كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز
لا توجدُ غايةٌ مؤكدةٌ لكونكَ حيًّا. فكّرْ مليًّا. لا توجدُ غايةٌ مميَّزةٌ أو حقيقيَّةٌ لكونكَ حيَّا. لماذا أنتَ هنا على أيّة حال؟
ما الّذي فعله الإنسانُ على هذهِ الأرض؟ ما الّذي حقَّقه الجنسُ البشريُّ حتى بقديسيه وحكمائه؟ جاءتْ حضاراتٌ ورحلت، وأينَ نحنُ الآن؟ نعتقدُ أنَّنا مهمون. مَنْ نعتقدُ أنفسنا؟ نولدُ، نختبرُ أشياءَ عديدةً، نعملُ، نجني الكثيرَ منَ المالِ ربما، ثمَّ نشيخُ ونموت. إذنْ ما الغايةُ الحقيقيَّةُ مِنْ هذا كلِّه؟ ليس ثمة غاية.
نحنُ لا شيء. ليس لديكَ أيُّ سببٍ لتكونَ موجودًا. في الواقع، أنتَ غيرُ موجودٍ. لم توجدْ حقًا قطَ. كلُّهُ نكتةٌ كونيَّة. ما مِنْ عِلَّةٍ وراءَ أنْ تكونَ حيًّا وتكونَ هنا. قد يبدو الأمرُ إهانةً- إنَّه كذلك! لكنَّها الحقيقةُ والحقيقةُ مؤلمة.
قَدْ تظنُّ أنَّكَ مهم، أنَّك جئتَ إلى الأرضِ لتحقِّقَ غاياتٍ عظيمةً، أو لتستنير. هذا غيرُ صحيح. الاستنارةُ حاضرةٌ هنا سلفًا ولا تحتاجُك. أنتَ غيرُ مرغوبٍ فيه مِنْ قِبَلِ أيِّ شيءٍ أو أيِّ أحدٍ. أنتَ فشلٌ ذريع.
في الحقيقةِ لا يوجدُ -أنت-. يجعلكَ وهمُ وجودكَ تعتقدُ أنَّكَ مهم، أنَّكَ أحدٌ ما. لهذا نتحدث كثيرًا عن كونكَ لا أحد؛ ليس ثمة أحد. ومع هذا، لا يهمُ كم مرَّةً أقولُ هذا؛ فأنتَ تظهرُ على أنَّك حقيقيّ، تظهرُ على أنَّكَ أحدٌ ما. تظهرُ على أنَّكَ تذهبُ إلى العمل. تظهرُ على أنَّك تأكلُ وتنام، وتومن بأنَّ هذا الوهمَ سوف يستمرّ. لكنْ كما تعلم، قريبًا سوف تكونُ ستةَ أقدامٍ تحتَ الأرض.
إذنْ ما جدواك؟ لهذا مِنَ المهمِ أنْ تستيقظ. ومع ذلكَ لستَ نائمًا أبدًا! مَنْ يستيقظُ إذنْ؟ ولهذا لا شيءَ مهم. لكنَّكَ تعتقدُ أنَّ بعضَ الأشياءِ مهمةٌ، وما دمتَ تعتقدُ أنَّها مهمةٌ، فأنَّكَ تمنحُها القوَّة، مُدَعِمًا بذلكَ قوَّةَ الحياةِ في الأشياء؛ ممّا يجعلكَ تشعرُ أكثرَ فأكثر بأنَّك- كما يقالُ- حيًّا-.
بدايةُ الحكمةِ هي فهمُ أنَّه لا توجدُ حكمة. لا يوجدُ أحدٌ لتكونَ له الحكمة. كلَّما حاولتَ تحليلَ الأشياء، وكلَّما استعملتَ دماغكَ أكثرَ لتتحركَ وتنتجَ في هذا المستوى مِنَ الوجود، زادَ تورطكَ بالمايا والخواءِ والوهمِ والجَهدِ المحكومِ بالإخفاق. كلُّ أحلامكَ وتطلعاتكَ تؤولُ للاشيء. ليس ثمة شيءٌ عليكَ أنْ تصبحَهُ أو تكونَه.
فكِّرْ بكلِّ النَّاسِ الَّذين يبحثونَ عنِ التحرُّر، عنِ الاستنارة. مَنْ يريدُ أنْ يتحرَّر؟ الأنا. لا يوجدُ أنا. لا يوجدُ أحدٌ ليتحرَّر. ومع ذلك تستمرُّ بالإيمانِ بأنَّكَ موجود.
تذكَّرْ، أبدًا لا تضعْ حليبَ الأسدِ في وعاءٍ مِنَ الطّين. إذنْ لمَ أنتَ هنا؟ تريدُ تعاليمَ. تريدُ درسًا. تريد مانترا. أنتَ تبحثُ عَنْ مخرج. كلُّ هذا البحث والالتماس يدعُكَ في الخلف. لا يمكنه ملؤك. لا يفعلُ لكَ شيئًا. الاستيقاظُ نكتة. التحرَّرُ نكتة. جلوسي هنا وتحدثي إليكَ نكتة. لا يوجدُ شيءٌ لإيجاده، لا شيءَ لتحقيقِه، لاشيءَ لتصبحه. أنتَ متشبِّثٌ بعقلكَ ومعتقداتهِ الزَّائفة.
باستمرارٍ يحاكمُ ما يسمَّى العقلَ الأشياءَ ليحكُمَ عليها بأنّها جيدةٌ أو سيِّئة، صحيحةٌ أو خاطئة، وتتفاعلُ أنتَ معَ الأحكامٍ خالقًا المزيدَ مِنَ المشاكل؛ مُكَبِلًا نفسكَ بالوهمِ بشكلٍ أكثرَ إحكامًا.
ألنْ يكونَ جميلًا لو استيقظتَ ذاتَ صباحٍ واكتشفتَ أنَّكَ غير موجودٍ، أنَّكَ لم توجدْ قطّ وأنَّ أحدًا غير موجود؟ ليس ثمة وجودٌ البتَّة. أيُّ دورٍ سيكوُن لكَ عندها؟ ما دمتَ تعتقدُ بأنّكَ موجود، فإنَّكَ ستدافعُ عنْ نفسِك. ستكافحُ منْ أجلِ البقاء. ستسعى خلفَ الحكمة. هذا كلُّه مضحكٌ بالنَّسبة لي.
حتى عندما أقولُ لك أن تستيقظ، لا يوجدُ أحدٌ ليستيقظ حقًا. إنَّ أحدًا لم ينمْ أحدٌ على الإطلاق. مَنْ ينام؟ قد تقول، "الجسد ينام"، أو "العقل ينام"، لكن لا يوجدُ جسد، وُلا يوجد عقل. لم يوجدا قطّ. كلُّ التعاليمِ التي مررتَ بها كانتْ مضيعةً للوقت: بذلُ الجهودِ وجوبُ العالَمِ كلِّه بحثًا عن معلمين، قراءةُ المخطوطاتِ-لأيَّةِ غاية؟ لماذا تظنُ أنَّكَ تحتاجُ هذه الأشياء؟
كلُّ ما تحتاجُ فعله هو فهمُ عمّا أتحدث. تفكَّرْ فيما أقولُ ثمَّ انسه. لا تتمسَّكْ بالأفكارٍ أو الكلماتِ أو التعاليم. سببُ تصفيرِ العصفورِ على نحوٍ جميلٍ هو عدمُ درايته بأنَّه عصفور. ليس لديه أيَّةُ فكرةٍ عمّا يكون. نحنُ نعطيه اسمًا، "عصفورًا". إنّنا نطلقُ أسماءً على كلِّ شيءٍ. هذه الأشياءُ موجودةٌ فحسب. هي ليستْ هنا، هي ليستْ هناك. هي ليستْ جيِّدة، هي ليستْ سيِّئة. الأمرُ نفسُه ينطبقُ عليك. أنتَ لستَ هذا أو ذاك، أنتَ موجودٌ فحسب. لا يوجدُ شيءٌ عليكَ فعله على الإطلاق.
فكِّرْ بكلِّ السَّنواتِ التي قضيتها في الدراسة. إلى أينَ ستقودُ كلُّها؟ قد تكونُ غیریًا وتومنُ بأنَّكَ تفعلُ الخيرَ في العالَمِ ومن أجلِ مستقبله، لكنْ ليس للعالَمٍ مستقبل. لم يكن له قطّ؛ و لن يكون له أبدًا. لقد جاءتْ آلافُ الحضاراتِ ورحلتْ، حتى تلك الّتي تفوَّقتْ إلى حدٍ ما، وأينَ نحنُ الآن؟ لقد رحلتْ كلّها. ما أقوله هو إنَّكَ لا تستطيعُ فعلَ الخيرِ لأيِّ شخص. كل شيء هو صوابٌ على ما هو. لا شيءَ في العالَمِ يحتاج إلى إصلاح. تظهرُ فكرةُ الإصلاحِ في عقلك، وتحاولُ وتحاول بلا طائل.
عليك أن تَعْرِفَ نفسَكَ كلاشيء، لا كشيء. تذكر دومًا أنَّ ليسَ ثمة شيءٌ عليكَ فعله على الإطلاق. هكذا تصبحُ سعيدًا، هانئًا. عندما يكونُ العقلُ خاليًا، تتعاظمُ السَّعادة.
استيقظْ منْ هذا الحُلمِ الفاني. مَنْ عليه أنْ يستيقظ؟ سَلْ نفسَك. لا أحد، لا شيءَ ليستيقظ. هل ترونَ لماذا لا يوجدُ شيءٍ ليقالَ حقًا؟ يمكننا أنْ نلعبَ جميعَ أنواع الألعابِ من التسابيحِ المختلفةِ وتقنياتِ التانترا- إلامَ سينتهي هذا؟ اعرِفْ فقط أنَّكَ لا أحد؛ لا يوجدُ شيءٌ لفعله على الإطلاق؛ لا أحدَ موجود. هذا يحرِّركَ مِنْ كلِّ شيءٍ. إنّه يحرِّركَ منْ كلِّ المسؤولياتِ تجاه نفسك وتجاه العالَم.
لنْ تستحيلَ إلى نبتةٍ لو كنتَ تستمعُ إليَّ بشكلٍ صحيح. ستفعلُ كلَّ ما تفعله الآنَ لكنَّكَ ستكونُ سعيدًا أكثرَ ممّا كنتَ في حياتكَ على الإطلاق؛ لأنَّكَ ستدركُ أنّه لا يهم. ستفهمُ أنّ لا أحدَ يفعل أيِّ شيءٍ حقًا. سيتابعُ أغلبكم أعمالَهم المعتادةَ إذا أرادوا. سيبدو أنَّكَ تعيشُ وجودًا إنسانيًا، لكنْ لنْ يظلَّ أحدٌ حقًا ليقومَ بأيِّ شيء. لقدْ رحلَ الفاعلُ. ليس ثمة فاعل. لقد تمَّ محوُّ الفاعلِ تمامًا.
ما يزالُ بعضكم يعتقدُ أنَّه لو أصبحَ هكذا فإنّه سيغدو ساخرًا للغاية وشرسًا، أنَّك لنْ تبالي أو تكونَ محبًّا ولطيفًا، لكنَّ هذا غيرُ صحيحٍ. على العكس تمامًا، عندما تتخلى عنْ كلِّ شيءٍ، عندما تتخلى عنْ كلِّ أفكاركَ المُسبقة، دوغمائيتك، عندما تنسى كلَّ طقوسكَ وكلَّ الأشياءِ التي كنتَ تفعلها طوالَ حياتك؛ عندها يبدأُ ما نسمِّيه "الحبَّ" بالعملِ منْ خلالكَ. ما نسمِّيه حنوًا يعملُ منْ خلالك. معايشةُ اللطافة، السَّلام- ستأخذُ هذه الخِصال مكانها تلقائيًا؛ لأنك فقدتَ كلَّ المخاوف. عندما تفقدُ كلَّ خوفٍ منَ الوجود، سيتولى الحبُّ القيادَ تلقائيًا.
ما دمتَ تخافُ الوجود وتعتقدُ أنَّ هناكَ خطبًا في مكانٍ ما، يخلُّقُ العقلُ كافةَ أشكال الصور، وسيتحتمُ عليكَ التقدمُ للدفاعِ عنْ نفسِك.
تعليقات
إرسال تعليق