مفهوم التسامح في فلسفة جون لوك
إن العقل في نظر "لوك" عنصر أولي بسيط التكوين. و هو يُولَد صفحة بيضاء ، وبذلك يُولد الناس متساوين في قدراتهم على المعرفة ، وتنطبع في عقولهم تجاربهم الحياتية التي هم غير مسؤولين عنها ، بل يتم تلقينهم اعتقاداتهم مهما كانت منابِتها متباعدة ومتشعِّبة. ولقد أنجب فكر ذلك العصر المادّي فلسفة سياسية ذات أسس إنسانية النزعة تقبل مكونات المجتمع بأكملها ، بوصفهم عناصر ذرية متساوية الحقوق وتستحق الاحترام مهما كانت معتقداتها. ومن هذه النظرية انطلق "لوك" لتأسيس نظريته في التسامح الديني. - يتحدّث "جون لوك" عن محدودية المعرفة البشرية ، و بالتالي يفتح الباب أمام التسامح الديني ، وتقبُّل الرأي الآخر ، فضلاً عن أنه يُشكِّك في المعرفة الحدسية. فحدود المعرفة الإنسانية تقود إلى احتمال الخطأ خاصّةً في الأمور التأملية ، لذا لا يجد يقيناً في الآراء الدينية. ومن هذه الحجة ينطلق "لوك" للمناداة بالحرية الشخصية والحرية الدينية معاً. إذن أصبح العقل هو العامل المشترك بين الناس - وهذا ما أكده ديكارت من قبل ، حيث يقول "العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس" - . وبالتالي لم يعد الإيمان هو العامل المشترك الذي يساوي بين الناس. - هكذا تتضح معالم فلسفة لوك السياسية التي تقوم على فكرة ولادة العقل صفحة بيضاء ، فطالما الأمر كذلك ، لِمَ لا يتساوى الناس جميعهم في الحقوق ؟ فهذا العقل الذي يولد صفحة بيضاء يفرض حرية الفكر والتسامح ويفرض المساواة بين الجنسين ، وبين طبقات المجتمع المختلفة.
تعليقات
إرسال تعليق