فرانز كافكا
في الأسابيع الأخيرة من حياة كافكا بدأ يقيم في مصحة صغيرة بالقرب من فيينا من أجل أن يعالج نفسة من سل الحنجرة. وكان معه أثنين من مرافقية ، الاول شاب طبيب، والأخر مجرد هاوي كتب، فأقاموا بغرفة مجاورة من التي يقطن فيها كافكا، وكان يُمنع عليهم زيارته والتحدث معه فالأطباء نصحوه بعدم الكلام لكنه طلب دخولهم والتواصل معهم عن طريق الكتابة. فكتب أحدى المرات وهو يتحدث عن الماء ( ناولني كي اشرب ، هذه القطرات تتدخل الى الحلق مثل شظايا الزُجاج ) وعلى ورقة قد كتب لطبيبه عندما بلغ ذروة الألم ( أقتلني، وإلا فأنتَ مجرم ) وكتب ايضا بعد وقت أخر الى صديقته التي بجانبه وما تنفك حالته تزداد سوء ( أعطيني يديكِ ، حتى أتشجع اكثر ) يوم 2 يونيو تحسنت حالته بشكل مفاجئ لدرجة انه أصبح يمازح من حوله لكنه بدأ يتنفس بمشقة بوقت متاخر من الليل فصديقته التي بجواره والتي بدأت بالقلق وأستدعت صديقها رأت ان توقظ الطبيب وذلك الأخر ناوله ما يهدئه ، من سنين طويلة قبل كل ذلك كتب كافكا لصديقه ماكس برود : سأكون في غاية السرور على فراش الموت اذا لم تكن الالام شديدة
اخر ما كتبه كافكا على تلك القصاصات ( ولكن انا ذاهب ) حدث ذلك عندما حاول صديقه الذي بجانبه النهوض فسأله كافكا ان لا يذهب فرد عليه ذلك الاخر انه لا ينوي الذهاب الى مكان فكتب اليه تلك القصاصة ( ولكن انا ذاهب )
كتب الطبيب الذي كان يرعاه في أيامه الأخيرة حين وفاته في المصحة : «وجهه جامد صارم، مترفع، مثلما كان ذهنه نقياً وصارماً. وجه ملك من نسب من أكثر الأنساب نبلاً وعراقة»
كان "ماكس برود" ، وقد أوصاه صديقه فرانز كافكا وهو على فراش الموت أن يحرق أعماله منعاً من وصولها الى القراء في حال وفاته! إلا أن "ماكس برود" لم يفعل ذلك وقال لزوجته : "ان تحت يدي كنز ثمين لايمكن ان اجعله طعاماً للنار" . بعد ثمانية عشر عاماً يكتب "البير كامو": ان اللحظة التي قرر فيها ماكس برود عدم إتلاف أعمال كافكا، ساعدتنا في تقديم الدليل الأدبي على فظائع القرن العشرين" .
فيما يكتب "أندريه جيد" فيما بعد عن الأثر الذي تركته أعمال كافكا التي كانت لديه مبجّلة. عندما أعطى توماس مان لألبرت اينشتاين رواية "المحاكمة" ليقرأها ، أعادها اينشتاين اليه بعد ايام معترفاً بفشله في إتمامها : "العقل البشري عاجز عن حل لغز هذه الرواية " .
ورغم ان صاحب "المحاكمة" و"القصر" و"المسخ" عاش حياته في تعاسة بالغة ،على حد تعبير سارتر، نجده يكتب في رسالة الى صديقته " ميلينا " ان والده الذي كان يعمل بتجارة الخردوات ، كان جزءا من هذه التعاسات ، وهو سبب كل معضلة تصيبة ، ويخبرها أنه عندما كان يعجز عن مواجهتة ، فانه يلجأ الى الكتابة ، وفي رسالتة الشهيرة " الى أبي " يكتب :" أنت خلف كل كتاباتي لقد قلت فيها ما لااستطيع ان اقوله وأنا على صدرك .
وقد نعيت ميلينا الفتاة التي أعتاد الكتابة لها جنازته برسالة طويلة ملخصها :
كانت له حساسية تقارب الإعجاز، ونقاء أخلاقي صارم إلى أبعد حد.
إلا أنه جعل مرضه يتحمل عبء خوفه من الحياة. كان خجولاً، ولطيفاً وطيباً. لكنَّ الكتب التي كتبها كانت قاسية وموجعة، كان يرى عالماً مملوءاً بشياطين لا مرئية تحارب الأشخاص الضعفاء وتدمّرهم. كان صافي الذهن، أحكَم من أن يعيش، وأضعفَ من أن يقاوم.
ومما كتبه كافكا اليها منذ زمن بعيد : فأنتِ تنتمين إلي ، حتى ولو قُدر لي ألا أراكِ ثانيةً على الإطلاق
تعليقات
إرسال تعليق