المشاركات

عرض المشاركات من يوليو ٢٢, ٢٠٢١

اليَائِـسُ العَظيـمُ \ صلاح بو سريف

صورة
  آهٍ ! لَوْ وُلِدْنَا قَبْلَ الإنْسَانِ  [1] إميل سيوران، من الكُتَّاب الذين أعُودُ لقراءتِهم باستمرار. منذ مُوَاجَهَتِي الأولى لبعض أعماله، وَجَدْتُ نفسي أكثر اقتراباً من هذا اليائس العظيم. ربما كان هذا الانْجِذاب نحو سيوران، يعود إلى قراءتي المُتوالية لأعمال نيتشه. لا أحدَ يستطيعُ قراءة سيوران، دون أن يسترجع أعمال نيتشه، وبعض آرائه، فيما سيذهبُ إليه سيوران نفسه، في مفهوماته لتي ارتبطت بطريقة النظر في الأشياء. لعلَّ في بعض اليأس، وفي الميل إلى العُزلة والتَّوَحُّدِ، التي تأخُذُني، ما جعل قراءتي لسيوران لا تنقطع. قد أُؤَجِّلُ هذه القراءة لبعض الوقت، أو أنْشَغِلُ عن صديقي هذا، بأمور أخرى، لكن حالما أجد نفسي في حاجة إلى اسْتِشَارَتِهِ، أو إلى مُؤَانَسَةِ عُزْلاتِهِ، والتَّوَحُّدِ في غَيْبوبَاتِهِ التي تأتي من مصدرين أساسيين في المعرفة، وفي إنعاش الروح، وتوكيد رهافتها؛ الموسيقى والشِّعر، أعودُ إليه، مُنْصِتاً إلى كَرَمِهِ في المعرفة، والكتابة. [2] لم يكن سيوران مأخُوذاً بجغرافية مُحَدَّدّة، فهو كان مُواطناً عالمياً. كان يقيس "وجوده"، أو هذا "العدم" الذي فيه كان يَتَبَ

أسطورة سيزيف \ ألبير كامو

صورة
 قد تتقوّض معالم الحياة، فأن نستيقظ وأن نركب القطار وأن نقضي أربع ساعات في المكتب أو في المصنع أو في الجامعة وأن نتغدّى، ثمّ أن نركب القطار مجددا وأن نقضي أربع ساعات من العمل أو الدراسة ، وأن نتعشّى وأن ننام ، ثم يوم الإثنين فالثلاثاء فالأربعاء فالخميس فالجمعة، وأخيرا السبت ، كلها على الوتيرة ذاتها، وتستمر هذه الطريق بيُسر في غالب الأحيان ، وذات يوم يطالعنا سؤال " لماذا " ؟

دراسات في الفلسفة الوجودية \ عبد الرحمن بدوي

صورة
  لكن هناك عاطفة أهم من الضجر فيها يتجلى العدم أبرز ما يتجلى. وهي القلق. والقلق ليس هو الخوف، لأن الخوف هو دائماً خوف من شيء معين، أما القلق فيتعلق بالأشياء كلها في مجموعها. وليس القلق هو الذي يوجد العدم، إن صح هذا التعبير، بل هو فقط الذي ينبه الإنسان إلى وجوده. ولهذا لابد للإنسان أن يعيش في القلق ليتنبه إلى حقيقة الوجود. ذلك أن الإنسان بطبعه يميل إلى الفرار من وجه العدم الماثل في صميم الوجود وذلك بالسقوط بين الناس وفي الحياة اليومية الزائفة، ولكي يعود إلى ذاته لابد من قلق كبير يوقظه من سباته. والقلق على نوعين: قلق من شيء، وقلق على شيء. والموجود في العالم يقلق على إمكانياته التي لن يستطيع مهما فعل أن يحقق منها غير جزء ضئيل جداً: أولاً لأن التحقيق يقتضي الإختيار لوجوه والنبذ لسائر الوجوه. وثانياً: لأن ثمة حقيقة كبرى تقف دون استمرار التحقيق ألا وهي: الموت.

لعبة الممكنات بحث في تباين الحي \ فرانسوا جاكوب

صورة
التّنوع هو واحدة من أكبر قواعد اللّعبة البيولوجيّة. على مرّ الأجيال تجتمع وتنفصل هذه الجينات الّتي تشكّل تراث النّوع لتنتج تلك التاليفات الّتي تكون في كلّ مرة، عابرة ومختلفة ألا وهم الأفراد. ولا يمكن أن نبالغ في تقدير هذا التّنوع، وهذا التّأليف إلى ما لا نهاية، الّذي يجعل من كلّ واحد منّا حالة فريدة، فهو الّذي يتسبّب في ثراء النّوع ويمنحه إمكانياته. يتعزّز التّنوع الطبيعي أكثر، لدى الكائنات البشريّة، بفضل التّنوع الثقافيّ الّذي يسمح للإنسانيّة بالتّكيف بصورة أفضل، من ظروف عيش متنوّعة، وباستعمال موارد هذا العالم على نحو أحسن. غير أنّه في هذا المجال، يتهدّدنا خطر الرتابة والتّشابه والضّجر. ففي كلّ يوم يتضاءل هذا التّنوع الهائل الّذي أدخله النّاس في معتقداتهم وأعرافهم ومؤسّساتهم.   ترجمة: أحمد صالح

بينك فلويد.. ما هدف وجودنا في هذه الحياة؟ مها فجال

صورة
  "طويلا تعيش وعاليا تطير كل بسماتك وكل دموعك كل ما تمس وكل ما ترى هو كل ما ستكونه حياتك" (من أغنية "تنفس") في وحدته الباردة عند آخر فصول الرواية، أخذ راسكيلنكوف بطل "الجريمة والعقاب" يتساءل: ما الذي يعيش من أجله؟ ماذا يبقيه على قيد الحياة؟ ما الذي يجعله يختار أن يستيقظ في الصباح ويمضي عبر ساعات اليوم البائسة عوضا عن التخلص من كل هذا الألم والانتحار؟ باختصار، لماذا يعيش؟ أيعيش فقط كاستمرار لوجوده؟ (1) قد تستغرب تساؤل راسكلينكوف الأخير، لكن عليك أن تأخذ في الاعتبار أن كلمتي الوجود والعيش ليستا بالمترادفتين. فكل ما تقع عليه عيناك هو بالضرورة موجود، وكل ما يشغل حيزا في المكان ويقع داخل الزمان موجود، وكل ما ليس عدما موجود. أنت، كونك على قيد الحياة ورئتاك تتنفسان وقلبك يعمل بشكل سليم موجود. لكن، هل أنت عائش؟ بمعنى آخر: هل يوجد معنى ما وراء حياتك؟ شغل هذا السؤال فلاسفة القرن العشرين وكان الأساس الذي قامت عليه فلسفات بعينها كالوجودية. في كتابه "أسطورة سيزيف"، يعقد الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو المقارنة بين إنسان العصر الحديث وحياته المكونة من: "النهو

عزاء الفلسفة \ بوئثيوس

صورة
  ما الذي رَمَى بك، أيهذا الإنسان الفاني، في مستنقع الحزن والقنوط؟ لعلك قد أخذت على غرة، ولكنك تخطئ إن ظننت أن الحظَّ قد أدار لك ظهره، فالتغير هو طبيعة الحظ ودَأبُه ودَيدَنُه، وهو في تقلُّبه نفسه إزاءك إنما كان حافظًا لعهده وثابتًا على مبدئه! وهو ذات العهد وعين المبدأ الذي كان به من قبل يتملَّقُك ويغويك بسعادةٍ زائفة. لقد تبَيَّنْت الوجه المتقلِّب الأعمى، إنه ما زال يُخفِي شَخْصَه عن سواك بينما تَكشَّف لك أنتَ بتمامه، فإذا كنت مقتنعًا بطرائقه فإنَّ عليك أن تَقْبَلَها ولا تشكو، وإذا راعَتْك خيانته فاهجره وأَقلع عن ألعابه الخطرة، فإن ما يسبب الآن لك الأسى والحزن كان  يجلب لك السلام، فلقد تخلَّى عنك من لا يأمن له أحدٌ ولا يثق ببقائه إلى جانبه على الدوام، أم هل تُقدِّر ذلك الصنفَ من السعادة المحتومة الزوال؟ هل يعزُّ عليك حظٌ تعلم أن بقاءه موضع شكٍّ وأن زواله يورث الحزن؟ فإذا كان المرء لا يملك التحكم في الحظ وَفْقَ إرادته، وإذا كان زواله يترك وراءه البؤس، فماذا عساه أن يكون هذا الشيء الروَّاغ سوى نذيرٍ بشؤمٍ قادم؟ إن العاقل لا يقنع بالنظر إلى ما هو أمام عينيه، فالحصافة تُقدِّر عواقب الأشياء

موسم الهجرة إلى الشمال \ الطيّب صالح

صورة
  سأحيا لأن ثمّة أناسا قليلين أحبّ ان أبقى معهم أطول وقت ممكن، ولأن علي واجبات يجب أن أؤدّيها، لا يعنيني إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها معنى وإن كنت لا أستطيع أن أغفر فسأحاول أن أنسى ... إنني أريد أن آخذ حقّي من الحياة عنوة، أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحبّ من قلبي فينبع ويثمر. ثمّة آفاق كثيرة لا بدّ أن تزار، ثمّة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجلّ العمر، سأكتب فيها جملا واضحة بخطّ جريء.