نظرية المُثُل الأفلاطونية
نظرية المُثُل الأفلاطونية
( أصولها - مبادئها - الانتقادات التي وُجِّهت إليها )
أولاً : الأصول
- يقول أرسطو في "مابعد الطبيعة" أن أفلاطون تأثر في هذه النظرية أول ما تأثَّر بهيرقليطس و بارميندس ، ثم بالفيثاغوريين ، ثم بسقراط. فقد كان أفلاطون مُخلِصاً للمذهب الهرقليطي القائل بالتغير الدائم للأشياء ، فلا بُدَّ أن يكون وراء التغيُّر شيء مقابل هو "الثبات" الذي لا يقبل التغيير. كما أخذ عن هرقليطس قوله بأن المعرفة الحسية معرفة باطلة ، وأن المعرفة العقلية هي المعرفة الحقيقية ، وكل معرفة عقلية تقتضي الوجود الثابت موضوعاً لها. كما تأثر ببارميندس حين رأى أن التغير المطلق لا يمكن أن يكون إلا وهماً ، وأنه لا بد من الوحدة إلى جانب الكثرة. وقد رأى أرسطو أن العقيدة الفيثاغورية القائلة بأن الأعداد والأشكال الثابتة هي علل و مبادئ الوجود ، قد ساهمت في تكوين خطوط أساسية لنظرية المثل الأفلاطونية. أما تتلمذه على يد سقراط وميله الشديد إلى العلم الرياضي ، جعلاه يبحث عن الماهيات الثابتة ، ويحتقر العالم المحسوس.
ثانياً : المبادئ
- اعتبر أفلاطون أن العلم الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا إذا
افترضنا وجود ماهيات ثابتة تكون موضوعاً للعلم. هذه الماهيات الثابتة هي الحقائق الخالدة الموجودة في عالم الإله ، وهي أزلية أبدية لا يلحقها التغير والفساد ، لأن المُتغيِّر والفاسد هو الكائن المحسوس. هناك إذن حسب أفلاطون عالم آخر فوق هذا العالم المحسوس ، هو عالم المثل الخالدة أو الموجودات العقلية الثابتة ، التي منها تستمد جميع الموجودات الحسية وجودها.
المُثل هي مبادئ الوجود ، بل هي الوجود الحقيقي ، لأنه لا حقيقة للأشياء المحسوسة إلا بمقدار ما تشترك بعالم المثل. إن صورة الجمال المطلق مثلاً ليست هي صورة هذا أو ذاك ، بل هي حقيقة الجمال الخالدة التي لا تتغير ، إنها ماهية الجمال المفارق للأشياء المحسوسة. فالحقيقة إذن لا يمكن أن تتمثل في المادة ، لأن مصير المادة العدم ، وهي لا تتمتع بالوجود النسبي إلا بفضل الإشراق عليها. بعبارة أخرى : المِثال هو الشيء بالذات ، والجسم هو شبح للمثال. فمثلاً إذا أردنا الدقة في الكلام لم نسمِّ النار ناراً ، بل إنها شيء شبيه بالنار بالذات. وهكذا.
كانت النفس قبل اتصالها بالبدن في صحبة الآلهة ، ارتكبت إثماً فهبطت إلى البدن ، فهي إذا أدركت أشباح المثل بالحواس ، تذكَّرت المثل. وكما أن الإحساس بالحاضر ينبّه في الذهن ما اقترن به في الماضي وما يشابهه أو يضاده ، وكما أننا نتذكر صديقاً عند رؤية اسمه ، فكذلك نتذكر الخير بمناسبة الخيرات الجزئية ، و المتساوي بالذات والجمال بالذات بمناسبة الأشياء المتساوية أو الجميلة ، وهكذا. فما التجربة إلا فرصة ملائمة لعودة المعنى الكلي إلى الذهن ، وما الاستقراء إلا وسيلة تنبيهه ، أما هو في ذاته فموجود في النفس ، و مُتصوَّر بالعقل الصرف.
ثالثاً : الانتقادات
- هذا "أنستانس الكلبي" يقول : " إني أرى فرساً ولا أرى الفرسية". فأنكر بذلك إمكان وجود المثل كحقائق خارجية. أما نقد أرسطو فكان جدلياً خالصاً ، ويمكن اختزاله في وجهين : إما أن المثل موضوعات للعلم و عندئذ لا تكون جواهر ، وإما أنها جواهر الأشياء ، وعندئذ لا يمكن أن تكون موضوعات للعلم.
- تاريخ الفلسفة اليونانية \ يوسف كرم
- أفلاطون سيرته وفلسفته \ أحمد شمس الدين
تعليقات
إرسال تعليق