أسرهم .

النصف / جبران خليل جبران

صورة
لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت،لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت. إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك. النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل،أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت، النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه. نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك،نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة ليست حقي

رسائل كافكا إلى ميلينا

صورة
" في هذه اللحظة أنا مشتّت وحزين ، أضعت برقيتك ، كيف حدث ذلك لا يمكنها أن تضيع ! إن ذلك سيئ ، إنني أبحث عنها، إنه خطؤك أنت ! لو لم تكوني بمثل ذلك الجمال لما اضطررت أن أحملها طوال الوقت معي " هذا مجتزأ من رسالة بعثها كافكا في 31 تموز (يوليو) 1920 إلى ميلينا فور سماعه بنبأ مرضها ، وفيها يتحدّث كافكا عن المرض مسهباً بعد المقدمة المجتزأة آنفة الذكر : « والآن ماذا قال عن الالتهاب على رئتيك ؟ لا أتوقّع أنه نصحك بالصيام أو حمل الأمتعة ؟ وهل نصحك بأن عليك أن تتحسّني لأجلي ؟ أم إنه لم يذكرني إطلاقاً ؟ » . كمّ الأسئلة في الرسائل المدوّنة عظيم ، لا تكاد تخلو رسالة من سؤال ! صحيح أنّه أمر بديهي في أي رسالة ، لكن مع كافكا تغدو المسألة أعمق ، فأسئلة كافكا تدور حول أشياء يعتقد القارئ لأعماله الأخرى أنه مُقدمٌ على كتابة الأجوبة على تلك الرسائل في شكل نصٍّ سردي . هذا ما يجعل التأمّل في لحظات كتابة كافكا لتلك الرسائل وحالته النفسانيَّة أمراً ملغزاً ودونما فائدة من دون استعمال التخيّل واستحضار جمال ميلينا التي التقاها للمرة الأولى في فيينا ، لتصبح فيما بعد المتنفس والحلم الأكبر لكافكا أو ر

الروائي ستيفان زيفايج " كازانوفا "

صورة
ان كل فنان حقيقي يعيش الجانب الاكبر من حياته منعزلا ، منطويا علي نفسه ، في صراع متصل مع عمله الابداعي .. وهو صراع يقتضيه الا يفرغ للتجربة المباشرة للحياة ، بل للتجربة غير المباشرة ، تجربة الحياة في خضم المخيلة .. لا يستطيع أن يمنح جماح نفسه للحياة ولذاتها المباشرة الصافية الا انسان بلا أبداع .. الحياة عنده غاية ، لا مجرد وسيلة للفهم والاحساس والخلق الفني . الفنان والشهوان لهما هدفان متعارضان : الفنان يطلب ما هو حق ، وما هو نور .. والشهوان يطلب ما هو حس ، وما هو حرارة .. الفنان يطلب ما هو باق .. والشهوان يطلب ما هو عارض .. وما جعل الله لامري من قلبين في جوفه .. ولن يخدم المرء سيدين في وقت واحد .. لذا كان علي من ينشد غاية ان يوجه كل طاقته الي بلوغها ، متخليا عن غيرها من الغايات . وقد اختار " جيته " و " روسو " ومن اليهما غاية الفكر والفن ، وأستأثر " كازانوفا " بغاية اللذة .. وكل ميسر لما خلق له ..! والمعهود في طلاب اللذات العارضة ، والمسرات اليسيرة ، ان يكونوا علي نقيض أرباب الفنون الموهوبين .. فهم عاجزون عن وصف تجاربهم ذات الاصداء والاطياف المتباينة ، و

أسطورة بيغماليون

صورة
تحكي الأسطورة أنه و قبل قرون طويلة، كان هنالك نحّات تماثيل يوناني بارع من قبرص يدعى بجماليون، كان يكره النساء، و كان يراهم مخلوقات ناقصة لا تصلح لأن يضيع وقته الثمين معهم. لكنه ولسبب ما صنع تمثالاً من العاج يمثل امرأة جميلة، ربما لأنه أراد أن يصحح نواقص النساء و يصنع نموذجه المثالي للأنوثة .. وكان التمثال جميلاً لدرجة أنه كان يبدو حقيقياً، حتى وقع النحّات في حبه، زين النحات تمثال المرأة باللباس الغالي واللؤلؤ و ألبسها أجود الأقمشة وأسماها جالاتيا، ولشدة حب النحّات لتمثاله تمنى لو تدب فيها الروح وتمنح الحياة، وذات يوم كان له ما أراد حيث حققت له الهة الحب أفرودايت أمنيته بعد ما رأت فيه من شوق و لهفة، فدبت الحياة في التمثال لتكون امرأة فائقة الحسن والجمال، حتى أحبها بيجماليون حباً جماً، لكنه بمرور الأيام، وقعت المرأة في حب شاب وسيم ولم تبادل النحات الذي صنعها الحب، فندم النحات على أمنيته، وتمنى لو تعود تمثالاً كما كانت فكان ما أراد، وما ان عادت تمثالاً حتى أمسك بفأس غليظة وأنهال على تمثال جالاتيا حتى هشمه الى قطع صغيرة وهو يبكي وينتحب حبه الضائع .. هذه الحكاية التي قد تبدو بسيطة أول

دوستويفسكي مذلون مهانون 

صورة
أما آن لهذه الشمعة أن تنطفئ ؟ سؤال تبادر إلى ذهنه بينما يرقد على سريره في غرفته وحيدا ، يلفظ أنفاسه الأخيرة مسلطا عيناه المجهدتين على شعلة الشمعة المتراقصة كان يراهن نفسه أنه مع إنطفاء هذه الشمعة ستنتهي معاناته ، و توضع نقطة النهاية لحياته . حاول أن ينهض عن سريره ، يريد أن يذهب إلى مكتبه الصغير كي يخرج مخطوطات رواياته ويتأملها ويقضي أخر لحظاته بصحبة أبطالها ، الأبطال الحقيقين أحيانا والخيالين أحيانا أخرى . إبتسم فور تذكره لرهانه القديم مع نفسه بأنه سوف يموت وحيدا يوما ما بينما يتصفح كتاباته وها هو يكسب الرهان . داعب الأوراق بأنامله قربها من أنفه كي يستنشق رحيقها ، دموعه الساخنة ترقرقت وإنهمرت على خديه الشاحبين ضم الأوراق إلى صدره محدقا إلى سقف الغرفة ، وبدأ يسترجع أحداث الرواية حكايته معهم ؛ مع أقرب خلق الله إلى قلبه . تذكر أليوشا ذالك الشاب السادج طيب القلب المسلوب الإرادة حث في الحب ، الشاب الذي عذب قلبه الشاب وعذب قلوبا أخرى معه ، شاب لا يدرى هل يحب أم يكره ، أيحب على قلبه البريئ الذي لا يخلو من طفولة صادقة و فطرة نقية وحب صافي أم يكره على ضعف إرادته و خنوعه لوالده ، آه يا أل

من المشهد الاول بالفصل الثاني من مسرحية بايزيد تأليف جان راسين

صورة
روكسان:لا لم اعد اريد شيئاً لا تثقل علي أكثر من هذا بحججك المتكلفة :اني أرى أي مدى يفصل بين رغباتك وخواطري. لم اعد أتعجلك أيها الجاحد على ان تستجيب لها عد الى العدم الذي انتشلتك منه على أي حال ماذا يعوقني وأي دليل آخر على عدم اكتراثي يمكنني ان أطالبه به ,هل تؤثر في هذا الغادر لهفتي في ارضاءه هل سيدخل الحب نفسه في اعتباراته آه اني أدرك نواياك ,انك تعتقد مهما فعلت أنا أن الاخطار التي تحيق بي تضمن العفو عنك وان ارتباطي بك بمثل هذه الروابط المتينة يجعلني لا استطيع ان افصل مصالحك عن مصالحي ولكن مازلت اجد مخلصاً لنفسي في طيبة أخيك انه يحبني كما تعلم ,وبالرغم من غضبه ان في وسعي ان اكفر عن كل ذنوبه ,في دمك الغادر ,وسيكون موتك كافيأ لتبرئة ساحتي حذاري ان يساورك الشك في هذا اني مبادرة لإنهاء هذا الأمر ,ففي هذه اللحظة بالذات أي بايزيد اصغ الي اني أحس بأني أحبك ,انك تسير الى حتفك حذاري ان تدعني أخرج ان الطريق مازال مفتوحاً أمامك للتوبة لا تبعث اليأس في قلب عاشقة غضبى اذا أفلتت كلمة من بين شفتي فعلى حياتك السلام. 

دينو ريزي في كتاب مذكراته"وحوشي"

صورة
"في الثالث والعشرين من ديسمبر ٢٠٠٣، بلغتُ السابعة والثمانين. لم أفكّر أنني سأتجاوز عتبة العام ٢٠٠٠. هذا تطلّب مني ان أعيد حساباتي من جديد. كلّ أصدقائي رحلوا. الكلّ أصغر مني سنّاً. أسأل نفسي عمّا اذا كانت مكافأة أم عقاباً ان أبقى حيّاً بعد رحيلهم. راجعتُ ضميري. لا أعتز بنفسي. كنت أبلهاً، خائناً، كذّاباً، منافقاً، غير محترم، مملاً، حزيناً، غيوراً، محبطاً. ولكن كنت أيضاً محبّاً، كريماً، حالماً، فرحاً، متردداً، جاهلاً، ساذجاً، مهذباً، نزيهاً. أحببتُ كثيراً الطبيعة، البحر، النساء، السينما، المسرح، السفر، الكتب، الموسيقى، النبيذ، الفراولة بالكريما، السباغيتي، الشوكولاتة الساخنة، المعجنات. بكيتُ وأنا أشاهد "مدينتنا الصغيرة" لثورنتن وايلدر في الـ"أوديون" ــ ميلانو، بكيتُ يوم اغتيال كندي، بكيتُ عندما مات الأمير اندره (في "حرب وسلم")، بكيتُ عندما مسكت بائعة الورد، التي لم تعد عمياء، يد تشارلي شابلن، في "أضواء المدينة". كرهتُ ستالين وماو تسي تونغ، كرهتُ "البطل" الذي وضع القنبلة في فيللا رازيللا، كرهتُ اريكا (١٦ سنة) التي قتلت أمها وش

من رسائل الأديب الانجليزي جورج برنارد شو إلى حبيبته كشاريل

صورة
العالم مكان قاسٍ جداً على الذين يشعرون بكل شيء بكل قوة مثلي، على الذين لا يعرفون كيفية التخلي، والذين لا يعرفون كيفية النوم ليلاً اثر ثقل خيبات الصباح، الذين يملون من كل شيء إلا من الشيء الوحيد الذي يمل منهم كل مرة في النهاية، الذين يتحدثون بسرعة، أو لا يتحدثون على الاطلاق، الذين لا يحبون الخطط، ولا يعرفون الرد على الهاتف، الذين يحبون بكل صدق كل ما لا يستحق، كل مرة، ولا يتعلمون ! الذين يتم جرحهم بكل سهولة ويتم البوح بذلك بكل صعوبة، الذين يحملون خيباتهم داخل جيوب معاطفهم القديمة، والذين يلبسون نفس الجينز كل يوم، الذين يحبون المشي ويكرهون الركض لأنهم ركضوا كثيراً، وراء الكثير، بطرق غير مباشرة. العالم مكان قاسٍ جداً، وأنا اصبحت مثله تماماً يا كشاريل. 

  إميل سيوران«السقوط في الزمان»

صورة
«ما جدوى تعجّبنا، نَدَمنا؟ ألسنا نبصر المظاهر الزائفة في كل مكان تظفر على الجوهر، والاضطراب على السكينة؟ ألا يلوح علينا أننا نشهد عذابات الاحتضار لهذا الحصين إزاء الهلاك؟ كل خطوة قُدُمًا، كل شكل من الدينامية، يستتبع شيئًا إبليسيًّا: "التقدم" هو المكافئ الحداثي للسقوط، النسخة الدنيوية للَّعن [بإزاء اللعن أو الإدانة المسيحية]. ومروِّجونه هم هؤلاء الذين يعتقدون به - بتعبير آخر: نحن جميعًا، إذ أي شيء نحن سوى جيش المحكوم عليه باللعنة، المحتوم بالكريه، بهذه المَكِنات، بهذه المدن التي لا يمكن أن يخلّصنا شيء منها سوى كارثة شاملة؟ وحينها، لمرة واحدة وإلى الأبد، ستتسنى الفرصة لاختراعاتنا كي تثبت جدواها وترد الاعتبار إلى نفسها في أعيننا. إذا كان "التقدم" شرًّا جسيمًا، فما لنا لا نفعل شيئًا كي نحرر أنفسنا منه دونما مزيد من التأخير؟ ولكن أنريد ذلك حقًّا؟ أليس الأحرى أن لا نريد هو قدرنا؟ في ضلالنا، "الأفضل" هو ما نريده، هو ما نهتمّ بحيازته: كل سعيٍ ضروسٍ، في أي بقعة، مناقض لسعادتنا. المرء لا "يكمل" نفسه ولا "يتقدم" دون دفع ثمن ذلك. الحركة -كما

فيودور دوستويفسكي / من رواية الشياطين

صورة
هناك لحظات تدوم خمس ثوان أو ستاً تحس أثناءها فجأة بحضور الإنسجام الأبدي, وبأنك بلغت هذا الإنسجام الأبدي . ليس ذلك شيئاً أرضياً : لا أقول أنه سماوي, ولكنني أقول أن الإنسان من جانبه الأرضي عاجز عن إحتماله . فيجب أن يتغير جسم الإنسان أو يموت . إنه شعور واضح, لا جدال فيه, مُطلق . تدرك الطبيعة كاملة على فجأة, وتقول لنفسك: نعم , هذا هو, هذا حق. حين خلق الله العالم كان يقول في آخر كل يوم : " نعم , هذا خير, هذا عدل;هذا حق". ليس ذلك نوعاً من ترقق العاطفة والحنان . إنه شيء آخر . إنه فَرح . وأنت عندئذ لا تغفر شيئاً, إذ لا يبقى ما تغفره . وليس ذلك حباً . آه... إنه فوق الحُب . الأمر الرهيب هو أنه واضح وضوحاً مخيفاً مُروعاً . غيرَ أن فرحاً واسعاً يغمر كل شيء ! لو دام أكثر من خمس ثوانٍ, لما إستطاعت النفس أن تتحمله ولكان عليها أن تزول . في هذه الثواني الخمس أحيا حياةً بكاملها, وإني لمستعد في سبيلها أن أهب حياتي كلها ... لأن هذه الثواني الخمس تساويها . من أجل أن يستطيع المرء إحتمال ذلك عشر ثوان يجب أن يتغير جسمه . وأظن أنه يجب على الإنسان أن يَكف عن التناسل . لماذا الأطفال,