باروخ سبينوزا ... التعبير بحرية هو الوجود الحقيقي
كان في الثامنة من عمره عندما شاهد هذا المنظر الذي دفع به أن يتمرد على النظام الإجتماعي والديني السائد آنذاك..كان المشهد في باحة المعبد اليهودي بأمستردام، حيث أخذ عدد من رجال الدين يطؤون بأقدامهم رجلاً كان ممداً عند مدخل باب المعبد .
فسأل الصبي والده : ماذا فعل هذا الرجل ليتلقى هذا التعذيب والإهانة؟
قال الأب وهو يسحب ابنه خارج المعبد :"إنه أوريل أكوستا.. مفكر حر ياولدي"، ثم أخذ الصبي يسأل والأب يجيب ويشرح لابنه كيف تم طرد أكوستا من المجمع اليهودي، لأنه كان يشكك بما جاء في التوراة، وكيف إن الحاخامات يريدون أن يستأصلوا خطايا أكوستا بالدوس عليه بأقدامهم لكي يتخلص من ذنوبه، ويُسمح له من جديد بدخول المعبد.
عندما عاد الصبي إلى البيت، حاول أن يشرح لأمه كيف تم تعذيب أوكاستا، فنصحته بأن يمسح هذه الافكار من ذهنه، وعندما حاول أن يخبر زملائه في المدرسة عما رآه في المعبد تلقى صفعة من الأستاذ الذي طلب منه أن لايتحدث بسوء عن الدين. بعد أيام سَيخبره والده إن أوكاستا أطلق الرصاص على نفسه، بعد أن سعى رجال الدين لمضايقته وإهانته في كل مكان .
بدأ الصبي يفكر في ذلك العالم الغريب، عالم الحمقى الذي سيسميه فيما بعد، وبدا له أن الإنسان يحاول أن يصيب الإنسان الآخر بأذى.. ولاحظ كيف يكره اليهود بعضهم بعضاً، وكيف طُرد أجداده من إسبانيا بسبب كراهية المسيحيين لليهود، لذلك كتب في دفتر صغير عبارة مثيرة :"عندما أكبر، سأحاول أن أجد وسيلة أضع بها حداً لكره الناس بعضهم بعضاً".
في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1632 في امستردام بهولندا جاء طفل لعائلة يهودية ميسورة، قالت عنه أمّه فيما بعد:"طفلي مخلوق حسن النيّة، لكن مستوى ذكائه للأسف أقل من أقرانه، وهو خامل طوال الوقت ""
عاش باروخ سبينوزا في طفولته وصباه حياة عادية، فوالده ميخائيل تاجر ميسور، سعى لأن يتعلّم ابنه في إحدى المدارس الدينية، ويدرس الكتب المقدسة وكتباً دينية وفلسفية، حيث كان الأب يطمح في أن يصبح ابنه حاخاماً، لكنه يخيب ظن الأب ففي الثالثة عشرة من عمره عثر في مكتبة المدرسة على كتاب " التأملات"لرينيه ديكارت، وما أن قرأ الصفحات الاولى حتى وجد نفسه مسحوراً بأفكار الفيلسوف الفرنسي. فيما بعد سَيخبرنا إنه وجد في كتب ديكارت أجوبة لاسئلة كان يطرحها على نفسه حول أهمية العقل في حياة الإنسان :"علمني ديكارت أن أعرف معنى الجديد، ووجدت في توطيد الجديد ما يقضي بدحض القديم، لاينفصل الجديد المعرفي عن الحاضر الذي يقضي بتحرير المعرفة من أزمتها، ويسعى الى اطلاق الامكانيات الانسانية."
عندما يبلغ السابعة عشرة من عمره يقرر سبينوزا أن يضع كتاباً عن ديكارت، ويعلن إن سلطة أفلاطون وأرسطو لاتعني له شيئاً، فهي حسب رأيه لا تلائم تقدم العلم والفلسفة :" أعلم حقيقةً إن هذه الأحكام المسبقة تمنع البشر من التفلسف، واعتقد إن من المفيد أن أقوم بفضح هذه الأحكام، وأن أخلِّص منها العقول المفكرة"، وقد جعلت دراسته لمنهج ديكارت من المستحيل عليه قبول كل عبارات التوراة، وأيضا تفسيرات رجال الدين، حيث بدأ يفكر بعلاقة الانسان بالدين والعلوم بطريقة تخالف ما تعرف عليه في وجهة نظر اليهود والمسيحيين التقليدية، وقد أعلن مواقفه بطريقة صادمة لعائلته، الأمر الذي دفع شقيقته الكبرى، والتي كانت تريد أن تحرمه من إرث والده، أن تبلغ السلطات الدينية اليهودية عن"هرطقات"شقيقها، مما جعل كبير الحاخامات في أمستردام يقرراستمالة سبينوزا الشاب، حيث أبدى استعداده لأن يقدم له معاشاً شهرياً ثابتاً لو إنه احتفظ بآرائه لنفسه، ولم ينشرها بين الناس، غير أن الشاب المتحمس رفض العرض، الأمر الذي دفع الحاخامات الى إصدار قرار بمنع جميع اليهود من أن تكون لهم علاقات معه، وأن لا يقرأوا له شيئاً، وان لا يقتربوا منه، وحاول متعصب يهودي أن يقتله، فطعنه بسكين أحدثت جرحاً عميقاً في جسده، ظل يتذكره في كل مرة يقف فيها ضد تعاليم رجال الدين. وهكذا أصبح وهو في الرابعة والعشرين من عمره منبوذاً، حيث قرر مجلس الحاخامات طرده من الطائفة اليهودية ، كما أصبح بلا مورد مالي بعد أن حُرِم من ميراث والده، فامتهن صقل العدسات البصرية، وهي المهنة التي ظل يمارسها حتى وفاته، واضطر أن يغادر مدينته امستردام، وتجول في عدد من المدن، ليستقر أخيراً في مدينة ليدن، حيث يعاوده الحنين إلى الفلسفة التي كرس لها كل حياته، وقرر أن يغير اسمه الى بندكت، كي يبتعد عن ملاحقة رجال الدين، مثلما قرر أن لا ينشر أثناء حياته سوى كتابين، الأول قام بجمعه طلبته وهو يتعلق بفلسفة ديكارت، والثاني "رسالة في اللاهوت والسياسة " ، لم يضع اسمه الصريح عليها في بداية الامر لخطورة ما جاء بها من أفكار. وأصبح بمرور الزمن معروفاً في الأوساط الفلسفية ، حيث عرضت عليه جامعة هيدلبرغ منصب الاستاذية، لكنه رفض المنصب وأصر على الاستمرار بمهنة صقل العدسات، وقدم له لويس الرابع عشر معاشاً بشرط أن يهديه احد كتبه، فرفض العرض أيضاً، وصمّم أن يستمر بحياته البسيطة التي كانت تؤمن له دخلاً متواضعاً، لكنها تساعده في التعبير عن معتقداته دون تحفظ. وذهب إليه الفيلسوف الالماني"ليبنتز" ليزوره في بيته الصغير، وكان شغوفاً بفلسفته فهو يعترف إنه توصل الى بعض الأفكار الرئيسة لفلسفته الخاصة عندما قرأ سبينوزا، ويكتب ليبنتز وصفاً لسبينوزا قائلاً : "التقيت الاستاذ، كان رجلاً متواضعاً يعيش في مستوى الكفاف، لايملك سوى مكتبة كبيرة وأدوات يصقل بها العدسات، زاهد في الملذات، كان بإمكانه أن يملك كل الوسائل التي تكفل له ثراء هائلاً، لكنه تركها بمحض إرادته، فقد كرس حياته للبحث وراء شيء مختلف "
ولما كان سبينوزا قد ولد ضعيف البنية ، وكان في أواخر حياته مجبراً على استنشاق الغبار من صقل العدسات ، ونظراً لأن العمل الزائد في دراسته قد أجهده ، فقد أصيب بالسل ، وتوفي في الحادي والعشرين من شباط 1677 في مدينة لاهاي ولم يتجاوز عمره الـ 45 عاما
يكتب هيغل :" ان سبينوزا هو اللحظة الحاسمة في الفلسفة الحديثة ، فاما ان تكون السبينوزوية ، والا فلن تكون هناك فلسفة " .
أشياء كثيرة جمعت بين ديكارت وسبينوزا ، فكلاهما كان مصمماً على الشك في كل ما لم يكن في وسعه إثباته ، وكلاهما تعرض للاضطهاد نتيجة آرائهم ، وكلاهما اتهم بالإلحاد ..ومثلما اعتبر ديكارت مؤسساً لمنهج جديد في الفلسفة ، اعتبر سبينوزا قراءة ديكارت كجزء من دراسته للفلسفة وتعلم من ديكارت :" إن لاشيء يجب أن يقبل كحقيقة ، ما عدا ما كان قد تمّ إثباته بمنطق جيد وصلب "، لقد قبل سبينوزا كل التعاريف الديكارتية والميكانيكية للمادة والحركة ، كان سبينوزا على استعداد لان يكون الفيلسوف المثير للجدل ، وأن يقدم أفكاراً جديدة تثير حفيظة المجتمع المحافظ ، ولعل سبينوزا واحداً من الفلاسفة القلائل الذين قاموا بمهمتهم الفكرية والتنويرية بجديّة ، فرغم حملات المطاردة والتكفير وحرمانه من أهله وأصدقائه وميراث عائلته ، لكنه كرس حياته للفلسفة إيماناً منه بأنها تقدم خيراً دائماً يمنح العقل المستقل الهدوء والسكينة :"أدركت إنني في حالة خطيرة للغاية ، فأرغمت نفسي على البحث بكل قوتي عن علاج ، مع إنني كنت متيقناً إنني لن أجده ، لأن الإنسان المريض الذي يصارع مرضاً مميتاً ، عندما يرى أن الموت يحدق به بصورة أكيدة إذا لم يجد علاجاً ، يكون مجبراً على أن يبحث عن ذلك العلاج بكل قوته ، حيث تنعقد عليه كل آماله " .
لقد كان سبينوزا يعتقد إن ليس ثمة رضا ، ولا أمان دائماً في الثروة والشهرة ، أو التعلق في حب أي شيء زائل ، فالخير هو في تحريك العقل بالاتجاه الصحيح ، ويشبه منهجه في البحث الفلسفي بوجه عام منهج ديكارت. يصر سبينوزا أن يجمع ما لا تقبل به الفلسفة ، ولا يقبل بالفلسفة في مصطلح واحد هو "الخرافة" ، وهو يقيم فكرة الخرافة على مبدأين أساسيين يوضحهما بقوله : "يولد البشر جميعاً جاهلين بأسباب الظواهر التي يتعاملون معها ، وتحكمُ البشر جميعاً رغبة في البحث عن المفيد ، ويخترق الحاجة المفيدة عقل قاصر يلقي بالانسان في أوهام متعددة ، منها أن البشر ليس بمقدورهم أن يديروا أمورهم وفق خطة واعية ." وقد أصرّ سبينوزا على أن الخرافة تفسد الأديان ، لأن الدين ليس خرافة ، قابلاً من الدين الحقيقي قيمهُ التي تعلي شأن الحياة ، ونراه يصر على إرجاع الخرافة الدينية الى الجهل بقوانين الطبيعة وإلى أغراض سياسية ، إذ أن كل خطاب ديني حسب رأي سبينوزا هو خطاب سياسي ، غايته الطاعة والخضوع ، ويرى أن الدين الذي يتأسس على الجهل والعبودية ينطوي على حالات كثيرة من التعسف والإرهاب ، بسبب إصرار رجال الدين على انهم يحتكرون الحقيقة لوحدهم ، وهو يرى إن ثنائية الجهل والإرهاب الديني تمنع الفيلسوف عن التفلسف ، وتقمع كل العقول الحرة التي تتطلع الى المعرفة ، ولهذا يمثل الدفاع عن الفلسفة عند سبينوزا دفاعاً عن حرية التعبير ، وهو أيضاً يتحول الى إقامة دولة تنقض الخرافة بالفلسفة ، وتستبدل الوعظ الديني ، بتسامح المعرفة . وينتهي سبينوزا الى أمرين ضروريين : الأول ضرورة تحرير الإنسان من سلطة رجال الدين ، والثاني ضرورة تحرير الدولة من السلطة الدينية .
كان سبينوزاعلى استعداد أن يكون مثيراً للجدل، أن يقدم أفكاراً لا يقبلها الجميع، و أن يدافع عن آرائه بالحجج. يستمر عبر كتاباته في التأثير في من يقرؤون أعماله حتى عندما لا يتفقون تماماً مع ما يكتب. لم يستطع رأيه بأن الإله هو الطبيعة أن ينتشر، لكن بعد وفاته، كان له معجبون بارزون، ضمنهم الروائية الفكتورية جورج إليوت التي ترجمت كتابه الأخلاق، و فيزيائي القرن العشرين ألبرت أينشتاين الذي رغم أنه لم يؤمن بإله شخصي، كشف في رسالة إنه فعلاً يؤمن بإله سبينوزا.
كان إله سبينوزا كما رأينا إلها غير مشخص و ليست له صفات بشرية، و لن يعاقب أي أحد بسبب ذنوبه. سار جون لوك، الذي ولد في نفس السنة بمُسْتلهَمة جزئياً من اهتمامه بما يمكن أن يقع يوم الحساب ..
يحذرنا سبينوزا من الخوف الذي تشيعه الخرافة في المجتمعات ، ووجد أن مهمة الفيلسوف هي محاربة هذا الخوف الخرافي الذي أطلق عليه صفة "الخوف الخرافي" ، لأنه يسلب الإنسان وجوده الحقيقي الذي يليق به في الحياة ، وإذا كان المعلم ديكارت قد اصطدم بالقيود الدينية وهو يدافع عن حرية الفكر الإنساني ، فإن سبينوزا واجه مؤسسات الدين مطالباً بمجتمع إنساني حر ، مطالباً بإعلاء شأن إله حقيقي يتآلف مع المعرفة والتسامح ولايروّع أحداً ، وطالب أيضاً بتقصير المسافة بين المتدين العاقل والفيلسوف عن طريق دين يصوغه الفلاسفة ، دين يأخذ بمبادئ الأخلاق ويرى الله مرجعاً للفضيلة والإحسان ، لا مرجعا للحساب والعقاب ومثلما اشتهر ديكارت بمقولته الفلسفية :"أنا أفكر إذن أنا موجود"، قال سبينوزا :" أنا أعبر عن نفسي بحرية إذن أنا موجود"، مصراً على أن ديناً ينهي عن التفكير ويسوّغ العبودية والخرافة ، لاعلاقة له بالله ، ولاضرورة له مطلقا
جمع مؤرخو الفلسفة على أن إسبينوزا هو فيلسوف التنوير الأول، قبل أن تظهر حركة التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر، فهو الذي عاش قبل مئة عام من ظهور فولتير وروسو، كان قد واجه رجال الدين وسلطة الدولة في ظروف أشد صعوبة وخطورة، لقد تجرّأ إسبينوزا على نفي الطابع الخارق للمقدسات، في وقت كان فيه رجال الدين يسيطرون على أوروبا، ومع ذلك تجرّأ هذا الرجل المنبوذ من قومه، لأن يقول بوضوح بأن الكتاب المقدس له طابع تاريخي وبشري أيضاً، ويُصر على نفي المعجزات، ولا يعترف الا بما يمليه العقل على الأنسان، كل ذلك في كتاب لم يتجرأ ناشره وكاتبه على وضع اسمائهم الحقيقية عليه، كتاب مثّل ثورة في تاريخ الفكر البشري، ثورة دشنت العصور الحديثة ومهّدت لها، وقد ظهر تأثيره البارز على الفيلسوف الانكليزي جون لوك وخصوصاً في كتابه"مقال عن العقل البشري"الذي أكد فيه إيثار العقل على الوحي عند التعارض بينهما.وكان سبينوزا قد أكد في كتابه"رسالة في اللاهوت والسياسة"الذي صدر عام 1670 إن مهمة الفيلسوف هي في محاربة الخرافة ،لأنها تسلب الإنسان وجوده الحقيقي الذي يليق به في الحياة،، ولهذا يواجه سبينوزا المؤسسات الدينية مطالباً بمجتمع إنساني حر، والدعوة الى إله حقيقي يتآلف مع المعرفة والتسامح ولايروّع أحداً، و بتقصيرالمسافة بين المتدين العاقل والفيلسوف عن طريق دين يصوغه الفلاسفة، دين يأخذ بمبادئ الأخلاق ويرى الله مرجعاً للفضيلة والإحسان، لا مرجعاً للحساب والعقاب
كان سبينوزا في الثامنة والثلاثين من عمره عندما خاض معركته الكبيرة في تحرير العقل من الخرافات، وتحديد العلاقة بين الدين والسياسة، أو بين رجال الدين ورجال الحكم. ويضع إسبينوزا هدفاً أولياً لكتابه يؤكد فيه إن حرية الفكر لا تتعارض مع الإيمان الصحيح فـ إيمان يقوم على البحث الحر خير من إيمان يقوم على العادات والتقاليد الموروثة"والغرض الثاني من الكتاب هو أن حرية التفكير شرط لتحقيق الأمن الداخلي في البلدان، فالدولة حسب مفهوم إسبينوزا تضع التشريع للأفعال لا للأقوال أو الأفكار، فللمواطن أن يعبد الله بالطريقة التي يراها تناسبه، وله الحرية في أن يتصوره كما يريد.
وفي اللاهوت والسياسة يضع سبينوزا العقل في مرتبة متقدمة ويكفل له التحرر من كل سلطة، ونجده يخضع لحكم العقل حتى الكتب المقدسة إذ اعتبرها شبيهة بالوثائق التاريخية، وبسبب إيمانه الشديد بالعقل نجده ينكر الخوارق والمعجزات التي جاءت بالتوراة والإنجيل.. وبسبب هذه الاراء الصادمة لوحِق إسبينوزا في حياته ومماته، حيث تمّ حرق كتابة"رسالة في اللاهوت والسياسة"ومنِعت من الطبع، واضطر الناشرون أن يغيروا اسم الكتاب ومؤلفه ليعيدوا طبعه بسبب إقبال الشباب عليه، ولم يقف سخط السلطات الدينية على إسبينوزا في حياته، بل استمر بعد مماته، ففي عام 1880 اقترح أن يقام له تمثال في مدينته امستردام، فاحتج المجمع اليهودي ومعه الكنيسة على المشروع وألقى أحد رجال الدين خطبة أكد فيها إن كارثة ستصيب المدينة لو وضع التمثال بسبب غضب الله وسخطه.
لقد كان سبينوزا يعتقد أن ليس ثمة رضا، ولا أمان دائماً في الثروة والشهرة، أو التعلق في حب أي شيء زائل، فالخير هو في تحريك العقل بالاتجاه الصحيح.
يصر إسبينوزا أن يجمع ما لاتقبل به الفلسفة، ولا يقبل بالفلسفة في مصطلح واحد هو"الخرافة"، وهو يقيم فكرة الخرافة على مبدأين أساسيين يوضحهما بقوله :"يولد البشر جميعاً جاهلين بأسباب الظواهر التي يتعاملون معها، وتحكم البشر جميعاً رغبة في البحث عن المفيد، ويخترق الحاجة المفيدة عقل قاصر يلقي بالإنسان في أوهام متعددة، منها أن البشر ليس بمقدورهم أن يديروا أمورهم وفق خطة واعية."وقد أصرّ إسبينوزا على أن الخرافة تفسد الأديان، لأن الدين ليس خرافة، قابلاً من الدين الحقيقي قيمهُ التي تعلي شأن الحياة، ونراه يصر على إرجاع الخرافة الدينية الى الجهل بقوانين الطبيعة وإلى أغراض سياسية، إذ أن كل خطاب ديني حسب رأي إسبينوزا هو خطاب سياسي، غايته الطاعة والخضوع، ويرى إسبينوزا إن الدين الذي يتأسس على الجهل والعبودية ينطوي على حالات كثيرة من التعسف والإرهاب، بسبب إصرار رجال الدين على أنهم يحتكرون الحقيقة لوحدهم، وهو يرى إن ثنائية الجهل والإرهاب الديني تمنع الفيلسوف عن التفلسف، وتقمع كل العقول الحرة التي تتطلع الى المعرفة، ولهذا يمثل الدفاع عن الفلسفة عند إسبينوزا دفاعاً عن حرية التعبير، وهو أيضاً يتحول الى إقامة دولة تنقض الخرافة بالفلسفة، وتستبدل الوعظ الديني، بتسامح المعرفة. وينتهي إسبينوزا الى أمرين ضرورين : الأول ضرورة تحرير الإنسان من سلطة رجال الدين، والثاني ضرورة تحرير الدولة من السلطة الدينية.
✍ مقال للكاتب والصحفي العراقي علــي حســـين
رئيس تحرير جريدة المدى ، ومشرف نادي المدى للقراءة
تعليقات
إرسال تعليق