من دروس الفلسفة الوجودية
كان "جان فال" الفيلسوف الفرنسي المعاصر خارجاً من قهوة ( فلور ) في باريس حينما التقى به بعض الطلبة وسألوه : بالتأكيد أنت الاستاذ الوجودي ؟
فأجاب على التو : لا. واتجه في طريقه غير مبالّ بهؤلاء الشبان ومعاكساتهم المستمرة لجماعة المفكرين الأحرار. ولكنه لم يأخذ مكانه المريح إلى جوار المدفأة في بيته، حتى استعاد في ذاكرته ما مر به أثناء مقابلته لهؤلاء الشبان، وراح يتساءل عن السبب المباشر الذي دعاه لأن يجيب بالنفي حينما سئل هل أنت وجودي أم لا ؟ إذ الواقع والمعروف أن (جال فال ) من المنتمين لهذه الفلسفة بأفكاره وكتاباته، بل ويعد من أهم المؤرخين لها على ندرتهم. فانتهى تفكيره وتعليله إلى سبب قريب : فهو لم يملك الوقت لإعمال الذهن في إجابته حينما قوبل فجأة بهذا السؤال، ولكنه لاشعورياً كان يحس بالابتذال في الكلمات المنتهية بالياء المشددة دلالة على الانتساب إلى جماعة بالذات أو مهنة معينة. فهذه الكلمات تبدي برأيه تعميماً مبهماً. إذ أن الفلسفة الوجودية إنما جاءت مناقضة لتلك الحركات الجماعية وتلك الفلسفات التي تدعو إلى صب الناس في قوالب معينة، من ناحية الاعتقاد والتفكير وأسلوب الحياة ونوع السلوك.
- فحين نفى جان فال عن نفسه تهمة الانتساب للوجودية، رغم اتفاقه معها في الهدف والميل الفلسفي، إنما كان ينفي عن الفلسفة الوجودية ذاتها تهمة التشابه والتكرار في الأذواق والمشارب، ويرفع عنها صفة التعميم ، وينزع منها كل ما من شأنه أن يعطي أفرادها صفة الالتزام بأفكار خاصة، وباتباع الآراء التي ابتكرها رؤساء الطائفة وزعمائها المجدِّدون. فضلاً عن أنه ليس هناك فلسفة وجودية ذات صيغ نهائية تقريرية، أو ذات طابع مذهبي، وإنما هناك فلسفة وجودية بقدر ماهنالك من فلاسفة وجوديين.
الاتجاهات المعاصرة في الفلسفة، عبد الفتاح الديدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٥.
تعليقات
إرسال تعليق