أصل الأخلاق وفصلها / نيتشه
إذا كنا قد فهمنا الاسباب التي جعلتني ادّعي إن مسألة الإعتناء بالمرضى، ومعالجة المرضى، لا يسعها أن تكون من واجب الأصحاء، إذا فهمنا هذه الاسباب بكل ما يقتضيه فهمها من عمق .. وأنا اشدد هنا، بالضبط على ضرورة الإدراك العميق، على ضرورة الفهم العميق .. فإننا نكون قد ادركنا الاسباب الموجبة لضرورة أخرى .. ضرورة أن يكون لدينا أطباء وممرضون يكونون هم انفسهم مرضى : والآن، ها نحن نمسك ونقبض بكلتا يدينا على معنى الكاهن الزاهد . الكاهن الزاهد ينبغي أن يكون، بالنسبة لنا، المنقذ المعدّ سلفاً، راعي القطيع المريض والمدافع عنه : هكذا فقط نستطيع أن نفهم مهمته التاريخية الخارقة . السيطرة على المتألمين، هذا الدور الذي أعدّته غريزته للقيام به، وهو يجد هذا الدور فنه الخاص، سيادته، ونوع سعادته، ينبغي أن يكون مريضاً هو بالذات، ينبغي أن يكون على صلة حميمة بالمرضى، بالمحرومين، حتى يتمكن من سماعهم ومن التفاهم معهم. لكن عليه كذلك أن يكون قوياً، أن يكون متمكناً من نفسه اكثر من تمكنه من الآخرين، رابط الجأش في إرادته للمقدرة حتى يجوز على ثقة المرضى ويكون موضع خشيتهم، حتى يكون دعماً لهم، وسنداً، وملزماً، ومعلماً، وطاغية، وآلهاً . عليه أن يحمي قطيعه .. ممن ؟ من الأصحاء، بالتأكيد. ولكن أيضاً من الحسد الذي يولده الأصحاء ويثيرونه في الانفس، عليه أن يكون العدو الطبيعي لكل صحة ومقدرة، أن يكون مزدرياً ومحتقراً لهما، ولكل ما هو فظ، ومتوحش، ومحموم، وصلب، وعنيف، على على شاكلة الحيوانات المفترسة .
تعليقات
إرسال تعليق