فيما وراء الخير والشر




في كتابه "الصراع مع الشيطان" يصف ستيفان سفايغ رغبة المعرفة عند نيتشه بأنها رغبة جامحة، مدمرة، "شيطانية" لا تكل ولا تمل، لا تهدف إلى تشييد قصور أو بناء صروح معرفية عكس باقي الفلاسفة الألمان من قبيل كانط وفيخته...فعكس كانط لا يسعى نيتشه الى الزواج بالحقيقة والبقاء وفيا لها. فلا أنساق في فلسفة نيتشه، ولامذاهب، ولا قيم خالدة ولا أفكار ميتافيزيقية متعالية...
ولهذا السبب بالضبط يجد المرء صعوبة في قراءة نصوص نتيتشه وفهمها، فهي تستهلك القارئ وتُتعبه، تأخذ منه أضعاف المجهود التي تأخذه قراءات أخرى، لا لسبب إلا لأنها "قلب للأفلاطونية" كما يقول عنها هو نفسه. وما الافلاطونية في نهاية المطاف إن لم تكن الثقافة والطريقة التي اعتاد البشر أن يعيشوا بها منذ زمن بعيد؟ لذلك أيضا تحتاج قراءة نصوص نيتشه إلى براءة الطفل، لأنها تقتضي التخلي عن الكثير من الأحكام المعرفية المسبقة التي أصبحت تُشكل نمط تفكيرنا ووجودنا.
وكمثال على ما قلناه، لنتأمل هذه الفقرة المرعبة و"الغريبة" من الشذرة الرابعة لكتاب "فيما وراء الخير والشر"، والتي يحتاج المرء من أجل فهمها إلى أكثر من براءة الطفل، بل يحتاج أن يجعل من نفسه صفحة بيضاء :
 " أن يكون حكم ما خاطئا، فذلك لا يُشكل في نظرنا اعتراضا على ذلك الحكم، ربما كان هذا واحدا من أغرب أشيائنا المؤكدة في لغتنا الجديدة. تنحصر المسألة في معرفة مدى صلاحية هذا الحكم في ترقية الحياة ورعايتها، وحفظ النوع، بل وتحسينه...فالاقرار بأن اللاحقيقي هو شرط الحياة يعني بالتاكيد ان نقاوم بشكل خطير الاحساس الذي اعتدناه إزاء القيم؛ وفلسفة تسمح لنفسها بهذه الجرأة تضع نفسها مُسبقا وانطلاقا من هذا "فيما وراء الخير والشر"".

_ يوسف اسحيردة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش