عنبر رقم٦ \ أنطون تشيخوف
– لنفرض أن سكينة الإنسان و رضاه ليسا من خارجه بل في داخله، و لنفرض أنه ينبغي احتقار الآلام و عدم الاندهاش لشيء. و لكن، على أساس تدعو أنت لذلك؟ هل أنت حكيم؟ فيلسوف؟
– كلا، لست فيلسوفا، و لكن كل إنسان ينبغي أن يدعو لذلك لأنه صواب.
– لا، بل خبرني لماذا تعتبر نفسك خبيرا في مسألة فهم الحياة و احتقار الآلام و ما إلى ذلك؟ هل تألمت في حياتك؟ هل تفهم ما هي الآلام؟ اسمح لي: هل ضربت في طفولتك؟
– كلا، كان والداي ينفران من العقاب الجسدي.
– أما أنا فكان يضربني بقسوة، كان أبي موظفا حاد الطبع، مصابا بالبواسير، ذا أنف كبير و رقبة صفراء. و لكن دعنا نتحدث عنك. طوال حياتك كلها ام يمسسك أحد بإصبعه، و لم يرهبك أحد أو يقهرك. و أنت صحيح كالثور. و قد تربيت في كنف أبيك و تعلمت على حسابه، و بعد ذلك حصلت فورا على وظيفة مريحة و عشت أكثر من عشرين سنة بالمجان في شقة بالتدفئة و النور و الخدم و تملك الحق في أن تعمل بقدر ما تريد و كيفما تريد، حتى لو لم تعمل شيئا. و أنت بطبيعتك شخص كسول، رخو، و لذلك سعيت لتدبير حياتك بحيث لا يزعجك شيء و لا يحركك من مكانك. و قد سلمت الأمور للحكيم و بقية الأوغاد. بينما جلست في الدفء و السكون، تدخل النقود و تطالع الكتب و تمتع نفسك بالتفكير في مختلف ألوان الهراء السامي ( ثم نظر إيفان دميتريتش إلى أنف الدكتور الأحمر ) و بالشراب. و باختصار أنت لم تر الحياة و لا تعرفها على الإطلاق، و لست مُطلعا على الواقع إلا من الجانب النظري. و أنت تحتقر الآلام و لا يدهشك شيء لسبب بسيط الغاية، فالقول: هذا باطل الأباطيل، و الاحتقار الداخلي و الخارجي للحياة و الآلام و للموت، و فهم الحياة، و النعمة الحقيقية ... كل ذلك هو أنسب فلسفة للتنبل الروسي . أنت مثلا ترى فلاحا يضرب زوجته، فلماذا تتدخل؟ دعه يضربها، فكلاهما على اي حال سيموتان عاجلا أم آجلا. زد على ذلك إن الضارب لا يهين بضربه الشخص المضروب بل نفسه. و السكر عمل أحمق، غير لائق، و لكن سواء شربت أم لم تشرب فسوف تموت. و تأتي إليك امرأة تشكو ألما في أسنانها ... و ماذا في ذلك؟ الألم ليس إلا تصورا عن الألم، و علاوة على ذلك لا يمكنك أن تعيش في هذه الدنيا دون أمراض، و كلنا سنموت، و لذلك انصرفي أيتها المرأة، لا تعطليني عن التفكير و شرب الفودكا. و يسألك النصح شاب فيما ينبغي عليه أن يفعل و كيف يعيش. و لو سأل شخصا آخر لفكر قبل أن يجيب، أما هنا فالجواب حاضر: اسع لفهم الحياة أو للنعمة الحقيقية. و لكن ما هي هذه « النعمة الحقيقية» الخيالية؟ بالطبع ليس هناك جواب. و يحتفظون بنا هنا وراء القضبان لنتعفن و يعذبوننا، و لكن ذلك رائع و معقول لأنه ليس هناك أي فرق بين هذا العنبر و غرفة المكتب الدافئة المريحة. هذه فلسفة مريحة: لا تفعل شيئا بينما ضميرك مستريح و تحس بنفسك حكيما ... كلا يا سيدي، هذه ليست فلسفة، و ليس تفكيرا، و لا سعة أفق، بل كسل، و زهد و أضغاث أحلام ... نعم! - و عاود الغضب إيفان دميتريتش من جديد - إنك تحتقر الآلام ، و لكن لو أن إصبعك انحشرت في الباب فلربما صرخت بأعلى صوتك !
فقال أندريه يفيميتش و هو يبتسم بوداعة:
– و ربما لا أصرخ.
– كيف لا! أما لو أصابك الشلل، أو لنفرض أن أحد الحمقى الوقحين أهانك علنا مستغلا مركزه و رتبته و أنت تعرف أنه لن يعاقب على ذلك، لأدركت عندئذ ما معنى أن ترسل الآخرين إلى فهم الحياة و إلى النعمة الحقيقية.
فقال أندريه يفيميتش و هو يضحك من المتعة و يفرك يديه:
- هذا طريف. إن ما يذهلني فيك هو قدرتك على التعميم، أما الصورة التي تفضلت من توك برسمها لشخصي فهي ببساطة، باهرة، أصارحك بأن الحديث معك يحمل لي متعة فائقة.
تعليقات
إرسال تعليق