الأنا آخر \ ليديا راميريز
الأنا آخر I is an other
* مقال لليديا راميريز نشرت في The Lacanian Review 10
كم هو عدد الآخرين الذين يشكلون أناي، وأقول أناي معتبرة ياء المتكلم مجرد استتباع لغوي لكلمة "أنا"، على اعتبار أن ما يمكن أن نعتبره مركزاً لجاذبيتنا، هو بكل تأكيد، خارج مجال سيطرتنا، وينتمي لآخر غير معروف؟
أشار جاك لاكان إلى ذلك في سيمناره الثاني قائلا:" الشعراء، كما نعلم جميعاً، لا يعرفون ما يقولون، لكنهم مع ذلك، يتمكنون من قول الأشياء قبل أي شخص آخر". آخذا كمثال عبارة أرثر ريمباود "الانا آخر".
أعاد زمن الجائحة الذي نعيش به، إحياء تلك الفكرة التي قدمها لاكان، وهي أن البارانويا أساسية في تكوين الذات. " أكثر ما تم إساءة فهمه من قبل الإيغو هو بالضبط ما يشار إليه، أثناء التحليل، عند التكلم بالضمير "أنا" " (جاك لاكان السيمنار 2).
هذا الآخر المجهول هو اليوم موضع شك واتهام كونه يأوي فيروساً مميتاً.
أن تولد في اللغة، وأن تدخل فيها من خلال تسجيل دخول يقدمه الآخر (الاخر كاسم المستخدم)، أن يتم التحدث بك من قبل الآخر قبل أن تبدأ بالنطق بكلماتك الخاصة، أن يتم تعريفك بكونك من رفض الثدي ومن تسبب في التهابه عند الأم، كل ذلك يحدد مصدر الغرض السيئ في تاريخ تلك الذات.
ما يجعل البارانويا مرضية، هو التوهم الذي يخرج (أو يعاكس دخول) المرء من اللغة. ما يجعل البارانويا مصدر تكويننا كذات هو أنك " لمن المستحيل أن تكون شخصاً ما يتم الحديث عنه، شخص يتم تداول اسمه في خطاب الآخر الأكبر، دون أن تكون لنفس السبب بالذات مذموماً، مشهراً بك و ذائع الصيت بنفس الوقت، إنه لمن المستحيل أن تكون شخصاً ما دون مساعدة البارانويا". (جاك ألان ميلر 2009)
بدا لي الأمر غامضاً وملغزا دوماً، لماذا اختارت لي أمي اسم ابنتها الأخرى التي توفيت قبل ولادتي ببضعة سنوات. جاء جوابها على سؤالي، عندما تمكنت أخيراً من سؤالها، غامضاً ملتبساً وغير مرضٍ. بالطبع، لم يكن لأي جواب أن يشفي غليلي كلياً، ولم يكن لأمي أيضاً أن تكون قادرة على إجابتي بأية طريقة أخرى. هذه الحالة من الالتباس ستسم العلاقة مع المعرفة من الآن فصاعداً.
امتلكت تلك الأخت الميتة، التي لم أعرفها قط، ولم ألعب معها، ولم أرى حتى صورة لها، حضورا في حياتي كأخت، حضورا مستمراً بشكل يضاهي حضور الأختين الأخريتين اللتين كانتا على قيد الحياة. كانت تلك الأخت الميتة "آخري" الأول.
التوتر الذي عشته في علاقاتي، كان يتمحور حول كون مكاني يبدو لي دوما مشغولا من قبل الآخر، لطالما ركضت لأكون الأولى، ولطالما وصلت متأخرة، وكان الآخر يصل دوماً قبلي. المرتبة الثانية تحولت لعرض عندي. كان هناك دائماً شخص آخر، أذكى مني، أجمل وأفضل، وكانت مرتبته الأولى تلك، تبدو وكأنها محجوزة له، تلك الدوال ذاتها التي وصفت أمي انبتها الميتة بها: ذكية، جميلة وجيدة، هي نفسها الكلمات التي بقيت منقوشة عندي في حروف من نار.
بالنسبة لتلك الفتاة، يبدو وكأن الحياة والموت قد تم عرضهما على شريط موبيوس Möbius strip.
حظي الجيد بالولادة والبقاء على قيد الحياة قد جر وراءه كل ذنب العالم. جسدي كان معلماً بندبات تركتها حوادث الطفولة، حوادث وقعت في لحظات محددة كانت تتسم بالانفصال عن اغتراب لطالما تعلقت فيه.
في أحدى المناسبات التي قادتني إلى التحليل، تمت دعوتي لأخذ مكان من كان يعلمني الممارسة التحليلية، إذ كان يومها غائباً، وكنت حينها أرزح تحت ثقل قلق شديد.
ذاك الشيء الذي بقي دون إدراكي، يعذبني في جسدي وفي لاوعيي، قد تم إدراكه بشكل أخيولي، وهكذا شعرت بقلق فظيع يكتسحني، قلق يأخذ شكل الخوف من الجنون.
إن كان الآخر جيداً وها هو قد مات، فأنا إذن سيئة لأني على قيد الحياة، من الأفضل أن أكون سيئة على أن أكون ميتة.
لكن العيش تحت وطأة هذا الهم لم يستمر بشكل جيد.
فيما يتعلق بعلاقاتي العائلية، بت قادرة على الاستفادة من اسم عمتي، أنجليتا، لألبس تلك "الفتاة السيئة/الشريرة" ثوباً مناسباً باسم أنثوي، وقد نجحت في ذلك.
تجربة التحليل النفسي سمحت لي بتوضيح التعددية التصورية للايغو، وتبيين السراب/الوهم الذي تسقط فيه الذات وذلك عن طريق دعم نفسها بصورة الآخر، والقيد الناتج عن التثبت على دوال الآخر الأكبر للغة، وكذلك اللغز الناتج عن البقاء تحت رحمة جسد يستمتع بنفسه.
يتيح التحليل تحرير المثالات Ideals من بهرجها، ويضيء على ما يتبقى منها، بشكل يمكن الذات بواسطتها أن تعطي نفسها اسما جديداً، فاتحاً الطريق لربط عمل النقلة/التحويل Transference Work بتحويل العمل من أجل القضية التحليلية Cause والانتقال من موقع المريض Patient الذي ينشد الشفاء من أعراضه إلى موقع القائم بالتحليل Analysand الباحث عن منطق العلاج في العملية التحليلية.
عملية إعادة تكوين الأنا في نهاية التحليل، ليست عملية تدعو للافتتان والاعجاب. بل أنها عملية تستجيب بالأحرى لعبارة فرويد: حيث كان الهو، على الأنا أن تصير Wo es war, Soll Ich werden . مسألة كوني كنت مشحونة بشر العالم كان عبئاً ثقيلاً علي.
إن حمل المرء مسؤولية الجويسانس الخاصة به، كان في حالتي، الجانب الأكثر واقعية real من روحي.
تعليقات
إرسال تعليق