كيف أصبح العالم \ إدغار موران
لقد أصبح العالم حسب "إدغار موران" يعجّ بالأزمات في ظل التقدم، فعصر التقنية هذا رغم أنه يحرز تقدم غير مسبوق، إلا أن ذلك لا يعني أبدا أنه سليم معافى من أعراض الأزمة التي أصبحت حدث ملازم ومحايث لكل عملية تقدم؛ لأنه وكما يقول "أنطونيو نيغري" «إن الأزمة ليست نقيض التقدم، وإنما هي صورته ذاته» من هذا المنطلق يمكن أن نقول بأن التقدم يقتات عن الأزمة التي بدورها تتغذى منه.
فالمسار التطوري للتاريخ حافل باللايقينيات؛ لأنه مركب. فبالقدر الذي يحرز فيه التاريخ تقدما، يكون على موعد مع انعراج و انحراف جديد، أي مع أزمات، فمفهوم الأزمة حسب "إدغار موران" لم يعد يأتي في مقابل مفهوم التقدم، أو أن وجود الأول يلغي إمكانية وجود الثاني، وإنما أصبحنا أمام علاقة تركيبية تقبل بهما معا، لذلك «ينبغي ربط فكرة أن الأزمة قد أصبحت هي نمط وجود مجتمعاتنا، وفكرة كون التقدم يحمل في نفسه خاصية أزماتية: ففي ثنايا تصوره المغير أو المتسارع ينطوي تقدم الأمم على عمليات فك البنيات/وفساد اقتصادي، واجتماعي، وثقافي: فالتقدم لا يحدث فوق أساس ثقلفي وحضاري ومجتمعي: إن التقدم غير منفصل عن عملية تحطيم أو تغيير لهذا الأساس، وهذا المجرى المنشئ للفساد، وإعادة بعث النظام هو خاصية هذا البعد الأزماتي».
لم يعد العالم يعيش بمنأى عن الأزمة في ظل التطور، فتحقيق التقدم يُضمر في داخله انعراجات وتقهقرات، أي باختصار أزمات، تكون وازع وراء اقتلاع الأسس البالية التي لم تعد تجدي نفعا. فإذا كان الزخم التقني الذي عرفته البشرية اليوم قد انعكس بالإيجاب على الإنسان سواء على المستوي الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الفكري ثم الثقافي، فإنه لا يمكن أن ننسى أو نُعرض عن الطابع الأزماتي في ظل التطور الذي عرفته البشرية، بحيث مكّن التقدم التقني من إلحاق ضرر جسيم بكوكب الأرض، وأصبح وجود الإنسان مهددا بفعل عجزه عن مقاومة المخاطر التي تهدد وجوده ككائن، رغم التطور والتقدم الذي بلغ إليه.
لقد تمكن الإنسان بفضل التطور التقني والعلمي من إنتاج أسلحة نووية بمقدورها أن تدمر الأرض وتقضي على الحياة فوق سطحها، لذلك يمكن القول بأن قدرة الإنسان اليوم على التطور وتحقيق التقدم أصبحت توازيها إمكانية أخرى لخوض حرب ضد ما يترتب عن هذا التقدم من أزمات، وأمام هذا الوضع يمكننا أن نطرح السؤال التالي:هل يسير العالم إلى الهاوية؟.
تعليقات
إرسال تعليق