الإنسان الأخير \ باربرا ستيغلر

ولأنّ الإنسان هو الكائن الحيّ الأكثر مواجهةً للفوضى فهو "الأشجع"، و"الأكثر قسوةً"، و"الأشدّ معاناةً" فإنّه في الوقت ذاته الأكثر تحصينًا ضدّها، والأشدّ تهديدًا بأن يُغلق على نفسه داخلها إلى الأبد. ومن هنا تنبع استحالة تحديد ماهيّة الإنسان، إذ هو الكائن الأكثر انفتاحًا على الممكن، وفي الوقت ذاته الأكثر تحصّنًا ضدّه. ولهذا، رأى نيتشه إمكانيّة ظهور "الإنسان الأخير". غير أنّ هذا "الأخير" لا ينبغي فهمه على أنّه نهاية الإنسان (أو آخر أفراد الجنس البشريّ قبل فنائه)، بل هو ذلك الذي لم يَعُد يحدث له شيء، ولا يعترضه جديد، بل هو الذي يُعطّل، بشكلٍ دائم، إمكانيّة المستقبل، حتى يصير ذلك سِمَةً لعصرٍ بأسره. وبما أنّ الإنسان خالٍ، من حيث الماهية، من جوهرٍ ثابت، فهو يحمل في داخله أيضًا أعظم الأخطار: خطر الإغلاق التامّ أمام كلّ ما يفيض عليه من إمكانات الوجود. فهو، وإن كان "شجاعًا"، قد يتملّكه اليأس، وإن كان "قسِيًّا على نفسه"، قد يلجأ إلى الحنوّ الذاتيّ على جسده، وإن كان "يعاني من فرط التناقضات"، فقد يؤثر، في نهاية المطاف...