رواية الأمواج \ فرجينيا وولف


 


تعتبر «الأمواج» تحفة من ناحية الأسلوب واطلق عليها أحد النقاد (قصيدة نثرية). 

وفكرة الرواية هي أمواج التجارب وهي تتكسر فوق مجموعة من الشخوص وعددهم ستة وتفرق بينهم فرجينيا وولف بطريقة مبتكرة وتراقبهم جميعاً في مراحل حياتهم المختلفة ‏-من الطفولة إلى النضوج إلى الموت. وتتكون المجموعة من (برنارد) وهو انبساطي النزعة اجتماعي يحاول دائما أن يعبر عن جوهر الحياة بكلمات وعبارات، ثم (نيفيل) وهو انطوائي، رقيق، سريع الغضب، صعب الارضاء، قنوط، يجفل من الصداقات والعلاقات التي يقدمها له الناس من حوله، و(لويس) إبن مدير بنك استرالي يقاسي من شعور بالنقص.  ومعهم ثلاث فتيات (سوزان) وهي شهوانية تحب التملك و(جيني) وهي شيطانة صغيرة عنيدة مراوغة تعصي الأوامر دائماً،  وأخيرا (رودا) خجول تحب العزلة ولم تستطع أن تكيّف نفسها.

وتدعو فرجينيا وولف القارىء أن يشارك هذه الشخوص احساساتها أيام الطفولة عندما يكون العالم مكاناً ساحراً جميلاً مثيراً فيه غذاء للحواس إلى أيام الشباب الحالمة بما فيها من طموح وآمال إلى مرحلة النضوج التي تجلب شعوراً

وإحساساً غريياً لمعنى (الحقيقة) إلى الإحساس بالحزن والفشل ومشكلة الموت حين يبتلع الزمان كل الآمال العريضة.

وتترك فيرجينيا وولف (برنارد) وحيدا فى النهاية ليلخص لنا ما صادفه في حياته كما تضع نفسها مكان كل شخص لتمسك بانطباعات الحياة وتجاربها عند مرورها السريع فوق الشخصية وتغير من اتجاهها وتدفعها وتسوقها إلى النهاية.

وتقتبس الزمان في القصة عن طريق تسع وقفات رمزية تشيير إلى مسار الشمس فوق البحر منذ الفجر حتى الليل. وهذه الفقرات الوصفية تعتبر من أجمل ما كتب فى اللغة

الانجليزية وهذه هي الفقرة التي تصف فيها ضوء الصباح:

"وسقط الضوء على الأشجار فى الحديقة، وبدت احدى الأوراق شفافة، ثم أخرى. وغرد طائر فى مكان عال، وكان هناك سكون، وغرد آخر في مكان تحته٠ وحددت أشعة الشمس جدران المنزل، واستقرت كطرف مروحة فوق ستارة بيضاء وخلفت بصمة اصبع زرقاء رقيقة من الظلال تحت أوراق الأشجار عند نافذة حجرة النوم. وتحركت الستارة برقّة ولكن الداخل كان معتما وغير ذي بال وغنّت الطيور لحنها المرسل في الخارج"

وفي (الأمواج) يجري البحث عن الحقيقة وقبل نهاية القصة ندرك أن الحقيقة موجودة ضمنياً فى كل تجربة ولكن العقل لايستطيع أن يجردها ولا تستطيع الكلمات أن تعبر عنها. ويعبر عن ذلك برنارد الذي كان يحاول دائماً أن يحبس الحقيقة في عبارات ومفردات بقوله:

"لقد سقط كتابي المحشو بالعبارات على الأرض يرقد تحت المنضدة فى انتظار أن تلتقطه مدبرة المنزل عندما تأتي مع الفجر تبحث عن قصاصات من الورق وتذاكر ترام قديمة ومن هنا ومن هناك ورقة مطوية فى شكل كرة تركت لها لتكنسها مع باقي الأوراق المهملة ... السكوت أحسن بكثير، فنجان القهوة والمائدة. إن الجلوس بمفردي كالطائر البحري الوحيد الذي يفتح جناحيه أحسن بكثير. دعوني أجلس هنا إلى الأبد مع هذه الاشياء العارية، فنجان القهوة هذا، هذه السكين هذه الشوكة أشياء فى ذاتها وذاتي ذاتها. لا تأتوا وتقلقوني بملاحظاتكم، لقد آن الأوان أن أغلق الدكان وأرحل إني على استعداد أن أضحي بثروتي كلها عن طيب خاطر بشرط ألا تزعجوني وتدعوني أجلس هنا وأجلس فى صمت، وحيداً..."

لقد أمضى حياته كلها يحاول أن يسجن هذه الحقيقة ويجمدها في عبارات ولكنها كانت كتيار الوعي وكأي تجربة نفسية عميقة بعيدة عن التعبير وأخيرا أدرك أن تيار الوعي أو الحقيقة هو إدراك أن "الفجر ما هو إلا نوع من النور في السماء، نوع

من التجديد... نعم، هذا هو التجديد الأزلي، شروق وغروب مستمر وغروب وشروق آخر..."

- عرض وتلخيص الدكتور طه محمود طه (أستاذ الأدب الإنجليزي ومترجم رواية عوليس ulysses للكاتب الأيرلندي جيمس جويس)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلُّه نكتة كونيّة \ روبرت أدمز

رسالة دوستويفسكي إلى اخيه ميخائيل بعد أن نجى من الاعدام بأعجوبة

قبل بزوغ الشمس \ فريدريك نيتشه

الإرتباك الوجودي الذي ينجم عن حالة الملل

على الطريق \ فريدريك نيتشه

قرد في الأكاديمية \ فرانز كافكا

كتاب مت فارغا \ تود هنري

هل الوعي حرٌّ؟ آناكا هاريس

الجمر البري \ نيكيتا جيل

تجنب الألم \ فيليب فان دان بوسش