شجاعة الحكمة بين الخوف والرغبات
ان ما يتصارع مع شجاعـة الحكمة هو المخاوف والرغبات ، وقـد ابـدع الرواقيون مبدأ عميقا خاصا بالقلق يذكرنـا كذلك بالتحليلات الحديثة، لقد اكتشفوا ان موضوع الخوف هو الخوف ذاته، يقول سينيكا : ليس ثمة ما هو مخيف في الاشياء باستثناء الخوف ذاته.
ويقرر ابكتيتوس و ليس الموت او العناء هو الشيء المخيف وانما المخيف هو الخوف من الموت والعناء، ان قلقنا يضع اقنعة
مخيفة على وجوه كافة الناس وفوق جميع الاشياء واذا ما جردنا الناس والاشياء من تلك الاقنعة فان ملامحهم الخاصة ستظهر اما الخوف الذي كانوا يبثونه فسيتبـدد.
وذلك امر ينطبق حتى على الموت، فحيث ان تحليلا من حياتنا يسلب منا كل يوم اي حيث اننا نموت كل يوم، فان الساعة الاخيرة التي نكف فيها عن الوجود لا تجلب بذاتها الموت، انها تكمل فحسب عملية الموت وما الأهوال التي ترتبط بها الا محض خيال وهي تتبدد اذا ما نزعنا القناع عن محيا الموت.
إن رغباتنا الطليقة هي التي تخلق الأقنعة وتضعها على وجوه الناس وفوق الاشياء، وقد سبق سينيكا نظرية فرويد عن الطاقة الحيوية وان يكن في مجال اكثر شمولا ، فهو يميز بين الرغبات الطبيعية التي يتم تقييدها والرغبات الطبيعية النابعة من الاراء الزائفة والتي تنطلق بلا قيد، ان الرغبة باعتبارها رغبة ليست شيئا مفيدا وهي في طبيعتها التي لم تلحقها يد التشويه تقتصر على الحاجات الموضوعية وبالتالي يمكن اشباعها، لكن الخيال المشوه للانسان يتجاوز الحاجات الموضوعية ( فحينها تنجرف مع التيار. . . فان ضياعك لا يعرف الحدود ) ويتجاوز معها اي اشباع ممكن وذلك .. لا الرغبة باعتبارها كذلك ـ هو الذي يسفر عن الميل المندفع الى الموت.
ويخلق تأكيد وجود المرء الجوهري الفرح وذلك على الرغم من الرغبـات وضروب القلق، لقد نصح سينيكا لوكولوس بأن يحرص على تعلم كيفية الشعـور بالفرح، وهو لا يشير الى الفرح بالرغبات المتحققة ، فالفرح الحقيقي هو امـرعسير، انه سعادة روحية سمت فوق كافة الظروف ، ، ويصحب الفرح تأكيد الذات لوجودنا الجوهري رغما عن عمليات العرقلة الصادرة عن العناصر العابرة فينا، ان الفرح هو التعبير الانفعالي عن الموافقة الجسورة على وجود المرء الحقيقي، وهذا الارتباط بين الشجاعة والفرح يوضح الطابع الانطولوجي للشجاعة بجلاء، فاذا ما فسرنا الشجاعة بالمفهوم الاخلاقي وحده فان علاقتها بالفرح المتمثل في تحقيق الذات تظل محتجبة بينما تتوافق الشجاعة والفرح في السلوك الانطولوجي الذي يعد تأكيد لذات وجود المرء الجوهري لقوامه الحقيقي.
تعليقات
إرسال تعليق