من أكثر المغالطات المنطقية انتشارا \ ريتشارد دوكنز


 


من أكثر المغالطات المنطقية انتشارا - أو لنقل الإنحيازات النفسية - هي أننا نميل دوما لتفسير الأمور بما نعرفه، أو نظن أننا نعرفه.. 

كمثال بسيط: لو قيل لنا أن فلانا سيزورنا غدا، ثم جاء الغد ونحن جالسون سمعنا صوت جرس الباب يدق، فسنفترض فورا - وربما بلا تفكير - أنه فلان واقف بالخارج؛ ليس لأننا رأينا أو سمعنا، ولا لأن هناك "دليل منطقي" يثبت أنه بالتحديد فلان وليس علان، ولكن ببساطة لأن هذا ما صرنا نتوقعه مسبقا.. 

حتى هنا لا مشكلة كبيرة، فغالبا توقعنا سيكون في محله؛ وحتى لو كنا مخطئين ولم يكن فلان هو القادم، فسنكتشف ذلك بسرعة ما أن نفتح الباب، وانتهينا.. 

ولكن تخيل لو أن ما قيل لنا هو : سيزوركم غدا تنين مجنح؛ ثم بوقتها سمعنا الباب يدق - ماذا نتوقع وقتها؟ 

هنا سننقسم إلى فريقين: الأول سيتشكك في منطقية الإدعاء العجيب، ويفترض أن الطارق حتما إنسان عادي.. والثاني ربما يصدق الإدعاء الخارق، بل وربما يعتبر أن سماع الطرق نفسه دليل على صحة ذلك الإدعاء.. 

وربما الثاني سيبادر الأول متحديا: طالما لا تعرف من الطارق، فعليك أن تستسلم وتعترف أنه قطعا تنين كما قيل لنا- وكأنه ليس ثمة احتمالات أخرى ممكنة.. 

ثم تزداد المشكلة تعقيدا لو تخيلنا أن كل فرد منا يتوقع قدوم شخص - أو كائن- مختلف؛ فالبعض منا ينتظر تنينا مجنحا، والبعض ينتظر غول، والبعض ينتظر قدوم المرحوم تشارلي شابلن.. 

في تلك الحالة حتى لو سمعنا طرقا، فكيف يمكن أن نعرف من بالخارج؟ وهل سيعتبر الطرق وقتها دليلا على أي شيء مفيد أصلا، سوى أن هناك شخصا ما أو كائنا ما - أو لنقل شيئا مجهولا ما- بالخارج؟ 

نسيت إخبارك أن هذا الباب مغلق ولا يمكن لأحدنا فتحه أبدا، فهو غيب كامل.. 

وهنا سنكون من جديد أمام طريقتين بالتفكير: الأولى أن كل فرد سيفسر الظاهرة بما ينتظره، فيجزم بأن كائنه الخاص هو الواقف خلف الباب، ولا سواه، وسيقسم لنا بأن صوت الطرق نفسه هو دليل واضح كالشمس على صحة ادعاءه هو بالذات - وكأنه ليس ثمة احتمالات أخرى ممكنة..

أما طريقة التفكير الثانية فهي الرجوع خطوة إلى الوراء، والتشكيك في كل الإدعاءات المطروحة على السواء، والميل لاستبعاد احتمالات الخوارق، والتي قد يظن المرء أنه يعرفها ولكننا بالحقيقة لا نعرفها، إذ أن تراكم المعرفة والخبرات الإنسانية تخبرنا أن أحدا لم ير تنينا أو غولا بحياته، وأن تلك الكائنات هي محض خيالات ميثولوجية نبتت.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش