Mad Men


 

" لقد ولدت وحيدا وستموت وحيدا، وهذا العالم يرمي فوقك مجموعة من القواعد التي تجعلك تنسى تلك الحقائق. لكنني لا أنسى أبدا. أنا أعيش كما لو لم يكن هناك غد .. لأنه لا يوجد حقا. " دون درايبر

راودت فكرة مسلسل Mad Men السيناريست ماتيو واينر عام 2000، لكنها لم يكتب لها الخروج الى النور الا بعد سبع سنوات! تقول الحكاية أنه كان قد كتب بالفعل سيناريو الحلقة الأولى و قام بعرضه على قناة HBO والشوتايم لكنه لم يلقى أي قبول يذكر. ذهب ماتيو بعدها الى قناة AMC ليساعد دافيد تشايس على كتابة المسلسل الشهيرSopranos، و عندما قارب هذا الأخيرمن الانتهاء، كانت القناة تبحث عن مسلسل بديل يستطيع أن يملئ الفراغ، فقرروا المخاطرة بعرض مسلسل ماد مين، لكن المفاجأة كانت أن اكتسح المسلسل جوائز الإيمي والغولدن غلوب و أصبح يعد من قبل العديد من المتابعين العمل الدرامي الأعظم في تاريخ التلفزيون! 

يأسر المسلسل بكل عظمة و جمال روح حقبة الستينات في أمريكا بكل أزيائها الجذابة، أغانيها و سينماها الأثيرة، الفترة التي شهدت أحداثا ما زال العالم يتحدث عنها الى الان، انتحار مارلين مونرو .. اغتيال كينيدي .. حرب الفييتنام .. هبوط نيل ارمسترونغ على سطح القمر .. النضال من أجل الغاء التمييز العرقي. و في خضم كل هذه الاحداث، فاننا نتابع حياة مجموعة من الشخصيات العاملة في وكالة إعلانات بنيويورك، و بالضبط في جادة ماديسون، وسعيها المتواصل والمُلهم للبحث عن أفكار إبداعية لتصميم إعلانات مرئية ومطبوعة مميزة، شخصيات بلغت من فرط اتقان كتابها أن أصبحت ثلاثية الأبعاد، و نرى كيف تتطوربميزان دقيق خلال المواسم .. نرى كيف تحولت بيغي اولسن من السكريتيرة المحافظة القادمة من ضاحية المدينة الى المرأة الناجحة في عملها والواثقة من نفسها .. كيف تحول بيتر كامبل من ذلك الشخص المزعج و المختل بنفسه الى أحد أهم ركائز الشركة .. كيف تحولت بيتي من ربة البيت التي تملك عقل طفلة و التي تعاني من مشاكل نفسية الى انسانة قادرة على حل مشاكلها العويصة بنفسها. شخصية كروجر ستيرلينغ لا يمل الواحد من نكتها و سخريتها اللاذعة، وقار بيرت كوبر، حساسية جون هاريس .. هذه أشياء لا تراها في اعمال اخرى.

لم أتحدت هنا عن شخصية دون درايبر، لأنني سأحتاج لمجلدات للحديث عنها و تفسير كل تصرفاتها و قراراتها .. وعلاقاتها بكل الشخصيات الاخرى، يكفي أن أقول أن دونالد الان أصبح أعظم شخصية تلفزيونية شاهدتها في حياتي.

صراحة لا اعلم ما هو أعظم شيء في هذا المسلسل، اهو بناء الشخصيات العظيم، أم أداء الممثلين المتقن، أم هو الديكور و الازياء و السينيماتوغرافي، أم هي افتتاحيته الممتعة أم موسيقاه الختامية .. 

هناك قولة لباستر كيتون يقول فيها: " الصمت من شيم الالهة، وحدها القردة من تثرثر". يبدوا أن ماتيو قرر ان يعتمد عليها في بناء نصه هذا، اللغة البصرية في هذا العمل أخذت الحيز الاكبر، و حتى عندما كانت احدى الشخصيات تنطق فان كلامها كان في الغالب من التعقيد بانه يحمل معاني عديدة، هذا العمل درس لكل الكتاب في كيفية كتابة نص مركب، السر كله في الSubtext. هناك العديد من اللحظات المرحة التي تكون مضحكة فقط إذا كنت مركزا و فهمت من أين أتت الشخصية. هناك أيضًا العديد من اللحظات المأساوية التي قد لا تلاحظها او بالاحرى لا تشعر بها إذا لم تكن تعرف ما الذي حدث من قبل. مشاهدة هذا المسلسل ليس شيءا سهلا أبدا.

هذا عمل متكامل الأركان، عمل ظل محافظا على مستواه طوال سبعة مواسم، و على عكس أعمال عظيمة اخرى، عرف صناعه الوقت و الطريقة المناسبتين لانهائه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش