الرجل الذي مات مرتين \ جورج أمادو


كينكاس هدير الماء المدعو سابقاً بـالرجل المحترم جواكيم، الرجل الذي عاش مرتين ومات مرتين -أو ربما 3 مرات- اذا افترضنا خُروج كينكاس في عمر الخمسين عن طابع حياته المستقرة في ظل أسرته إلى اعتناق حياة التشرّد والحريّة "الميتة الأولى"، حتى وإن لم تكن ميتة جسدية فهي تمثل موت الأخلاق والمبادىء والحياة التي مارسها كينكاس طوال الخمسين سنة من حياته، بالإضافة إلى أن أهله أنفسهم اعتبروه ميتاً بمجرد خروجه "وهنا تنتهي الحياة الأولى لكينكاس"، أما الحياة الجديدة حياة مغايرة تماماً لتلك المقيّدة بقوانين وأعراف المجتمع، حياة بسيطة وبلا قيود، التقى فيها بأصدقاء حقيقيون وبالرغم من أنّه أمضاها في السكر والمقامرة طوال الليل إلا أنّها كانت حقيقيّة أكثر بالنسبة له. الميتة الثانية هي الميتة الفعلية، أما الثالثة هي الميتة التي تمنّاها العجوز كينكاس، بعدما مات اجتمع حوله أصدقائه وطافوا به حول المدينة وكأنّه حي وانتهوا بالاحتفال على ظهر سفينة وهناك القى العجوز نفسه في البحر، مختاراً الموت الذي يُريده والمكان الذي يُدفن فيه.


الحكايات عن موت كينكاس هدير الماء، تُحكى عن طريق طرفين رئيسين، الأول العائلة التي تُمجّد الأب المثالي المسؤول العامل الذي يستحق الاحترام وتلغي تماماً حياة الطيش والتشرد التي عاشاها فيما بعد، الطرف الثاني هم الأصدقاء -الذين لم يلتقوا بجواكيم- الذين يعتبرون كينكاس الأب الروحي لهم، والرجل المثالي في شرب الكشاسا، من خلال الطرفين ترى انعكاسات شخصية البطل، انعكاسات حيواته وميتتاته، قد لا نفهم السبب الذي دفع هذا الرجل إلى تغيير حياته بشكل كُلي ولكننا حقاً لا نحتاج إلى أي سبب غير أنّه احتاج إلى هذا التغيير.

وفي خضم الإضطراب العميم، سُمع (كينكاس هدير الماء) يقول :


" سأدفنُ كما أشتهي

في الساعة التي أشتهي

يُمكنكم أن تحفظوا تابوتكم إذن

لميتةٍ جديدة وميت جديد

أما أنا فلن أترك أحدً يحبسُني

في قبرٍ أرضيٍ رذيل .... "


قد يقول البعض أن الرواية تتحدث بشكل رئيسي عن الموت، وأنّها تجرد فكرة الموت وتسخر منها، ولكنني في الحقيقة أرى أنّها تتحدث عن الحياة، وعن مفاهيم مهمة في حياة الشخص كـ شخص، كوحدة متفردّة عن غيره، تعرض فكرة الاحترام وتسأل بشكل مباشر : ما الاحترام؟ بالنسبة لك كشخص ماذا يعني الاحترام؟ ، جواكيم كان رجلاً مستقلاً ذو شخصية وتفكير متزن ويعمل بشكل جدي، إذن هو يستحق الاحترام، ولكن بمجرد خروجه عن النمط وتجواله مع مجموعة من الأشخاص البُسطاء، أصبح ميتاً بالنسبة لأهله بكل بساطة تموت وأنت حي بمجرد تغير أفكارك ومبادئك.


الرواية فلسفية ساخرة، كُتبت بطريقة جميلة جداً وفي مواضع كثيرة تبعث على الضحك، لا أعتقد أنها تجعلك تختار موتك، هذا الأمر خارج عن نطاق أي فلسفة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش