المشاركات

عرض المشاركات من يناير ٦, ٢٠٢٢

رجل في الوسط \ أحمد خالد توفيق

صورة
  ذات مرة اضطرتني الظروف واضطرني النحس إلى المشي في حي عشوائي مرعب على أطراف المدينة، فلاحظت أن سكان الحي الفقراء ينظرون لي نظرة شرسة متوعدة .. النساء يرمقنني في شك وكراهية، والأطفال يركضون خلفي لكن على مسافة معقولة لأنهم خائفون مني، والفضول يمنعهم من الابتعاد. هنا فطنت إلى أنني أبدو أنيقًا متغطرسًا أكثر من اللازم .. أكثر مما يستريحون له. ولا أعرف كيف نجوت من هذه المغامرة على كل حال. بعد أسبوع كان علي أن أقابل رجلاً في أحد الأحياء شديدة الرقي والثراء.. سيارات فاخرة من أحدث موديل، بحيث بدت سيارتي جوارها أقرب إلى صندوق قمامة ألقاه أحدهم هناك. لاحظت نظرات الدهشة والعدائية التي يصوبها لي كل من ألقاه هناك، وعندما أردت دخول تلك البناية استوقفني حارس الأمن ليعرف من أنا بالتفصيل. نظرت لنفسي في المرآة العملاقة خلف الحارس فعرفت السبب .. أنا أبدو رث الثياب مريبًا وفقيرًا أكثر من اللازم.. هكذا عرفت أنني أنتمي لمعسكر الوسط في كل شيء.. ليس لي مكان في مجتمع الأثرياء لكن مجتمع المعدمين لا يقبلني كذلك .. لو تهددك واحد وأنت في معسكر الأثرياء فلا مشكلة لأن البودي جارد الخاص بك من الرجال صلع الرؤوس ذوي ال

فيما وراء الخير والشر

صورة
في كتابه "الصراع مع الشيطان" يصف ستيفان سفايغ رغبة المعرفة عند نيتشه بأنها رغبة جامحة، مدمرة، "شيطانية" لا تكل ولا تمل، لا تهدف إلى تشييد قصور أو بناء صروح معرفية عكس باقي الفلاسفة الألمان من قبيل كانط وفيخته...فعكس كانط لا يسعى نيتشه الى الزواج بالحقيقة والبقاء وفيا لها. فلا أنساق في فلسفة نيتشه، ولامذاهب، ولا قيم خالدة ولا أفكار ميتافيزيقية متعالية... ولهذا السبب بالضبط يجد المرء صعوبة في قراءة نصوص نتيتشه وفهمها، فهي تستهلك القارئ وتُتعبه، تأخذ منه أضعاف المجهود التي تأخذه قراءات أخرى، لا لسبب إلا لأنها "قلب للأفلاطونية" كما يقول عنها هو نفسه. وما الافلاطونية في نهاية المطاف إن لم تكن الثقافة والطريقة التي اعتاد البشر أن يعيشوا بها منذ زمن بعيد؟ لذلك أيضا تحتاج قراءة نصوص نيتشه إلى براءة الطفل، لأنها تقتضي التخلي عن الكثير من الأحكام المعرفية المسبقة التي أصبحت تُشكل نمط تفكيرنا ووجودنا. وكمثال على ما قلناه، لنتأمل هذه الفقرة المرعبة و"الغريبة" من الشذرة الرابعة لكتاب "فيما وراء الخير والشر"، والتي يحتاج المرء من أجل فهمها إلى أكثر م

وحدها الغابة السوداء تلهمني \ مارتن هايدغر

صورة
  المدينيون يندهشون أحياناً لعزلتي الطويلة والرتيبة في الجبال وبين المزارعين. غير أن ما أعيشه ليس العزلة، وإنما الوحدة. في المدن الكبيرة، بإمكان الإنسان أن يكون منعزلاً أكثر مما في أي مكان آخر، وبسهولة متناهية. غير أنه لا يستطيع أن يكون وحيداً البتة. ذلك أن الوحدة لها نفوذ متميز تماماً في ألا «تعزلنا»، ولكن بالعكس، في أن تُلقي بحياتنا كلها بجوار جوهر كل الأشياء. هناك، أي في المدن، بإمكاننا أن نحصل على الشهرة السريعة من خلال الصحف والمجلات. وهذا هو الطريق المؤكد للسقوط بسرعة في هاوية النسيان. -  مجلة فكر وفن، العدد 47، سنة 1988.

المعاناة و الآلام \ شوبنهاور

صورة
  في النهاية، إذا أظهرنا للجميع المعاناة و الآلام الرهيبة التي قد نتعرض لها خلال حياتنا، سيصابون بالرعب حتماً. إذا قمنا باصطحاب أقوى وأكثر المتفائلين في هذا العالم الى المستشفيات والمستوصفات ومسارح العمليات و عبر السجون وغرف التعذيب وحفر العبيد، إلى ساحات القتال وأماكن الإعدام ؛ إذا فتحنا لهم كل أماكن البؤس المظلمة و إذا كان علينا السماح لهم بإلقاء نظرة خاطفة على زنزانة "أوجولينو" حيث هناك سجناء يتضورون جوعاً حتى الموت، فسوف يرون في النهاية و بكل تأكيد، أي نوع من العالم هذا . هل هو أفضل العوالم الممكنة على الإطلاق كما يعتقد المتفائلون ؟ و إلا من أين حصل "دانتي" على المواد اللازمة لصنع جحيمه؟!! إن لم تكن من عالمنا الحقيقي هذا ؟"