المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, ٢٠٢١

دفاعا عن الجنون \ ممدوح عدوان

صورة
  نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين . وهذا أكبر عيوبنا. كل منا يريد أن يظهر قوياً وعاقلاً وحكيماً ومتفهماً. يدخل الجميع حالة من الافتعال والبلادة وانعدام الحس تحت تلك الأقنعة فيتحول الجميع إلى نسخ متشابهة مكررة ... ومملة . نحن في حاجة إلى الجرأة على الجنون والجرأة على الاعتراف بالجنون. صار علينا أن نكف عن اعتبار الجنون عيبا واعتبار المجنون عاهة اجتماعية . في حياتنا شيء يجنن. وحين لا يجن أحد فهذا يعني أن أحاسيسنا متلبدة وأن فجائعنا لا تهزنا، فالجنون عند بعض منا دلالة صحية على شعب معافى لا يتحمل إهانة... ودلالة على أن الأصحاء لم يحتفظوا بعقولهم لأنهم لا يحسون بل احتفظوا بعقولهم لأنهم يعملون، أو لأنهم سوف يعملون، على غسل الإهانة. نحن في حاجة إلى الجنون لكشف زيف التعقل والجبن واللامبالاة ، فالجميع راضخون ينفعلون بالمقاييس المتاحة .. ويفرحون بالمقاييس المتاحة .. يضحكون بالمقاييس المتاحة .. ويبكون ويغضبون بالمقاييس المتاحة... لذلك ينهزمون بالمقاييس كلها ولا ينتصرون أبدا. بغتة يجن شخص، يخرج عن هذا المألوف الخانق فيفضح حجم إذعاننا و قبولنا و تثلم أحاسيسنا . يظهر لنا كم هو عالم مرفوض و مقيت و

العلم المرح \ نيتشه

صورة
  الثقافة الصناعية، في شكلها الحالي، هي في مجملها شكل الوجود الأكثر ابتذالاً وفجاجةً ممّا عرفت البشرية حتّى الآن. قانون الحاجة وحده هو الذي يتحكّم في كلّ شيء هنا: يريد المرء أن يعيش وعليه بالتالي أن يبيع نفسه، غير أنّه يكنّ الاحتقار لذلك الذي يستغلّ هذه الحاجة ويشتري العامل. وإنّه لمن الغريب أنّ الخضوع لأفراد من الأقوياء، والذين يثيرون الذعر، بل وللشخصيات الفظيعة، وللطغاة والقادة العسكريين، لم يكن يُعاش كأمر مهين على غرار ما يثيره الخضوع إلى أشخاصٍ من النكرات وقليلي الأهمية كما هو الحال بالنسبة لكبار الماسكين بالقطاع الصناعي: لا يرى العامل في المشغَّل عادةً سوى كلب يضارب بكلّ أنواع الفاقة، لا يجد فيه من جهة الاسم والهيأة والأخلاق والسمعة ما يمكن أن يجعله جديراً بالاحترام. ولعلّ كبار رجال الصناعة والتجارة من عصرنا الحاضر ما زالوا يفتقرون افتقاراً شنيعاً إلى كلّ تلك الأشكال والعلامات التي تميّز العنصر الراقي، والتي هي الكفيلة وحدها بأن تجعل من الأفراد أشخاصاً مهمين؛ ولو كان لهؤلاء ما ينبئ عن نبالة المولد في النظرة والحركات، لما كان هناك ربّما من إمكانية لانتشار مذهب اشتراكيّ بين جماهير ا

اللذة \ أبيقور

صورة
  إن اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها، وهي الخير الأول الموافق لطبيعتها والقاعدة التي تنطلق منها في تحديد ما ينبغي اختياره وما ينبغي تجنبه، وهي أخيرا المرجع الذي نلجأ إليه كلما أخذنا الإحساس معيارًا للخير الحاصل لنا. ولما كانت اللذة هي الخير الرئيسي والطبيعي، فإننا لا نبحث عن أية لذة كانت بل نحن نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج، كما أننا نفضل عليها آلامًا شديدة إذا ما كانت هذه الآلام تسمح، بعد مكابدتها طويلا، بالفوز بلذة أعظم. وعلى هذا الأساس فإن كل لذة هي في ذاتها خير، إلا أنه لا ينبغي أن نبحث عن كل اللذات. وفي نفس السياق، كل ألم هو شرّ، إلا أنه لا ينبغي أن نتجنّب كل الم بأي ثمن. أيا ما كان الأمر، يجب أن تحسم القرار في كل ذلك انطلاقا من الفحص الدقيق لما هو مفيد ولما هو ضارّ، ومن المقارنة بينهما ، إذ تجدنا أحيانا ننظر إلى الخير كما لو كان شرّا ، وإلى الشر كما لو كان خيرًا. أبيقور\ رسالة إلى مينيسي ترجمة جلال الدين سعيد

أنت لا تنزل النهر مرَّتَين \ هيراقليطس

صورة
  سماه بعض القدماء ﺑ «المعتم»، وبعضهم الآخر ﺑ «الفيلسوف الباكي»، وغلبت عليه هذه التسمية جيلًا بعد جيل، منذ أن كانت كتاباته كاملة بين أيدي معاصريه. ويُقال إنه أودعها في معبد الآلهة أرتيميس، وتعمَّد أن يدوِّنها بخطٍّ غير واضح حتى لا يقربها إلا القادرون على فهم أسرارها، إلى أن ضاع معظمها ولم يبقَ منها سوى مائة وثلاثين شذرة متفرقة يتألَّف بعضها من عباراتٍ صغيرة، وبعضها من جملةٍ واحدة أو كلمةٍ مفردة. أمَّا الاسم الذي خلعه عليه أبوه فهو هيراقليطس بن بلوسون من مدينة أفيسوس في بلاد اليونان، وأمَّا تاريخ ميلاده فيرجع إلى حوالي عام ٥٠٠ قبل الميلاد. وهيراقليطس هو آخر الفلاسفة المعروفين بالأيونيين وأكبرهم، أحاطت به هالة من العظمة والوحدة والكبرياء والتفرُّد، جذبت المفكرين إلى شخصيته العجيبة على مدى العصور، وتمثلت فيه غضبة المفكر الذي يدقُّ ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويرفع عصاه ليعيد موكب الجماهير إلى منبع الحكمة، نشأ في بيتٍ ثريٍّ نبيل، وتخلَّى عن وظيفة الكاهن الموروثة في أسرته إلى شقيقه الأصغر، ورفض أن يشارك في حكم المدينة التي وُلِدَ فيها، أو يشرِّعَ لها القوانين؛ لا عن أنانية أو تكبُّر، بل لاعتقا

نصوص من أجل لا شيء \ صمويل بيكيت

صورة
  لا أحد غيري، في هذه الأمسية، هنا، على الأرض، وصوت لا يصدر ضجَّة لأنه يمضي نحو العدم، رأس مشتت، ذراعان ممددتان نحو الأسفل وجثث تقاتل بحيوية، وجسد قد نسيته تقريباً، هذا المساء، أقول هذا المساء، وربما هو الصّباح، وكل هذه الأشياء، أي أشياء؟ تلك التي تدور حولي، لن أنكر وجودها بعد الآن، ذلك لم يعد منطقياً، أن كانت الطبيعة، لربما هي أشجار وطيور، فهما يتلائمان سوية، الماء والهواء كي يمضي كل شيء، أنا لست بحاجة لمعرفة التفاصيل، ربما أنا جالس تحت نخلة، أو هي غرفة، مزودة بالأثاث، كل المتطلبات لجعل الحياة مريحة، مظلمة، لوجود الجدار الذي يقابل النافذة. ما الذي أفعله، أتكلم، أترك أنسجتي تتحدث، لا يمكن أن يكون شخصًا غيري أنا. نوبات من الصمت أيضاً، رؤية الجهد الذي ابذله كي أكون منطقياً. هنالك حياتي، لما لا، هي حياة، أن شئت ذلك، أن توجب عليك ذلك، هذه الأمسية أنا لن أقول لا. ويجب أن يكون هناك واحدة، على ما يبدو، حين يكون هنالك حديث، لا حاجة لوجود قصة، القصة ليست إلزامية، فقط الحياة، تلك هي الغلطة التي ارتكبتها، أحدى الأخطاء، حين رغبت بقصة خاصة بي، في حين أن الحياة وحدها تكفي. أنا احرز تقدم، انه الوقت ا

لم اسمح لنفسي \ عبد الوهاب مطاوع

صورة
  لم اسمح لنفسي بأن أنخدع بإبتهاج المُبتهجين ولا بـ لهو اللاهين، فأحكُم عليهم بأنهم سُعداء لمُجرد إنبهاري بمظهرهُم الخارجي البهيج وقبل أن أعرفهم عن قُرب وأسبر أغوارهم، فكثيراً ماتعاملت مع أشخاص يوحي مظهرهُم الخارجي بأنهم لا يعانون من أية هموم كبرى في حياتهم، فلما اقتربت منهُم وأعطيتهم سمعي وشجعتهم على الكلام حتى أكتشفت، بعد قليل أنهُم ممن تنطبق عليهم كلمة المفكر الفرنسي"فولتير" أنهم لايضحكون إبتهاجاً، وإنما تفادياً للانتحار.

فهرس \ سنان أنطون

صورة
  كل هذا يدور حولي. كل هذه الكائنات والأشياء التي تدور حولي منذ عقود. ولكل كائن أو شيء مداره الذي يحتله لوحده، ودورته التي تطول وتقصر. أما أنا، ففي البداية كنت أظنّني ثابتاً لا أدور. لكنني أكتشفت أنني أدور. أدور حول نفسي. نعم أدور حول نفسي إذ أبحث عنها. ثم أكتشفت فيما بعد أنني لا أدور حول نفسي فحسب، فأنا محبوس في مدار. وأدور مثل كل تلك الكائنات والأشياء. أدور حول شيء ما، لكنني لا أعرف ما هو، قد يكون فراغاً. ليس شمساً بكل تأكيد. أدور ولا أقمار تؤانسني. لعلني أدور حول الظلام. ظلام لا مرئي. ظلام يختبئ في الضوء. أدور وأدوخ وأصرخ. أغيب عن الوعي وحين أستعيده أجدني ما زلت أدور وأدور. أبحث عن ثقب أسود يعيدني إلى العدم.

تشارلي كوفمان و النفس البشرية

صورة
  Being John Malkovich 1999 نبدأ بالمحطة الأولى في افلام تشارلي كوفمان و التى يمكن وصفها بالمجنونة و لكنها بكل تأكيد ليست الأكثر جنوناً و لكن يكفى أنها وضعته على الطريق الصحيح . تدور أحداث الفيلم حول محرك الدمى الذى لا يجد مكاناً لتقدير موهبته فى تحريك الدمى “كريج” مما يدفعه لأخذ وظيفة يستغل فيها خفة يده مع الأوراق و لكنه يجد باب سرى يُمَكِنُه من الدخول فى عقل الممثل المشهور جون مالكوفتش ليبقى به لمدة 15 دقيقة ليرى ما يراه و يشعر بما يشعر به لتسير الأحداث بسيناريو غريب تزداد به الأمور جنوناً بشكل متسارع . قد نختلف فيما أراد تشارلي كوفمان قوله بالفعل فى هذا الفيلم و لكن أرى أن الرسالة الأهم و الأقوى هنا تكمن فى ميل الإنسان لاتخاذ الطريق الأسهل ؛ الطريق الممهد دون أن ينظر لما يستطيع تحقيقه بالاعتماد على نفسه ؛ فالجميع أراد أن يكون بداخل مالكوفتش ، الجميع أراد أن يكون ذلك المشهور المحبوب الوسيم اللامع دون أن ينظر إلى نفسه فى المرآة ليرى من يكون بالفعل ؟ و ماذا يريد ؟ و ما الذى يجب عليه فعله لتنفيذ ما يريده ؟ سيناريو هذا الفيلم قد وصٌّل كوفمان بنجاح الى الأكاديمية ليحصل على ترشيحه الأول فى

لا تولد قبيحا \ رجاء عليش

صورة
أن تشعر أنك دائماً تحت المجهر، تلفت النظر بشكل سلبي، يواجهك المجتمع بالاستخفاف والاستهزاء، أن تكون منبوذاً رغم محاولاتك العديدة لكي تكون جزءاً من مجتمع أعمى، يصل إلى نشوته الجنسية عن طريق إهانة المُختلفين، عن طريق شعوره أنه أفضل، وأعلى، منك. أنظر أنه شخص قبيح، دعنا نتنمر عليه، دعنا نأكل لحمه حياً، دعنا نجعله يبكي، دعنا نقتل روحه، دعنا نمتص كُل نفس فيه يحمل حُباً للحياة. أن تنظر للمرآة، وتجد نفسك قبيحاً، خارجك، ولكنك تعلم أن داخلك مُختلف، فلماذا يحكم علي هؤلاء بالقُبح؟ إذا كُنت أبتليت به، فلماذا لا يساعدوني أو يُساندوني أو حتى على الأقل يتجنبوني؟ أنا فقط أريد أن أعيش أن أنجو.. هل أنا حقاً مُختلف عنهم؟ بكل تأكيد مُختلف عنهم.. هم ذئاب صدف أنهم أصبحوا بشراً، روحهم غير موجودة، مشاعرهم قد باعوها للشيطان، فأمرهم بأن يدمروك، أن يرسلوك إلى غياهب البؤس والشقاء، أن تعيش يوماً بعد يوم مُتمنياً الموت كخلاص أبدي لمُعاناتك. فكيف بحق كُل شيء، ستواجههم؟ كيف ستتصدى لكُل ذلك السيل من القُبح الداخلي.. تشعر أنك بطريقة ما تُشفق عليهم.. رباه، كيف يعيش إنسان وهو يحمل كُل ذلك القُبح بداخل روحه؟ ألا ينفر من نفس

التسلل النفسي

صورة
تعرفت على مصطلح نفسي self-infiltration   ال تسلل النفسي أو التسلل الذاتي، ويعني ببساطة الحالة التي نسمح فيها بشكل غير واعي لدوافع الآخرين ورغباتهم بأن تتسلل إلى داخلنا وتقود دوافعنا! فنعتقد انها دوافعنا نحن، ورغباتنا نحن، وأحلامنا نحن! كيف تعرف ما إذا كان الشيء الي ترغب في فعله هو شي ترغب في فعله حقا؟ ليس مجرد شي تعتقد أو تم برمجة عقلك بأنك ترغب في فعله، بينما أنت لا ترغب به ولا تحتاجه؟ وفي الواقع شخص آخر يريدك أن تفعله؟ من الصعب التمييز بين الأمرين، لذلك يستخدم علماء النفس هذا المصطلح المثير للقلق "التسلل الذاتي أو النفسي" لوصف ذلك الموقف الذي نعتقد أننا نقوم فيه بشيء نريد القيام به ولكننا اخترنا دون وعي أن نفعل شيئًا بناءً على طلب الآخرين! وهذا يجعلنا نعيد النظر في رغباتنا ودوافعنا والتشكيك بها لإكتشاف هذا الأمر يجب علينا قبل كل شيء ان نكتشف الأسباب، صحيح؟ إذ لا وجود لحل بدون إكتشاف المشكلة، ولا وجود لدواء بدون إكتشاف الداء بشكل بسيط ومختصر البعد عن أنفسنا وتركها للآخرين يقودنا لخيانة صارخة لأنفسنا، مما يسمح للآخرين بالسيطرة على أنفسنا وعقولنا ودوافعنا الأبحاث حول الظاهرة ت

الحياة

صورة
  الحياة عند فيليني لا يُمكن حصرها و تضليلها بأوهام خيبات مضت، و لأن الحياة بصدرها الرحب تحتوي النادمون علي خطاياهم كأم تنتطر عودة الإبن الضال، و لأن نار البعد و الغربة التي لا تعني هنا السفر عبر الأقطار بل السفر عبر الأرواح ستُطفئ عند العودة، يفتح فيليني ذراعيه بسكينة و هدوء و يذرف دمعاً مريراً لكنه الطريق للإلتحاق بالحياة مرة أخري، هنا لا يتحمل رؤية نفسه مكبلاً بخطاياه فتهرب منه علي هيئة دموع او ما يشبهها، دموع زامبانو التي نبعت من دواخله كانت سبب كافي للحزن علي شرود براءة حاول إستعادتها من جيلسومينا، و ما البراءة سوي حياة ملبدة بالأمل و الرغبة... وهكذا كان إنهيار مارشيلو في "حياة لذيذة" لفيديريكو فيلليني، فبعد أن مزق روحه ما بين شوارع روما و نساءها، نسي إن يعطِ نفسه دليل حياة معنونة ب "لذيذة"، يُمكن هنا تفسير لذة حياة مارشيلو بأنها نبع لا ينضب من الحيرة، التي و إن لم تكن وجهته التي أراد بها أن تكون مدخل لحياته في فترة ما، إلا انها كانت مادة خام تتناسب طردياً مع شخصيته المتطايرة، ألمه في النهايات و المغلف بلامبالاة لا يمكن تناسيها كان بديل عن معني الحب الذي إفتقده

عزلة فردية وعزلة كونية \ إميل سيوران

صورة
  يمكن أن نتصور طريقتين لإختبار العزلة : الإحساس بأنك وحدك في هذا العالم أو الشعور بعزلة العالم.  من يشعر أنه وحده يعيش محض دراما فردية- يمكن أن يحدث الإحساس بالإهمال في الإطار الطبيعي الأشد بهاء. أن يُلقى بك في هذا العالم، عاجزاً عن التأقلم معه، مُهدَّماً بنقائصك الذاتية وحماساتك، غير مبال بالأنواع الخارجية- مهما كانت معتمة أو براقة- لتظل مشدوداً إلى تلك الدراما الداخلية، فهذا يعني العزلة الفردية. لكن الإحساس بالعزلة بالكونية يصدر عن محض وجع ذاتي أقل من الإحساس بضياع هذا العالم، والإحساس بالعدم المنطقي. كما لو أن العالم قد فقد فجأة كل بريق له ليستدعي الرتابة الأساسية لمقبرة.  كثيرون عُذَّبوا لرؤية الكون متروكاً لا سبيل لتعافيه منذوراً لعزلة جليدية، لن تبلغه مجرد انعكاسات شاحبة لوميض الغسق.  من بينهم هؤلاء الأشد تعاسة : أولئك الذين يشعرون بالعزلة في داخلهم أم أولئك الذين يحسون بها من الخارج؟ تستحيل الإجابة. ثمّ لماذا أنا متحير جداً من أجل أحداث تراتبية العزلة؟ ألا يكفي أنني وحيد؟ . على مرتفعات اليأس \ إميل سيوران 

نشيد سيّد السّبت \ لأشرف القرقني

صورة
  بيتي تابوتٌ خشبيّ صنعتهُ من أغصان شجرتي الوحيدة. ودون حاجة إلى طلائه على نحو لامع، نثرتُ دموعي على شقوقه فهوى. أَغلقني عن العالم الذي تزحف فيه المسوخُ البشريّة إلى حتفها باسمةً. وفتحتهُ على عوالمَ مخفيّة تسكنني. في اللّيل، حين تذهبُ الحزينات إلى النّوم والحزانى إلى الخمّارات النّائية، أدخل في مسافات رماديّة. الضّبابُ كثيفٌ. لكنّني أرى بأناملي عيونا حمراء تبرقُ في العتمة. الأشجار تشابك أغصانها لكنّ خطوتي تتقدّم. العشبُ أزرق والنّدى رؤوس صغيرة تتهاوى. ليس حلما ما أنا ماضٍ فيه كي أعود إلى مفسّريه لاهثا. وليس حقيقةً حتّى كي أفكّر. شبحٌ مائلٌ يمضي بي إلى ما لستُ أعرف. وأسمّيه أنا كلّما سحبني أكثر. تدريبٌ دوريّ على الموت أتعلّم خلاله نعيَ نفسي بما يليق بها. أقرأ الآيات التي كتبتها طفولتي في غيابها. أشكر الذين غابوا عن اللحظات التي تحتاجهم. ألعنُ الجمرة التي خرجتُ من جوفها نهرا. وأسمّي حياتي حديقة لم يسقط من سمائها أحدٌ. الجميع مكثوا هناك صاخبين حيثُ تركتهم وتهاويتُ إلى أسفلي.النّهار نائمٌ تحت الشّجرة. سيوقظه طرْق غيابي على الخشب. وأنا أعضّ على الأبواب.

الساعة الخامسة والعشرون \ فيرجيل جيورجيو

صورة
  إن الإنسان يستطيع السيطرة على كل الحيوانات المفترسة. غير أن حيواناً جديداً ظهر على سطح الأرض في الآونة الأخيرة. وهذا الحيوان الجديد اسمه: المواطنون. إنهم لا يعيشون في الغابات، ولا في الأدغال، بل في المكاتب. ومع ذلك فإنهم أشدّ قسوة و وحشية من الحيوانات المتوحشة في الأدغال. لقد وُِلِدوا من اتحاد الرجل مع الآلات. إنهم نوع من أبناء السفاح، وهو أقوى الأصول والأجناس الموجودة الآن على سطح الأرض. إن وجههم يشبه وجه الرجال، بل أن المرء غالباً ما يخلط بينهم. ولكن لا يلبث المرء حتى يدرك، بعد حين، أنهم لا يتصرفون كما يتصرف الرجال، بل كما تتصرف الآلات. إن لهم مقاييس وأجهزة تشبه الساعات، بدلاً من القلوب، وأدمغتهم نوع من الآلة، فهُم بين الآلة والإنسان، ليسوا من هذه ولا من ذاك. إنّ لهم رغبات الوحوش الضارية، مع أنهم ليسوا وحوش ضارية، بل إنهم مواطنون ... إنها سلالة غريبة اكتسحت الأرض.

تهمة اليأس \ آرثر شوبنهاور

صورة
  إن الحياة الإنسانية لابد أن تكون نوعاً ما من الخطأ، تبدو حقيقة ذلك واضحة بما يكفي إذا ما تذكرنا ببساطة أن الإنسان مُركب من حاجات وضرورات صعبة الاشباع، وإنها حتى عندما تُشبع فكل ما تحصل عليه هو حالة اللألم، حيث لا يتبقي شئ أمامه سوى الوقوع في الضجر، هذا دليل مباشر على أن الوجود لا قيمة له بحد ذاته، إذ ما هو الملل إن لم يكن شعور بفراغ الحياة؟ لو أن الحياة - التي يشكل توقُنا إليها جوهر وجودنا- تمتلك أي قيمة إيجابية بحد ذاتها، لما وُجِد شيء كالملل أصلاً، لكان مجرد الوجود يرضينا بحد ذاته، فلا نحتاج شيئاً. ولكن والحال كما هي، فإننا لا نجد متعة في الوجود إلا عندما نصارع من أجل شيء ومن ثم تجعلنا المسافات والصعوبات التي ينبغي تجاوزها نظن أن هدفنا سيتم إشباعه، وهو وهم يتبخر عندما نصل إلى الهدف، أو عندما نكون مشغولين بقضية فكرية بحتة، وفي الواقع نكون عندها قد خرجنا من الحياة لنراقبها من الخارج، كما يفعل المشاهدون في مسرحية.

وهم فريجولي Fregoli

صورة
ليوبولدو فريجولي - ممثل مسرحي ايطالي، كان يتميز بسرعة تغيير مظهره على المسرح، لم يدرك يوما أنه سيكون إسم لواحد من أكثر الأمراض فزعاً ورعباً،  تخيل معي .. لو أنك تشك بشخص أنه يراقبك، ويتبع خطواتك أينما توجهت! تلتفت لترى شخصاً عادياً ربما تظنه هو الذي يتبعك،  (ستشعر بالخوف طبعاُ). والأن تخيل لو أنك تظن أن مجموعة من البشر يراقبونك (سيزداد رعبك أضعافا كثيرة) كل هذا ممكن أن تتخيله،  لكن.. أن تتخيل أن البشر كلهم عبارة عن شخص واحد، يبدل شكله دائما ليراقبك (فهذا أمر مفزع) في (وهم فريجولي) يصبح البشر بالنسبة للمتوهم رجلاً واحد، أو إمرأة تتنكر كل دقيقة أو ثواني، حتى تراقبه، أو تتبع خطواته، يقوده ذلك للجريمة، وقتل الكثير من الناس! أسبابه غالبا إضطرابات ذهانية، وأحياناً أورام في الدماغ.

أحلام ديكارت : خرافات العقلاني الورع

صورة
  في العاشر من نوفمبر سنة 1619، كان رينيه ديكارت يجلس بكسل أمام المدفأة، ليرتاح من تجواله اليومي الذي يمضيه متأملاً الفلسفة ومشاكلها. غفا الشاب الكسول ذو الثلاثة والعشرين ربيعاً، وتتابعت في غفوته أحلام ثلاثة، اعتقد أنها رؤى إلهية، ودعوة لنشر الحقيقة والحكمة في هذا العالم الأرضي. كغيره من الأنبياء وأصحاب الرؤى، لم يتردد في قبول الدعوة، ونشرها بحماسة مجاهداً في سبيلها. فور استيقاظه سجّل أحلامه بدقة. الحلم الأول معقّد ومركّب: هاجمته أشباح شريرة وهو يتجوّل في شوارع المدينة، وجعلته ينحني على يده اليسرى أثناء مشيه، وليس اليمنى لأنها كانت تؤلمه بشدة. بهذه الطريقة المضحكة، وصل الشاب إلى مدرسة الكنيسة، ولكنه لم يستطع الدخول بسبب قوة الرياح. في باحة الكنيسة أخبره أحدهم أن السيد س يريد أن يراه ليعطيه شيئاً يخصه، وفكّر ديكارت بأنها بطيخة من بلد أجنبي. لاحظ أن هذا الشخص وآخرون اجتمعوا في الباحة ليتحدثوا كانوا يقفون بطريقة عادية وكأن لا وجود للرياح العاصفة التي تعبث به مما أثار استغرابه. الحلم الثاني قصير ومخيف ببساطته: سمع الشاب صوت انفجارات كبيرة، اعتقد أنها الرعد. نظر حوله في غرفته، فرأى شرر نار