مهزلة العقل البشري \ علي الوردي
يحكى أن قرويا ساذجا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته فمر بدكان لبيع الحلوى...ذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا! ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لا يرى هذه اللذات المتراكمة حوله. ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى. فازدادت دهشته! إنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب حلوى ولا يأكل منها ! وسبب ذلك أن هذه الحلوى ناذرة في القرية التي جاء منها. ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته. وذلك في عرس ابن الشيخ. ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها. وقد دفعته سذاجته الى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها. ولا فرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا. ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ لا يسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب! وما حدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات. فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس اذا اقترن بها أو قبلها على أقل تقدير. إنه يتوهم ذلك في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ النواة. إن أحدنا ينظر الى هذه الفتاة الجميلة بعين المنظار الذي نظر به ذلك القروي الى دكان الحلوى . لا يدري كيف سيكون حاله بعدما يقترن بتلك الفتاة ويراها بين يديه صباح مساء، حيث تصبح حينذاك كالبقلاوة التي يأكل منها القروي أكلا شديدا متواليا يوما بعد يوم. لهذا ليس في هذه الدنيا شئ يمكن أن يتلذذ به الانسان تلذذا مستمرا. فكل لذة مهما كانت عظيمة تتناقص تدريجيا عند تعاطيها. وهذا ما يعرف في علم الاقتصاد الحديث بقانون (المنفعة المتناقصة).
تعليقات
إرسال تعليق