الحمّامة \ باتريك زوسكيند


 


 في رواية باتريك زوسكيند  (الحمّامة) جسّد فيها مفارقة وجودية مخيفة:

حين تخوض هذا الوجود بجُبن وخوف وهروب مُستمرّ، فإنّ أعتَى أزماتك الوجودية، ستنفجّر عند أتفه الأسباب! 

سَعيَك الدائم والحثيث للسيطرة على حياتك وإحكام قبضتك عليها وكأنّك إله، يجعلك وجعلها حصينة ومنيعة ضد التقلّبات والمشكلات، يجعل ردّة فعلك عُصابية وهستيرية تّجاه أبسط اختراق أو انتهاك في حياتك.

جوناثان كان قد أسّس عالَمه الجديد في باريس، بعد سلسلة من الخيبات الحياتية التي لَم يُحاول أساسًا أن يجد إجابة عنها، فرحيل والدته ووالده وأخته، كلّ مآسيه السابقة، قرّر أن يتقفّز عنها وأن يهرب منها وأن يؤسّس حياة بعيدًا عن كلّ هذه المآسي التي لَم يَعي أو يُناقش بنضج شعوره حيالها.

لكنّ جوناثان نفسه يتأزّم وجوديًا في غرفته في باريس، هذا العالَم الآمن ومُحكَم الإغلاق الذي أسّسه لنفسه، كلّ هذا ينهار حين يرى حمامة تحدّق به عبر النافذة، فيشعر كما لو أنّه مُخترَق مرّة أخرى ومُهدّد، وأنّه عادَ ليفقد السيطرة على حياته.

هذا المخلوق المُسالِم، كان سببًا لتفجير المتراكم المَكبوت، وإرباك الذات المُهتزّة، والكشف عن تشظّي الداخل.

حمامة زوسكيند، هي نفسها الكلمة التي جعلتك في نوبة غضب، ونفسها المَوقف الذي جعلك تنهار بُكاءً، ونفسها الخطأ البسيط التي أدخلتك في حالة من الهلع.

وهذه يمكن مناسبة جيدة، لذكر أهمّية التسليم، والإحالة لكتاب (التنوير في إسقاط التدبير) لابن عطاء السكندري، هذا العمل الرقيق والوجداني.

مَنْ لَم يُنجهِ الصَبر.. أَهلَكَهُ الجَزَعُ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش